ملخص
نجاح الخطوة قد يشجع على الانتقال إلى أخرى لا تقل أهمية عن جواز السفر الموحد، ألا وهي تأسيس عملة مشتركة بدلاً من الفرنك الأفريقي الذي تشرف عليه فرنسا.
تعيش منطقة الساحل الأفريقي تحولات كبيرة على المستويات كافة، فبعد الانقلابات التي شهدتها مالي والنيجر وبوركينافاسو وأفرزت أنظمة عسكرية، ثم مغادرة القوات الفرنسية والأميركية واستقبال أفراد مجموعة "فاغنر" الروسية والانسحاب من منظمة "إيكواس"، جاء الدور على توحيد جواز السفر في خطوة ذات دلالات عدة قد تؤسس لفضاء اتحادي مواز لنظام "شنغن" الأوروبي في أفريقيا.
إعلان وتساؤلات
وأعلن تحالف دول الساحل الذي يضم مالي والنيجر وبوركينافاسو في تحول إستراتيجي إصدار جواز سفر موحد لمواطني الدول الثلاث، قائلاً في بيان رسمي إن جوازات السفر القديمة ستبقى سارية المفعول لغاية انتهاء صلاحيتها.
وعلى رغم التساؤلات التي أثارها القرار حول انعكاس ذلك على أرض الواقع في منطقة تشهد اضطرابات أمنية وسياسية متزايدة، وبخاصة بعد الانقلابات التي عرفتها مالي والنيجر وبوركينافاسو وتسببت في مقتل آلاف وتشريد الملايين، وبينهم من انتقل إلى دول شمال أفريقيا بحثاً عن العبور إلى السواحل الأوروبية، لكن السلطات العسكرية في باماكو ونيامي وواغادوغو تتمسك بجواز السفر الموحد من أجل تأمين حرية التنقل للبضائع والأشخاص وتعزيز التحالف الفريد الذي ظهر عام 2023، إذ صادق الوزراء المسؤولون عن قطاع الأمن في الدول الثلاث على المواصفات الموحدة لجواز السفر وبطاقة الهوية الوطنية حتى تقدم إلى رؤساء الدول للموافقة عليها.
خطوة مهمة في تدعيم الكونفدرالية
وفي السياق يرى أستاذ العلاقات الدولية جمال شرشالي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه في حال تمكنت مالي وبوركينافاسو والنيجر من اعتماد جواز سفر موحد فستكون بذلك قطعت خطوة مهمة وحاسمة في تدعيم تحالفها، وبالتالي فتح المجال أمام تكتلات عدة لاتخاذ الخطوة نفسها، مشيراً إلى أن القرار قد يشجع الاتحاد الأفريقي على التفكير جدياً في الموضوع وتأسيس فضاء يوازي "شنغن" الأوروبي، وهو ما ستترتب عليه تحسينات اجتماعية مع ترقية القدرات الاقتصادية لتتحول أفريقيا إلى قارة يتمتع أبناؤها بثروة ورفاهية بدلاً من الفقر والحروب، ولا سيما مع الوعي الحاصل على مستويات عدة وأهمها رفض التبعية والاستغلال، وإن كان الأمر محصوراً على نطاق معين.
ويواصل شرشالي أن "هذه الدول تبحث عن الاستقلالية على اعتبار أن أول خطوة قامت بها هي الانفصال عن الكتلة الإقليمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) احتجاجاً على العقوبات المفروضة عليها بسبب الانقلابات العسكرية"، موضحاً أن نجاح الخطوة قد يشجع على الانتقال إلى أخرى لا تقل أهمية عن جواز السفر الموحد، ألا وهي تأسيس عملة مشتركة بدلاً من الفرنك الأفريقي الذي تشرف عليه فرنسا ويعتبر إرثاً من السياسة الاستعمارية الفرنسية.
ورجح شرشالي انضمام دول أفريقية عدة إلى التحالف مستقبلاً في ظل إقصاء القوى الغربية عن القارة، غير أن صمت دول شمال أفريقيا، ولا سيما الجزائر التي تعتبر حدودية مع المنطقة، يطرح تساؤلات ويثير استفهامات، على اعتبار أنها لم تبد رأياً حول مختلف مواضيع الوحدة التي تنتهجها دول الساحل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمديد الموعد بعد الانسحاب من "إيكواس"
وبعد أن كان مقرراً انسحاب "كونفدرالية دول الساحل" التي تضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بصورة رسمية في الـ 29 من يناير (كانون الثاني) الماضي جرى تمديده إلى الـ 29 من يوليو (تموز) المقبل، وهو الموعد المتفق عليه في شأن إطلاق جواز السفر الموحد، ليبقى العمل على مبادرات اقتصادية وعسكرية في منطقة متقلبة من أهم التحديات التي تواجه التحالف.
وتوترت العلاقات بين "إيكواس" والدول الثلاث بعدما طالب التكتل بالعودة للحكم المدني إثر انقلابات عسكرية في مالي عام 2020 وبوركينا فاسو في 2022 والنيجر 2023، واستمرت الحال بين الطرفين ليتم التوقيع في الـ 17 من سبتمبر (أيلول) 2023 على ميثاق "ليبتاكو ـ غورما" المؤسس لتحالف دول الساحل بهدف "التنسيق العسكري والسياسي والاقتصادي"، ومن أهم نصوصه اعتبار الهجوم على إحدى دوله أيضاً هجوماً على الدولتين الأخريين، إذ يمكن للدول الثلاث الرد فردياً أو جماعياً بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.
وفي يناير 2024 أعلنت الدول الثلاث انسحابها من مجموعة "إيكواس" بسبب الافتقار إلى الدعم الملموس في الحرب ضد الإرهاب وفرض عقوبات على الحكام العسكريين في مالي، قائلة إن "إيكواس" انحرفت عن أهدافها الأصلية الممثلة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والتكامل الثقافي وباتت تخضع لقوى خارجية، وفق البيان.
الجواز الأفريقي الموحد أحد الطموحات
إلى ذلك يعد أستاذ القانون الدولي أبو الفضل بهلولي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الحديث عن جواز سفر موحد في منطقة الساحل يأتي في سياق انسحاب الدول الثلاث من مجموعة غرب أفريقيا، وبالتالي فالخطوة تعتبر بديلاً عن الاتفاق الجماعي الذي يربط دول "إيكواس" في ما تعلق بحرية تنقل الأشخاص، مضيفاً أن "القصد من القرار هو إنشاء منظمة شبه إقليمية مبنية أساساً على قواعد أمنية لا اقتصادية، يتمحور عملها على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية بصفة جماعية".
ويواصل بهلولي أن الجزائر تتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعليه فإن كل ما يهم الجزائر هو استقرار هذه الدول وكل ما من شأنه الإسهام في القضاء على الكيانات الإرهابية ومواجهة أي تدهور للبنية الأمنية، مشيراً إلى أن الجزائر أيضاً تعمل على التكامل مع ليبيا وتونس وموريتانيا، وهو جزء من مبادئ التكامل التي يقوم عليها الاتحاد الأفريقي، ليختم أن الجواز الأفريقي الموحد هو أحد طموحات دول القارة السمراء، وفق ما جاء في ميثاق الاتحاد الأفريقي.