Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعلام الوجه الواحد في سوريا... إغلاق ومصادرات وحل

وزارة الإعلام تستولي على قنوات وإذاعات خاصة ومخاوف من تكميم الأفواه وإعادة إنتاج ممارسات "البعث"

وضعت وزارة الإعلام يدها على قناة "سما" الفضائية التي تتبع القطاع الخاص في البلاد (أ ف ب)

ملخص

أخيراً تخطى الأمر واقع إيقاف عمل وسائل الإعلام السورية الخاصة، وراح باتجاه مصادرتها مع معداتها وتجهيزاتها ومقارها وحل كوادرها في ما يشبه حركة التأميم التي قام بها حزب البعث بعيد عام 1963 مع وصوله إلى الحكم قبل ستة عقود ضمن مفاهيم الاشتراكية وتوزيع الثروات لاحقاً كمكافآت للموالين.

بعد انتصار الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد فجر الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 أوقفت وزارة الإعلام في حكومة تصريف الأعمال المنبثقة عن الإدارة السورية الجديدة عمل وسائل الإعلام في القطاعين العام والخاص داخل سوريا، وضمناً القنوات الرسمية التي لا تزال معطلة حتى الآن بانتظار إعادة إنتاجها بحلة ومضمون جديدين، بحسب القائمين على الأمر.

أخيراً تخطى الأمر واقع إيقاف عمل وسائل الإعلام السورية الخاصة، وراح باتجاه مصادرتها مع معداتها وتجهيزاتها ومقارها وحل كوادرها في ما يشبه حركة التأميم التي قام بها حزب البعث بعيد عام 1963 مع وصوله إلى الحكم قبل ستة عقود ضمن مفاهيم الاشتراكية وتوزيع الثروات لاحقاً كمكافآت للموالين.

الضحية الأولى

الضحية الأولى لوزارة الإعلام كانت إذاعة وتلفزيون "شام أف أم"، وهي واحدة من أهم الإذاعات السورية وأكثرها رواجاً في الداخل السوري إن لم تكن الأهم، وتالياً لم يعد لمالكها أي علاقة بها كما جرى صرف موظفيها.

بعد محاولات حثيثة للتواصل مع مالك الإذاعة سامر يوسف، باءت جميعها بالفشل بسبب إقفاله أرقامه الخلوية المباشرة واحتجابه عن المشهد، تمكنت "اندبندنت عربية" من التواصل معه عبر "واتساب" للحصول على تعقيبه، فاكتفى بإجابة مقتضبة مفادها "لن أتكلم في أي شيء أبداً في الوقت الراهن".

تزامناً كانت وزارة الإعلام وضعت يدها على قناة "سما" الفضائية، وهي القناة الوحيدة التي تتبع القطاع الخاص في سوريا وتتمتع بميزات الشاشات المتعارف عليها من برامج وحوارات، خلاف "شام أف أم" التي تكتفي بنقل نشرات إخبارية محافظة على شكلها الجوهري كإذاعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصدر مطلع في وزارة الإعلام أشار إلى أن سبب مصادرة قناة "سما" يرجع إلى أنها مملوكة من قبل رجل الأعمال محمد حمشو المتورط في ملفات فساد ضخمة، منها تمويل عمليات عسكرية ضد المعارضة لا سيما مع فشل إجراء تسوية معه في وقت سابق.

أما في ما يتعلق بـ"شام أف أم" فترجع جذور المشكلة لأصل شراكتها الذي كان قائماً بين سامر يوسف ورجل الأعمال الشهير رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري، الذي أقصي عن المشهد الاقتصادي عام 2019، قبل أن تتحول الشراكة بإزاحة رامي مخلوف لمصلحة "سيرياتيل" وهي شركة الاتصالات الكبرى في سوريا التي استولت عليها أسماء الأسد، فصارت الإذاعة تدار مناصفة بين يوسف و"سيرياتيل" مما خلق مشكلات جمة على صعيد شكل ونوعية وفكرة الإدارة، مع محاولة هيمنة "سيرياتيل" على الإذاعة.

بالمحصلة استولت الإدارة الجديدة على الإذاعة وترخيصها الفضائي وقناة "سما" ومعرفاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مسلمة إياهم لفريق يتبعها لإدارة النشر كما المعتاد، ولكن هذه المرة وفق الرؤية التامة للحكومة الجديدة.

تحت سقف القانون

"اندبندنت عربية" استمعت في هذا الخصوص إلى رأي الكاتب الصحافي علي عيد رئيس تحرير "Syria indicator"، الذي قال إن "هناك وسائل إعلام تملكها الدولة أو تمولها، وهناك أيضاً وسائل خاصة، منها ما يعمل كأداة، أو يستخدم للدعاية لمصلحة نظام أو سلطة، ويحصل في العالم أن تُوقف وسائل الإعلام هذه أو يُحاكم مالكوها كما حدث مع مالك إذاعة (ألف تلة وتلة) في رواندا عام 1994، حيث أسهمت هذه الإذاعة مع وسائل إعلام أخرى يملكها رجل أعمال رواندي في البلبلة".

وأضاف عيد "من الطبيعي أن يكون هناك إعادة تقييم لوسائل الإعلام، لكن يجب التفريق بين القنوات التي لم تكن تستخدم كأداة للدعاية وللحرب، ومالكوها لم يتورطوا بأعمال مشبوهة أو كانوا واجهات لها، ففي هذه الحال لا يجوز الاستيلاء عليها، لأن الأصل هو إتاحة المجال أمام وسائل الإعلام كجزء من حق أساس ضمن الحقوق التي تكفلها حرية التعبير الدولية، وحرية الإعلام مصانة في الدول الديمقراطية".

ويتابع "وسائل الإعلام ليست ملك كوادرها، وإن كان فيها كادر معين فلا يجوز التعامل معه بذنب مالك الوسيلة، ومن ثم فهناك صحافيون بمثابة عاملين أو موظفين يؤدون دورهم، لكن هناك أيضاً صحافيون يمارسون دوراً دعائياً، أو هم بمثابة رأس حربة في انتهاكات أو خطاب تزوير وتضليل أو خطاب سياسي يمثل خطراً بالغاً على مستوى المجتمع والدولة، وهنا يمكن مراجعتهم قانونياً، وأياً تكن التهمة فإن الأساس هو القانون العادل والفيصل، أما أن يُتعامل مع الكوادر بصورة عامة على أنهم متهمون بالتحريض أو تعميم التهمة مهما كان نوع الكادر ومستواه فهذا أمر غير مقبول ولا جائز قانوناً".

إعادة إنتاج النظام

بدوره يرى الصحافي السوري رامز الحمصي، الذي يشغل منصب سكرتير تحرير موقع "الحل نت"، والذي زار سوريا أخيراً بعد أعوام من الاغتراب القسري، أن حرية الإعلام في أي مكان يجب أن تصان بمنطق ثوري أو غير ثوري، متحالف مع الحكومة أم غير ذلك، فعلى الإعلام أن يكون خارج هذه الدائرة، وفي سوريا نتمنى ألا تكون هذه الإجراءات لإسكات الحرية الإعلامية، خصوصاً أننا طالبنا منذ بداية الثورة بحرية التعبير والقوانين والأنظمة.

ويكمل "الآن ما يجري داخل وزارة الإعلام أنه أُسكتت جميع القنوات التي كانت تبث على أيام النظام السابق من قنوات وإذاعات ومواقع إلكترونية، هذا الإسكات لإعادة ترسيم وترخيص هذه المؤسسات بحسب ما علمت، وعلى ما يبدو فإن المؤسسات الخاصة التي كانت تابعة لرجال السلطة إما ستُصادر أو تُسكت نهائياً أو يُعاد عملها برئاسة وكادر جديدين بما يخدم المرحلة الحالية، وأعتقد أن هذه التصرفات ربما تفهم على أنها غير سليمة وقد تؤدي إلى تحجيم الإعلام ليكون ضمن مسار الدولة فحسب، مما يحمل تخوفات كبرى من أن نعيد بذلك سيرة النظام السابق ولكن بصورة ثورية".

في السياق أشارت الصحافية السورية مروة الجردي لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الاستيلاء على وسائل إعلام خاصة بطرق غير قانونية هو نوع من أنواع التضييق المرفوضة تحت أي عذر كان، ولا يمكن رؤيتها إلا في سياق محاولة السلطة الجديدة احتكار الخطاب الإعلامي ومصادرة الآراء، وهذا شبيه بما كان يقوم به النظام السابق، ويجب أن تعي الإدارة الجديدة أن تنوع الأصوات الإعلامية بخاصة المعارضة منها، ضروري لصحة وسلامة أي نظام واستمراره، وقمع أي وسيلة من وسائل التعبير هو إعادة إنتاج نظام قد سقط بالفعل بسبب هذه السياسات.

إعلام شعب لا حكومات

يعتقد الصحافي عيد أن الإدارة السورية الجديدة لا تحتاج إلى وسائل إعلام جديدة لتبث فيها دعايتها، وهذا أساساً غير مقبول، لكن معروف أن هناك كثيراً من وسائل الإعلام الرسمية المعطلة حالياً ولها مبان وفيها أجهزة وضمنها كوادر، إذاً المشكلة ليست في النقص، فهناك دول متحضرة لا تملك وسائل إعلام ولكنها قد تمول وسائل إعلام مستقلة، مع ضمان ألا تقوم الأخيرة بالترويج لأحزاب أو حكومات كحال بريطانيا مثلاً وقناة "bbc"، وفي سوريا يجب ألا تكون وسائل الإعلام بوقاً للسلطة كما كانت في العقود الماضية.

ويوافق الحمصي على أن "حرية الإعلام ليست منطلقة تماماً في العالم العربي كما الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال والدول الغربية"، متوقعاً ألا يكون في سوريا تطور من هذا النوع في الوقت الحالي، أو أن تكون سوريا الأولى في العالم العربي من ناحية حرية الإعلام، لأن ذلك يحتاج إلى دستور فعلي وبرلمان ومؤسسات وخلافه.

المزيد من متابعات