Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوس التصوير يصل إلى الحوادث ويتجاهل الضحايا

في العصر الحالي ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح تسجيل الموقف عبر كاميرا الهواتف المحمولة أولوية عند بعض الناس عن تقديم المساعدة

بعض الدول تمنع تصوير الحوادث وتوقع عقوبات على من يقوم بهذا الفعل (رويترز)

ملخص

مقاطع الفيديو المتعلقة بتصوير الحوادث التي أصبحت منتشرة في العالم كله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة صورها أشخاص عاديون موجودون في موقع الحدث بثبات انفعالي كبير وكأنهم منفصلون تماماً عنه، لم يفكر كثير منهم في أن الأولى كان تقديم يد المساعدة أو محاولة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بخاصة في حال كان هناك شخص يحتاج إلى إغاثة

تجمهر كبير من الناس يشاهد حادثة أو مشاجرة في مكان ما، ترتفع أيدي المشاهدين ليس لتقديم المساعدة، لكن لرفع الهواتف المحمولة، للحصول على أفضل زاوية لتصوير المشهد الذي غالباً ما سيحقق أعلى نسب المشاهدة بعد رفعه على وسائل التواصل الاجتماعي بساعات قليلة، هكذا أصبحت الحال فلم تعد الظاهرة مقصورة على منطقة بعينها أو مجتمع معين.

مقاطع الفيديو المتعلقة بتصوير الحوادث، التي أصبحت منتشرة في العالم كله على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة صورها أشخاص عاديون موجودون في موقع الحدث بثبات انفعالي كبير، وكأنهم منفصلون تماماً عن المشهد، بل إن بعضهم تفنن في اختيار زوايا التصوير المثالية ليظهر الفيديو في أفضل صورة ممكنة، إذ لم يفكر كثير منهم في أن الأولى كان تقديم يد المساعدة، أو محاولة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بخاصة في حال كان هناك شخص يحتاج إلى إغاثة.

وأخيراً انتشر في مصر مقطع فيديو يتضمن اشتباكاً بين طالبتين في واحدة من المدارس الدولية لتنهال إحداهما بالضرب على الأخرى وسط سلبية شديدة من باقي الطلاب، الذين صور بعضهم المشهد ورفعه على منصات التواصل الاجتماعي، ليحقق انتشاراً كبيراً، وهي الحادثة التي لن تكون الأخيرة، فهوس السوشيال ميديا والتريند وتحقيق أعلى نسب المشاهدة أصبح أحياناً بلا ضوابط وبلا أخلاقيات وفي بعض الأحيان يفتقر إلى الرحمة.

وبينما فريق يستمتع بمشاهدة مثل هذه المقاطع، فإن هناك فريقاً آخر يستنكر، ويرى أن السوشيال ميديا أفقدت الناس جزءاً من إنسانيتهم، وأن القادم سيكون أسوأ مع اعتياد الأجيال الجديدة هذا الوضع، واعتماد قطاع كبير منهم السلبية، بل وأحياناً تحقيق المنافع الشخصية من وراء مثل هذه الحوادث، بنشرها على صفحاتهم لترتفع أعداد المتابعين وتنخفض القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع.

تأثير المتفرج

يرجع الطب النفسي جزءاً من هذه الظاهرة إلى ما يطلق عليه "تأثير المتفرج"، وهي نظرية اعتمدها جون دارلي عالم النفس الأميركي عام 1968، بعد إجراء دراسات وأبحاث ارتبطت بهذا السلوك، وكان المرجع الأساس والدافع إلى القيام بهذه الأبحاث هي حادثة شهيرة وقعت في العام نفسه لفتاة تدعى كيتى جينوفيزا في نيويورك، إذ طعنها شخص واغتصبها وقتلها أمام عدد من الموجودين بالمنطقة.

وعلى رغم استغاثة الفتاة فإن أحداً لم يتقدم لإنقاذها من الأشخاص الموجودين في موقع الحادثة، الذين قدر عددهم بـ38 شخصاً، حتى إنه لم يتصل أحد بالشرطة إلا بعد وفاة الضحية بالفعل، ليثير الأمر وقتها حالاً غريبة تستدعي الدراسة والبحث من علماء النفس.

يفسر استشاري الطب النفسي، الأستاذ المساعد بجامعة الأزهر، محمد حمودة، الأمر "أثبتت التجارب العلمية أن هناك علاقة عكسية بين تقديم المساعدة وعدد المشاهدين لحادثة معينة، فكلما كان العدد أقل في مثل هذه المواقف كانت المساعدة أسرع والعكس صحيح، هذه الحالة يطلق عليها (تأثير المتفرج) عندما يكون هناك تجمع كبير أمام حادثة أو معركة فكل شخص ينتظر الآخر أن يقوم هو بالمساعدة، فتكون النتيجة أنه لا أحد يتحرك لتقديم العون بعكس لو كان من في الموقع شخص واحد أو عدد محدود من الناس".

 

ويضيف "في العصر الحالي ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فإن تصوير الحادثة أصبح أولوية عند بعض الناس عن تقديم المساعدة، فالفيديو سينتشر ويصبح ترينداً، ويحقق كثيراً من المشاهدات والإعجابات، والشخص الذي نشره سيحقق شهرة فبدلاً من التفكير في المساعدة ومحاولة إنقاذ الضحية أو المصاب يفكر في تحقيق مكسب ونفع شخصي، بلغة الطب النفسي هذا الشخص يكون غالباً إما شخص سيكوباتي منتفع من ألم الآخرين أو من إيذائهم ومتلذذ بذلك، أو هيستيري يبغى الشهرة والحصول على مكاسب شخصية من وراء تصويره هذه المقاطع ونشرها".

يشير أستاذ الطب النفسي إلى أنه أحياناً يتعرض بعض الأشخاص لصدمة عندما يشاهدون حادثة، ولا يستطيعون التصرف فعلاً بسبب شكل من أشكال الصدمات النفسية، وهذه حالة تختلف عن السلبية أو التجاهل أو تحقيق النفع، وفي الوقت نفسه بعض الناس يخشى أن يأخذ رد فعل معيناً فيتسبب هذا في أذى له بأي شكل من الأشكال فيتجنب التدخل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتهاك الخصوصية

بعض الدول تمنع تصوير الحوادث، مثل الحوادث المرورية على سبيل المثال، وتوقع عقوبات على من يقوم بهذا الفعل، باعتباره ينتهك خصوصية الأشخاص، الذين قد يكونون في حال سيئة لا يرغبون في اطلاع الناس عليها، إضافة إلى كونهم في وضع لا يسمح لهم بالقبول أو الرفض.

في الوقت نفسه فإن كثيراً من وسائل الإعلام التقليدية أصبحت تعتمد نشر مثل هذه المقاطع المصورة سواء من طريق نقلها من السوشيال ميديا أو الحصول عليها من الشخص الذي صورها مباشرة نظير دفع مقابل مادي لتحقق هي الأخرى سبقاً، وتزيد عدد المشاهدات على منصاتها المختلفة على السوشيال ميديا.

وعلى رغم بعض التجاوزات وانتشار السلبية فإن تصوير بعض الحوادث كان له أثر كبير في اتخاذ إجراء معين، أو توقيع عقوبة على مقصر أو تعريف المجتمع بخلل معين يحتاج إلى علاج، ولولاه لما جرى اتخاذ إجراء حاسم في صالح المجتمع، وكذلك أحياناً يكون له دور كبير في مناطق الحروب والمواقع المنكوبة في تعريف العالم بأوضاع أو أحداث يمكن أن تسهم في تكوينهم وجهة نظر معينة.

قيم دخيلة

انتشار السلبية وعدم إغاثة من يحتاج إلى مساعدة هي من الأشياء الجديدة على مجتمعاتنا العربية التي اشتهرت دائماً بقيم نجدة المحتاج وإغاثة الملهوف، ولذلك يرى كثير من المتخصصين أن الانفتاح الكبير على الثقافات الأخرى، بخاصة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة انتقل من طريقه كثير من سمات مجتمعات أخرى لا تناسبنا ولا تتوافق مع عاداتنا.

ويرجع بعضهم هذا الوضع إلى تكرار تعرض الشباب العربي للمحتوى العنيف على منصات السوشيال ميديا، والألعاب الإلكترونية والأفلام السينمائية، مما يخلق حالاً من تبلد المشاعر إزاء مشاهد العنف الحقيقية.

 

وأجرت المدرس بقسم الاجتماع والاتصال والإعلام بالمعهد العالي للدراسات الأدبية بكينج مريوط، نسمة إمام حسين، دراسة على عينة قوامها 463 من الشباب في دول عربية عدة بعنوان "العلاقة بين استخدام المحتوى العنيف المقدم بالمنصات الرقمية وتأثير المتفرج"، ونتج من الدراسة المنشورة بالمجلة المصرية لبحوث الرأي العام أن غالب المبحوثين يفضلون مشاهدة المحتوى العنيف على منصات "يوتيوب" و"تيك توك" و"إنستغرام"، وأن 94 في المئة من العينة أفادوا بأنهم لن يتدخلوا للإنقاذ إذا شاهدوا موقفاً طارئاً أو حادثة، بينما أفاد 5.8 في المئة فقط بإمكانية التدخل لتقديم المساعدة، وأثبتت الدراسة أنه كلما زاد التعرض للمحتوى العنيف قل التعاطف مع ضحايا العنف وانخفض التدخل للمساعدة.

وتعليقاً على هذه الظاهرة تقول أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سوسن فايد "هذه الأفعال هي ثقافة واردة علينا، ولا تنتمي إلى مجتمعاتنا وعاداتنا، لكنها انتقلت إلينا من المجتمعات الغربية بوسائل متعددة من بينها الأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وجود قطاع من الجيل الجديد يُربى ويُطبع بالثقافة الغربية في كل المجالات من طريق المدارس الأجنبية بثقافاتها الواردة علينا، وفي الوقت نفسه هناك غياب كبير للثقافة المضادة المعنية بتأصيل القيم الخاصة بمجتمعاتنا والمسؤول عنها الإعلام والمدارس والجامعات والمؤسسات الدينية، فهناك حال من ثقافة الفراغ الذي للأسف يجري شغله بقيم وسلوكيات غريبة على مجتمعاتنا العربية".

وتستكمل فايد "السلبية أصبحت طاغية على مجتمعاتنا وكل شخص مشغول بهمومه ومشكلاته، ولا يرغب في التدخل في أمور خارج نطاقها، لكن على رغم كل شيء فلا يزال هناك قطاعات من الناس تتصرف بإيجابية في حال وجدت في موقع يحتاج فيه أشخاص إلى المساعدة والدعم، فالصورة ليست قاتمة تماماً".لكن أستاذ علم النفس تعود وتؤكد أن هناك جانباً آخر في مثل هذه الحالات "يتمثل في أن بعض مقاطع الفيديو التي نُشرت كان لها دور في التعريف بالموقف الذي حدث ولولاها لما اتخذ إجراء معين أو عوقب المقصر، وهكذا فالتصوير ذاته ليس الأزمة هنا، بل على العكس قد يكون مفيداً، لكن في الوقت نفسه لا بد من أن تكون الأولوية تقديم المساعدة أو إنقاذ الموقف".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات