ملخص
مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين أصدر عام 2020 فتوى شرعية حرم فيها "بيع الأراضي إلى الأعداء"، وتنص على أن "من يبيع أرضه لأعدائه يعتبر مساعداً لهم على إخراج المسلمين من ديارهم، ويدخل في المكفرات العملية، ويعتبر من الولاء للكفار المحاربين، والمخرج من الملة، ويعتبر فاعله مرتداً عن الإسلام".
على رغم مرور نحو 200 يوم على طلب محكمة العدل الدولية من إسرائيل وضع حد لاحتلال الأراضي الفلسطينية بعد عام 1967، وإنهاء أية تدابير فيها تسبب تغييراً ديموغرافياً أو جغرافياً فيها، وتأكيدها أن سياسات إسرائيل الاستيطانية واستغلالها الموارد الطبيعية في الضفة الغربية، يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فإن عضو الكنيست الإسرائيلي شلومو سولومون من كتلة "الصهيونية الدينية" الشريكة في الائتلاف الحكومي، لا يكترث وحسب بأي من تلك القرارات، بل بادر إلى تحديها بطرح مشروع قانون يسمح لعدد متزايد من المستوطنين بشراء الأراضي وتوسيع المستوطنات بالضفة من دون أية قيود، بل ويثبت الأرض باعتبارها ملكاً إسرائيلياً أو يهودياً. وحتى لو أقيمت دولة فلسطينية، فإن الأراضي ستبقى حقاً للمالك اليهودي. مشروع القانون الذي أيده 58 نائباً وعارضه 33، نجح بالمرور في القراءة التمهيدية الأولى وصادقت عليه اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، على أن يتم المضي قدماً في تشريعه، من خلال إجراءات أخرى بموافقة من مكتب رئيس الوزراء والوزارات الحكومية وبالتنسيق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.
120 شركة
ويحظر القانون الفلسطيني بيع أراضٍ للإسرائيليين أينما كانت، وتحت أي ظرف، ويعد ذلك جرماً محرماً، و"خيانة عظمى". وفرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2014 عقوبة السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة على "كل من يحول أو يؤجر أو يبيع الأراضي الفلسطينية لدولة معادية أو أحد أفرادها". ووفقاً لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني يوجد في الضفة الغربية أكثر من 120 شركة تعمل في مجال تسريب الأراضي للإسرائيليين تحت تسميات عربية وأخرى إسرائيلية.
حاجات أمنية
وبموجب مشروع قانون سولومون سيتم إلغاء القانون الأردني رقم "40" لسنة 1953 المعمول به حالياً، والذي يمنع تأجير أو بيع أراضٍ أو عقارات للأشخاص الذين لا يحملون الجنسية الأردنية أو للعرب، ويمنع اليهود من تملك الأراضي بالضفة. وعلى رغم إصدار القائد العسكري للضفة في عام 1971 مرسوماً يسمح لليهود بشراء أراضي الضفة الغربية فقط من خلال شركة مسجلة لدى الإدارة المدنية، فإن القانون المقترح إذا ما تمت المصادقة على تشريعه بصورة نهائية، سيلغي كل القرارات العسكرية السابقة التي صدرت وأعطت الإدارة المدنية الإسرائيلية الحق في التشريع وتفسيرات القانون الأردني بصورة تتلاءم مع "الحاجة الأمنية" إلى المستوطنات وفق تفسيرات المحكمة الإسرائيلية، مما يعني وفقاً لمحللين، أن استهداف أراضي الضفة لم يعد يقتصر على النقاط والقواعد العسكرية والبؤر الرعوية، إنما تجاوز الأمر إلى تمليك المستوطنين في أية بقعة من أراضي الضفة حتى وإن كانت تخضع لسيادة السلطة الفلسطينية.
وحذرت حركة "سلام الآن" اليسارية الإسرائيلية من أن مشروع القانون هو "خطوة ضم أخرى في الضفة الغربية، يسعى من خلالها إلى السماح للمستوطنين بشراء أراضٍ من دون أي رقابة، في جميع أنحاء الضفة، سواء كان ذلك في قلب الخليل أو في أي مكان آخر، وتحويلها إلى مالكي المكان، بكل ما يعني ذلك. وأضافت، "منح الكنيست صلاحية سن قوانين في منطقة ليست تحت السيادة الإسرائيلية، يعني الضم وانتهاك سافر للقانون الدولي". وشددت على أن مشروع القانون يشكل "ثغرة لصفقات عقارية مشبوهة ومزور". وخطورة القانون بحسب الفلسطينيين، لا تكمن فقط في قيام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بتقويض صلاحيات "الإدارة المدنية" ونقل صلاحيات تقديم الخدمات بمختلف المجالات إلى مختلف الوزارات بالحكومة الإسرائيلية، بل بتزامنه مع تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لواية ثانية عبر فيها مراراً عن مواقف داعمة لإسرائيل بصورة غير مسبوقة بكل ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين.
واعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الالتفاف على القانون الأردني وتشريع القانون الإسرائيلي يعد خطوة إضافية نحو التوسع الاستيطاني والتملك في المنطقة "جيم" التي تشكل 61 في المئة من مساحة الضفة و90 كيلومتراً على الحدود مع الأردن، خصوصاً أن رئيس حزب "الصهيونية الدينية" ووزير المالية سموتريتش، تقدم بمشروع مشابه في يوليو (تموز) عام 2018، طالب فيه "بإلغاء التمييز في شراء الأراضي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والسماح لليهود بشراء أراض عبر شركات وتسجيلها على اسمهم مباشرة من دون الحاجة إلى موافقة الإدارة المدنية".
ووفقاً لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي فإن عضو الكنيست سيمحا روثمان بادر أيضاً الشهر الماضي لمشروع قانون يسمح للإسرائيليين بتسجيل أنفسهم كمالكي أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية. وقال إن مشروعه "غير مسبوق وأخلاقي وعادل، ومن شأنه أن يصحح مظاهر العنصرية المستمرة منذ فترة طويلة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ضد اليهود".
وبحسب منظمة متطوعين لحقوق الإنسان "ييش دين"، يقطن في منطقة "جيم" التي تسيطر فيها السلطات الإسرائيلية على الجوانب القانونية والإدارية والأمنية قرابة 400 ألف مستوطن وأكثر من 300 ألف فلسطيني
أشغال شاقة
في المقابل رأت وزارة الخارجية الفلسطينية مشروع قانون سولومون "تعميقاً لاستباحة الضفة بما فيها القدس الشرقية، وتطبيقاً لقوانين إسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي"، ووصفته بأنه "ضم زاحف واستخفاف بالمجتمع الدولي وقراراته".
ودعا مجلس الوزراء الفلسطيني إلى "ضرورة تكثيف الضغط الدولي على الاحتلال لوقف هذه الإجراءات".
من جانبها أكدت النائبة العربية في الكنيست الإسرائيلي عايدة توما أن "التشريعات الإسرائيلية تتسارع أخيراً لتكريس مخطط الضم وتحويله إلى أمر قانوني"، لافتة إلى أن هذا القانون لم يكن ليمر لولا "الدعم الكبير الذي حصل عليه من اللجنة الوزارية للتشريع في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة"، وحذرت في الوقت نفسه من أن بيع فلسطينيين ضعاف الأنفس أراضيهم للمستوطنين، سيمنحهم الفرصة لاستخدام كل الوسائل الممكنة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوانين مشددة
ولمواجهة عمليات تسريب الأراضي والعقارات وضعت السلطة الفلسطينية قوانين مشددة تجاه بيع الأراضي في الضفة الغربية لحملة الهوية الإسرائيلية من الفلسطينيين، وكذلك أخضعت البيع حتى لفلسطينيي الضفة، لرقابة مشددة، خصوصاً إذا ما كانت الأراضي المراد بيعها تقع في منطقة "جيم" أو قريبة من الحدود أو المستوطنات، إذ يحتاج أي مُشترٍ لأراضٍ في تلك المناطق، لمصادقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية أولاً، ثم مصادقة مجلس الوزراء الفلسطيني. وقد أحبط جهاز الاستخبارات العامة الفلسطينية، قبيل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، صفقة تسريب أراضٍ فلسطينية لمصلحة مستوطنين تقع في أراضي قرية "نحالين" القريبة من مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية، تبلغ مساحتها 600 ألف متر مربع، وهي ملاصقة لمستوطنتي "بيتار عيليت" و"دانيال".
تزوير واحتيال
وكشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في وقت سابق عن إحباط عمليات بيع أكثر من 35 مليون متر مربع من أراضي الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، من خلال سماسرة وشركات عقارية بإسرائيل يقدر بأنها لا تقل عن 650 شركة تقوم، وفقاً للهيئة، بعمليات شراء الأراضي عبر التزوير والاحتيال وتبييض عمليات التزوير، إما بانتحال أسماء شخصيات، وتغيير البصمات، أو تزوير الوثائق.
وقال المستشار القانوني للهيئة عايد مرار إن "القانون الفلسطيني يعتبر نقل ملكية أي أرضٍ لمواطن من دولة معادية جناية يعاقب عليها القانون بالأشغال الشاقة الموقتة خمس سنوات في الأقل". وأوضح أن الهيئة تتحرى ملكية الأرض عبر خبراء خطوط وبصمات وبإظهار مخططات المساحة، ومن ثم توكيل محامين متخصصين لكشف التزوير وإثبات الملكية الفلسطينية لها، من دون كلفة المواطن الفلسطيني بأي التزامات مالية. ووفقاً لأرقام فلسطينية رسمية، تصادر إسرائيل 24 في المئة (أي ما يعادل 750 مليون متر مربع) من أراضي الضفة الغربية المقدرة بـ5500 كيلومتر مربع، وأعلنت 650 مليون متر مربع مناطق عسكرية مغلقة، ثم استخدمتها للاستيطان، بحجة أنها أراضٍ بور (غير مستصلحة) وفق القانون العثماني 1858، في وقت سيطرت فيه الحكومة الإسرائيلية كذلك على 550 مليون متر مربع كانت تتبع لخزانة المملكة الأردنية، وأغلقت 160 مليون متر مربع من الأراضي المحايدة لنهر الأردن، لتحول لاحقاً نحو 700 مليون متر مربع محميات طبيعية.
تسهيلات مسبقة
صعوبات وعراقيل صفقات شراء الأراضي من فلسطينيين، وما يتعين على ذلك من إجراءات معقدة يلزم تنفيذها داخل المحاكم الشرعية الفلسطينية، إضافة إلى أن جهات فلسطينية تعمل ضد تسريب الأراضي للمستوطنين، دفعت قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته يهودا فوكس عام 2022 لإصدار أمر عسكري نافذ يتيح للفلسطينيين ممن يريدون بيع أراضيهم في الضفة الغربية، استصدار قرار "حصر إرث" من محكمة شرعية إسرائيلية بدلاً من فلسطينية، بهدف السماح للفلسطينيين بالحصول على القرار التقني (حصر الإرث) من دون تدخل ومتابعة السلطة الفلسطينية وأفراد الأمن الوقائي وإخضاعهم للاعتقال والتعذيب، وكذلك إضفاء مزيد من السرية حول عمليات البيع، ما يشجع الراغبين في تنفيذ الصفقات من دون الخوف من العواقب، المر الذي اعتبرته وزيرة الاستيطان في الحكومة الإسرائيلية أوريت ستروك حينها "رداً ذكياً وناجعاً مقابل الحرب الوحشية التي تخوضها السلطة الفلسطينية ضد شراء اليهود الأراضي"، وهي التي أكدت منتصف يناير الماضي، أنها تستمد التشجيع لدفع ضم الضفة الغربية من فريق الإدارة الأميركية الذين تم اختيارهم مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، والسفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، وقالت إنها "ترى هؤلاء الأشخاص ومواقفهم المؤيدة لإسرائيل أكثر انسجاماً ليس فقط مع الحكومة الإسرائيلية، ولكن مع غالبية الإسرائيليين"، معلنة أن مكتبها "يعمل بأقصى سرعة تمهيداً لتطبيق ما وصفتها بالسيادة على الضفة الغربية".
يذكر أن مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين أصدر عام 2020 فتوى شرعية حرم فيها "بيع الأراضي إلى الأعداء"، وتنص على أن "من يبيع أرضه لأعدائه يعتبر مساعداً لهم على إخراج المسلمين من ديارهم، ويدخل في المكفرات العملية، ويعتبر من الولاء للكفار المحاربين، والمخرج من الملة، ويعتبر فاعله مرتداً عن الإسلام".