ملخص
إضراب عام شمل المدينة احتجاجاً على التدهور الأمني وبدت المدينة اليوم الثلاثاء خالية تماماً وأغلقت الأسواق والمحال التجارية.
يعاني سكان المنطقة الخوف والقلق جراء تراجع الأمن والاستقرار مع زيادة المفخخات، وارتفاع معدلات الجريمة والسرقة، والعمليات الانتقامية وسط حال من الفلتان والفوضى العارمة.
استفاقت مدينة منبج في ريف حلب الشرقي شمال سوريا أمس الإثنين على مجزرة جماعية بحق مدنيين من أهالي المنطقة التي تعيش هجمات متتالية بواسطة مركبات مُفخخة كسرت هدوء المدينة الشمالية القريبة من الحدود الجنوبية لتركيا.
هجوم أمس لم يكُن الوحيد بعد ما سقطت المدينة بيد قوات الجيش الوطني في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024، لكنه الأعنف إذ أودى بحياة 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بجروح بحسب إحصاء الدفاع المدني، في حين لا تزال حالات عدد من المصابين خطرة مما يرشح ارتفاع عدد الوفيات، وجميعهم من عمال الزراعة. وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإن السيارة المفخخة ركنت على الطريق العام الرئيس للمدينة، وهذا التفجير يعدّ السادس من نوعه في المناطق التي سيطرت عليها الفصائل الموالية لتركيا أخيراً.
الإضراب حتى عودة الأمن
في غضون ذلك، كشفت مصادر أهلية عن إضراب عام شمل مدينة منبج (تبعد 30 كيلومتراً من نهر الفرات غرباً، كما يفصلها عن مدينة حلب قرابة 80 كيلومتراً) احتجاجاً على التدهور الأمني، فبدت المدينة اليوم الثلاثاء خالية تماماً وأغلقت الأسواق والمحال التجارية، وكشف أحد الأهالي عن خوف سكان المنطقة جراء تراجع الأمن والاستقرار مع زيادة المفخخات، وارتفاع معدلات الجريمة والسرقة، والعمليات الانتقامية وسط حال من الفلتان والفوضى العارمة.
وكانت المدينة شهدت تفجيرات في مواقع عدة، أمام الجامع الكبير وشارع التجنيد وشارع الرابطة وأمام مشفى بركل وشارع الأقصى، مما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين. في حين وثق "المرصد السوري" مقتل تسعة أشخاص بينهم عناصر من فصائل الجيش الوطني، وإصابة 15 آخرين بجروح بينهم مدنيون وأطفال إثر انفجار آلية مفخخة قرب موقع عسكري تابع للفصائل في شارع الرابطة بمدينة منبج السبت الماضي.
التحقيق وكشف المستور
وتبادلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد، تحالف عسكري يضم أعراقاً وقوميات في الشمال الشرقي السوري بقيادة المكون الكردي) وفصائل الجيش الوطني (المدعومة تركياً) الاتهامات عن مسؤولية الانفجار الأخير، إذ ذكرت وسائل إعلامية تابعة للجيش الوطني أن أسلوب المفخخات تتبعه "قسد" لضرب الاستقرار في المدينة، بينما سارعت قوات سوريا الديمقراطية إلى إدانة الهجوم الأخير ووصفته بـ "الإرهابي" وقذفت بالاتهام نحو الفصائل المدعومة من تركيا، وجاء في بيان لها أنها مستعدة للكشف عن المجرمين، وعرضت على إدارة دمشق خبرتها في التحقيق لما تملكه من تجربة للكشف عن الحقائق.
وأضاف البيان الصحافي الصادر عن "قسد" أن "قواتنا تملك تجربة واسعة في الكشف عن المجرمين، وتعرض تجاربها في التحقيق للكشف عن الأطراف الحقيقية المجرمة التي تقف وراء التفجيرات، وكذلك الأطراف التي تحاول التستر على أفعالها من خلال التهم الجاهزة التي يتم توجيهها لقواتنا بعد دقائق من وقوع تلك الحوادث من دون تحقيقات أو أدلة".
في المقابل يرى رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية الشيخ مضر حماد الأسعد في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن ما يحدث أشبه برسائل ضغط سياسية وإعلامية واجتماعية من جانب "قسد" والهدف منها تعكير الجو العام وإحباط الفرحة التي سادت بعيد إسقاط نظام الأسد، وثانياً هي رسالة لأهالي منبج والشعب السوري عامة أن خروج "قسد" من منبج يعني إحلال الفوضى كعنوان المرحلة، والإيحاء بعدم قدرة السلطة القائمة على ضبط الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة، واعتبر الشيخ الأسعد أنها رسالة مهمة تريد "قسد" إيصالها إلى الداخل والخارج، وكذلك تعمل من خلال الضغط الأمني والعسكري بغية الحصول على امتيازات أكبر في منطقة الجزيرة والفرات من القيادة السياسية السورية في دمشق.
الاتهامات المسبقة
لا يغيب عن ذاكرة أهالي المدينة والسوريين ما عاشته منبج من حال صراع مسلح وحرب ضروس منذ عام 2013، إذ إنها تعتبر الشريان الاقتصادي في المنطقة الذي يربط مدينة حلب بمناطق شرق الفرات وغربها وصولاً إلى محافظات ومدن مثل القامشلي والحسكة والرقة وشرق دير الزور، فقد سيطرت عليها قوات المعارضة ممثلة بما يسمى سابقاً "الجيش الحر" عام 2014 بعد تقدم تنظيم "داعش" ليبقى فيها عامين متتالين قبل أن تنتزعها "قسد" بدعم من التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية عام 2016، وشكلت مجلساً عسكرياً يضم مختلف أطياف المجتمع العرقية والدينية.
ويجزم عضو شبكة "راصد" لحقوق الإنسان الكردية ومسؤول الفروع الخارجية جوان اليوسف في حديث خاص، عدم تورط "قسد" بأي تفجير من التفجيرات سواء في مدينة منبج أو حتى في أي مكان آخر على مدى 14 عاماً مضت ولم يثبت عليها ذلك.
ويعتقد في الوقت ذاته بأن هناك مسألة جانبية أخذت تتصدر المشهد وهي التحريض ضد الكرد و"قسد"، "أعتقد من المعيب الحديث عن مسألة أهمية منبج العسكرية لأن الصراع بين أبناء سوريا، وليس بين دولة ودولة أخرى كي يتم البحث عن الأهمية، منبج بالنهاية ستكون إحدى بلدات سوريا مثلها مثل أي بلدة أخرى، من يريد منبج هم الأتراك والسبب في واقع الأمر يتعلق بالأطماع التركية في المنطقة الممتدة بين قرقوزاق حيث قبر سلطان شاه إلى الحدود التركية مروراً بمنبج، بمعنى أنها تريد ممراً إلى قبر سليمان".
وأضاف "أعتقد إذا لم يتمكن السوريون من لملمة جراحهم وبناء الدولة السورية فإن المنطقة الممتدة بين منبج ودير حافر وصولاً إلى عفرين ستصبح تركية ربما مع نهاية القرن".
وبالحديث عن التفجيرات والمركبات المفخخة يذهب طرف ثالث إلى الاعتقاد بوجود أيادٍ خفية، إذ من الممكن أن يكون تنظيم "داعش" يسعى وراء الزج بالمركبات المفخخة لإيجاد موطئ قدم له والعودة مجدداً للواجهة، وتسبق ذلك الاستفادة من حال الصراع، خصوصاً أن لديه بحسب رأي خبراء، الباع الطويل في تفخيخ وتلغيم الطرق والممرات وضرب الحواجز الأمنية ونصب الكمائن خلال فترة وجوده على الأرض وفي الميدان.
مقابل ذلك يرى الشيخ مضر الأسعد من مجلس القبائل السورية أن تحرير منبج في ديسمبر الماضي من يد "قسد" يعني تحرير شرق حلب بصورة كاملة، لا سيما أن المدينة تعني كثيراً بالنسبة إلى وحدات الحماية الكردية، وتمثل قاعدة مهمة لقوات سوريا الديمقراطية وتنظيم "بي بي كي"، مردفاً أن "لذلك يحاولون تعكير الجو في المدينة وزرع الرعب فيها، خصوصاً أن أهلها كانوا بحال انتفاضة ضد الميليشيات الكردية ووجود هذه الميليشيات واستمرارها له تأثير في مدن سوريا المحررة مثل جرابلس وأعزاز والباب القريبة من الحدود التركية، وأهالي المدينة لن يسكتوا على تلك المجازر".
ويصف الشيخ الأسعد المكون الكردي في المنطقة بـ "الأخوة" وهم من نسيج الشعب السوري، ولكن يعتبر أن قوات سوريا الديمقراطية ظلت تشكل "خنجراً" في خاصرة الانتفاضة، وجاؤوا من خارج الحدود لمحاربة الانتفاضة، واختتم أن "مصيرهم الطرد من سوريا بعدما سرقوا النفط السوري والغذاء وارتكبوا جرائم مروعة بحق الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأثناء، تحافظ قوات حماية الشعب الكردي وعبر الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي البلاد على أكثر مناطق سوريا الخصبة بالنفط والغاز، والأراضي التي تنتج سلة الغذاء السوري مدعومة من أميركا أثناء الصراع المسلح، في وقت لم تفضِ المفاوضات بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية ويتزعمها مظلوم عبدي، إلى أية نتائج وسط تطمينات من رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع بضمان حقوق المكون الكردي في البلاد.
وبحسب مركز جسور للدراسات، فقد تغيرت خرائط السيطرة والنفوذ في سوريا بعد معارك "رد العدوان" في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، لا سيما الأراضي الواقعة تحت سيطرة "قسد"، إذ أطلق الجيش الوطني شمال البلاد غرفة عمليات اسمها "فجر الحرية" ركزت على التقدم في مناطق سيطرة "قسد" في تل رفعت وشرق حلب، "وتراجعت مناطق ’قسد‘ بعد سقوط الأسد وزادت في أخرى، فقد استقرت عام 2022 بما يزيد على 28 في المئة، ومن المتوقع أن تتراجع نسب سيطرتها لمصلحة الفصائل في غرفة عمليات ’فجر الحرية‘ التي تتقدم في منطقة عين العرب (كوباني) وفي محافظة الرقة".
في الأثناء، يعتقد الباحث الحقوقي في شبكة "راصد" لحقوق الإنسان الكردية جوان اليوسف بأن شمال شرقي سوريا ليست العقدة النهائية كما يحاول فريق من الخبراء وضعها، وتابع أنه "عندما تصبح السويداء ودرعا وعفرين ومنبج وإدلب فعلياً تحت سيطرة الحكومة الجديدة عندها سيكون شرق الفرات أيضاً تحت سيطرتها، لكن إذا استمرت الأمور في المنحى الحالي، فأعتقد بأن شمال شرقي سوريا ستكون الشعرة التي ستقصم ظهر سوريا".
وأضاف أن "’قسد‘ منفتحة على الحكومة الجديدة وترغب في حل الأمور وهي لديها مطالب محقة تتمثل في المركزية الإدارية لشمال شرقي سوريا وضمنها حقوق الكرد بتمثيل أنفسهم في منطقتهم، وهذا ينطبق على كل سوريا".
ولفت اليوسف إلى أن أمام الشرع ملفات عدة ويعتقد بأن البداية غير مطمئنة "فكل المؤشرات تدل على أنه يريد الاستئثار بالسلطة، بل إن تشكيلة حكومته تدل على أنها طائفية بامتياز، وهو حتى الآن لا يهتم، ويحاول أن يحصل على شرعية الخارج، ويذكرنا ذلك بالانقلابات العسكرية التي مرت بها المنطقة، من دون أن نستبق الأمور أقول إذا بقي في هذا المسار فنحن ذاهبون إلى كارثة جديدة قد لا ننتهي منها في زمن قصير".