Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التفاوض في أوقات الأزمات: رسائل طهران المتناقضة إلى واشنطن

نائب وزير الاستخبارات الإيراني: أميركا تقول إما أن يتراجع النظام أو الإطاحة به أو يواجه نفس مصير نظام الأسد في سوريا

تشير الأدلة إلى أن إدارة ترمب لا تزال ملتزمة تطبيق سياسة الضغط الأقصى على النظام الإيراني (رويترز)

ملخص

لقد لجأ النظام الإيراني دائماً إلى أسلوب مزدوج عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الولايات المتحدة، لكن في هذه المرحلة فإن هذه التناقضات توضح أكثر من أي وقت مضى عدم اليقين الذي يشعر به النظام في تبني استراتيجياته الكبرى.

تزايدت التصريحات المتناقضة لمسؤولي النظام الإيراني في شأن التفاوض أو تجنب المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي بدأت حتى قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، مع فوز دونالد ترمب. وبلغت ذروتها مع توليه منصب الرئاسة في البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي. وكان الفارق بين هذه الفترة والأعوام السابقة هو أن عدداً أكبر من المسؤولين الحكوميين، أكانوا برلمانيين أو كبار المسؤولين في النظام، قد تحدثوا عن الفوائد وضرورة المفاوضات مع الولايات المتحدة.

إن زيارات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دول مختلفة وزيارة بعض المسؤولين من الدول التي لعبت في السابق دور الوسيط بين طهران وواشنطن إلى إيران، ما هي إلا شواهد واضحة على جهود النظام الإيراني لفتح الطريق أمام المفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء، فقد أرسلت طهران مجموعة متنوعة من الرسائل والإشارات إلى دونالد ترمب، كان مفادها أن النظام مستعد للتفاوض.

وتعززت الآمال في طهران عندما أعلن الرئيس الأميركي أنه يأمل في حل القضايا مع إيران من دون الحاجة إلى الحرب. وبعد هذه التصريحات، لم يترك المرشد علي خامنئي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات مع الولايات المتحدة فحسب، بل تحدث عن إمكانية عقد صفقة مع أميركا، مؤكداً ضرورة اليقظة من جانب المسؤولين الإيرانيين. إلا أنه في الأيام الأخيرة، لوحظت تغييرات في خطاب القادة والمسؤولين الإيرانيين حول المفاوضات مع أميركا، ودراسة هذه التغييرات قد تساعدنا في فهم الخفايا والتطورات خلف الكواليس.

وفي مساء الأحد الماضي، كشف نائب وزير الاستخبارات (اطلاعات) الإيراني حسين صفدري، عن غير قصد، عن بعض هذه التطورات، إذ قال إن الولايات المتحدة وضعت ثلاثة شروط للمفاوضات، "إما أن يتراجع النظام، أو يتم الإطاحة به، أو ينتظره مصير مماثل لمصير نظام بشار الأسد في سوريا".

وأضاف نائب وزير الاستخبارات الإيراني، أن "المفاوضات في الوقت الراهن ليست مناسبة، ولا أحد لديه الرغبة في التفاوض مع الإدارة الأميركية، لأن هدف الأميركيين في التفاوض ليس التوصل إلى صفقة مبنية على الاحترام المتبادل، بل هم يسعون إلى ممارسة الضغوط وخلق الخوف".

وفي تصريح للمتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان إبراهيم رضائي، بعد أن عقدت اللجنة اجتماعاً مشتركاً مع وزير الخارجية عباس عراقجي، مساء الإثنين الماضي، قال نقلاً عن عراقجي إن "المفاوضات مع الولايات المتحدة ليست مدرجة على جدول أعمال الحكومة، وتم تحذير المسؤولين الذين تحدثوا عن المفاوضات مع واشنطن". ويأتي هذا رغم أن عراقجي كان قال في مقابلة له مع قناة "سكاي نيوز" قبل أسبوع، إن الجمهورية الإسلامية مستعدة لسماع ما يقوله ترمب، وبعد ذلك ستتخذ قراراً في شأن المفاوضات مع الولايات المتحدة.

وفي الـ28 من يناير الماضي، نصح خامنئي، بعد أعوام من المعارضة الشديدة للمفاوضات أو التعامل مع الولايات المتحدة، المسؤولين الحكوميين في تصريح غامض بأن يكونوا حذرين من الأشخاص الذين يتعاملون معهم.

فتح الباب أمام المفاوضات

وبعد هذه التصريحات، فسر بعض المسؤولين الحكوميين هذا التصريح بأنه يعني فتح الباب أمام المفاوضات مع أميركا. ومن بينهم عضو البرلمان السابق علي مطهري، إذ قال إن تصريح المرشد خامنئي أظهر أنه موافق على "مبدأ التفاوض"، شريطة أن ينتبه المسؤولون إلى ما يدور في عقل الطرف الآخر، وأن يتصرفوا بذكاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أحدث التصريحات حول المفاوضات مع أميركا، دافع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي أكبر أحمديان صراحة عن المفاوضات، وقال "إذا ما كنا عنيدين في الوقت الذي يجب أن نكون فيه مرنين، سوف نتضرر". مضيفاً أنه "حتى مع الكفار يمكن التفاوض على أساس مبدأ المقاومة". وأردف أحمديان قائلاً، "العدو يقول إن المسؤولين الإيرانيين خائفون، وهناك بعض الأشخاص في الداخل يقولون: لماذا لا تقاتلون؟".

وفي الوقت نفسه، قال نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، إن "الجمهورية الإسلامية يجب أن تتفاوض مع الجميع باستثناء إسرائيل". كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن "الجمهورية الإسلامية ستقوم بالتفاوض متى ما شعرت أن الحوار يمكن أن يخدم مصالحها".

وما ورد أعلاه فهو مجرد بعض من الرسائل والإشارات التي أظهرت رغبة النظام الإيراني بالتفاوض مع الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. وهذا رغم أنه في الأسابيع الأخيرة، إلى جانب التيار الذي يؤكد العداء لأميركا وضرورة الانتقام من ترمب، دافع بعض كبار المسؤولين الحكوميين، ومنهم الرئيس مسعود بزشكيان، عن المفاوضات مع واشنطن.

سياسة الضغط الأقصى

وعلى الجانب الآخر من القصة، هناك إدارة دونالد ترمب التي تشير الأدلة والشواهد إلى أنها لا تزال ملتزمة تطبيق سياسة الضغط الأقصى على النظام الإيراني. بالطبع، لم يحدد ترمب نوع السياسة التي يتخذها تجاه إيران بعد، لكن الموقف الذي اتخذه المسؤولون الأميركيون أثار مخاوف طهران إلى درجة أن الجميع، بدءاً من المرشد علي خامنئي ومروراً بأعضاء البرلمان أصيبوا بالتردد، ولهذا شاهدنا تصريحات متناقضة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال أسبوع واحد، غير المرشد خامنئي موقفه من "التعامل مع العدو" إلى "الموت لأميركا"، بينما كشف نائب وزير الاستخبارات شروط الولايات المتحدة للمفاوضات مع إيران.

تناقضات النظام

لقد لجأ النظام الإيراني دائماً إلى أسلوب مزدوج عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الولايات المتحدة، ولكن في هذه المرحلة، فإن هذه التناقضات توضح أكثر من أي وقت مضى عدم اليقين الذي يشعر به النظام في تبني استراتيجياته الكبرى. وحتى هذه اللحظة، كانت جميع أركان النظام، من أعلى مستوياته إلى أدنى المستويات، تعارض بالإجماع التفاوض مع الولايات المتحدة، لكن الآن، ونظراً للأزمة الاقتصادية، والاحتجاجات الشعبية، وتراجع شرعية النظام، تسعى بعض التيارات إلى فتح منفذ دبلوماسي للحفاظ على بقاء النظام، في حين يخشى آخرون من أن ينظر إلى المفاوضات مع ترمب على أنها دليل ضعف نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وإضافة إلى ما ورد، فلا ينبغي لنا أن نتجاهل تكتيك النظام في شراء الوقت، الذي يستخدمه عادة لتخفيف الضغوط. كما يسمح هذا التكتيك للنظام أيضاً بقمع المعارضة من جهة، وإبقاء الدول الأجنبية في حال انتظار من جهة ثانية. إذ استخدم النظام هذا الأسلوب سابقاً في المفاوضات النووية.

وبشكل عام، فإن التصريحات المتناقضة التي أدلى بها المسؤولون في النظام الإيراني هي دليل واضح على عدم اليقين في السياسة العامة للنظام تجاه الولايات المتحدة، خصوصاً إدارة ترمب. وطهران على يقين أنها ستخسر في هذه اللعبة، سواء بالمفاوضات أو من دونها، لأنه إذا ما دخلت مفاوضات، فهذا يعني أنها ستعترف بضعفها، وإذا لم تتفاوض، فإن العواقب قد تصل إلى الإطاحة بالنظام برمته. وهذا يتوقف على قبول الولايات المتحدة مبدأ التفاوض مع إيران.

المزيد من تقارير