ملخص
قرب محور نتساريم يحتشد سكان غزة في انتظار السماح لهم بالعودة إلى شمال القطاع، حاملين على أكتافهم قصصاً أليمة وأملاً كبيراً.
على بعد 500 متر فقط من حاجز الجيش الإسرائيلي في محور نتساريم وقفت رانيا مرتدية ثوبها التراثي الفلسطيني، ذا اللون الأبيض وعليه نقوش بخيوط حمراء، في انتظار أن يفتح الجنود المدججون بالسلاح الممر لتعود من جنوب غزة إلى شمال القطاع.
تتوسط رانيا التي تحمل علم فلسطين حشداً من النازحين الذين وصلوا إلى أقرب نقطة من محور نتساريم، ناظرةً إلى الساعة في هاتفها المحول وتقول "حسب اتفاق وقف إطلاق النار، حان موعد عودتنا للشمال"، وتحاول أن تتقدم ببطء قرب جنود الجيش الإسرائيلي.
أعيرة نارية
بمجرد ما بدأت رانيا السير، أطلق الإسرائيليون النار صوب حشد النازحين الذين تجمهروا قرب محور نتساريم استعداداً للعودة إلى شمال القطاع، فزعت السيدة وصرخت بصوت عال "لماذا لم يسمحوا لنا بالعودة؟".
بعدما هدأت من روعها، أخذت رانيا تراقب من كثب تطورات الأخبار المتسارعة المتعلقة بعودة النازحين إلى الشمال، وتنتظر على أحر من الجمر أن يزيل الجيش قواعده وينسحب من محور نتساريم، تطبيقاً لبنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
مرت ساعات طويلة ولم يسمح الجيش بعودة النازحين. وتقول رانيا "بناء على اتفاق وقف إطلاق النار وتعليمات المكتب الإعلامي الحكومي، حضرت نفسي للعودة إلى شمال غزة، أرغب في رؤية بيتي هناك، ونفسيتي متحمسة لاحتضان بناتي اللاتي رفضن النزوح".
نص الاتفاق
ووفق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، فإنه بعد تسليم الرهائن الأربع للصليب الأحمر ينسحب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم من جهة شارع البحر، ويسمح للنازحين بالعودة إلى مناطقهم شمال غزة مشياً على الأقدام، مع ضمان حرية التنقل في الاتجاهين.
وبناء على ذلك النص استعد النازحون للعودة إلى شمال غزة، ويقول مدحت "عملت على تفكيك خيمتي وتجهيز أغراضي وذهبت إلى أقرب نقطة عند محور نتساريم لأكون من أوائل النازحين العائدين، لكن إسرائيل لم تلتزم الاتفاق وتعرقل عودتنا، وتطلق النار علينا وتقتلنا".
متحمسون وفرحون
ومثل مدحت فعل آلاف النازحين، الذين حزموا أمتعتهم وغادروا مخيمات النزوح وانطلقوا سيراً على الأقدام عبر شارع البحر باتجاه محور نتساريم، وتجمعوا حاملين أغراضاً بسيطة في انتظار تراجع الآليات العسكرية الإسرائيلية وفتح طريق العودة.
كان غالب النازحين الذين التقتهم "اندبندنت عربية" متحمسين للعودة وفرحين جداً بوقوفهم على بعد خطوات من مدينة غزة التي رحلوا عنها قسراً، وينتظرون على أحر من الجمر السماح بمرورهم، لكن سعادتهم هذه انقلبت إلى خيبة أمل إثر عرقلة إسرائيل عودتهم.
وبينما كان يحتشد النازحون أكثر فأكثر ويتجمهرون قرب نتساريم استعداداً للعبور الكبير، إلا أن الجيش الإسرائيلي أكد أنه لن يسمح بتلك العودة، وأصدر بياناً جاء فيه "عودة المدنيين إلى مناطقهم لن تتم، إلا بعد وفاء حركة ’حماس‘ بالتزاماتها وتنفيذها بنود وقف إطلاق النار". ومباشرةً، حذر المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي الغزيين من الاقتراب أكثر باتجاه ممر نتساريم.
أزمة أربيل يهود وقائمة الرهائن
في إسرائيل، يتحدثون عن عدم التزام "حماس" ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، ويقول المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري "’حماس‘ لم تلتزم بالاتفاق، ووفقاً للبنود يجب أن تطلق الحركة سراح النساء المدنيات أولاً".
وفي عملية التبادل الثانية، أفرجت "حماس" عن أربع جنديات إسرائيليات وقبلت إسرائيل بذلك، لكن بعد تسلمهن قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "هناك رهينة واحدة مدنية لا تزال في قبضة الفصائل الفلسطينية وهي أربيل يهود، ولن يسمح بعبور سكان غزة إلى الجزء الشمالي من القطاع حتى يُرتَّب الإفراج عنها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقعت أربيل يهود في الأسر عندما شنت "حماس" هجومها على إسرائيل خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وتعدها إسرائيل سيدة مدنية، لكن حركة "الجهاد الإسلامي" التي تحتفظ بها تقول إنها عسكرية وليست مدنية.
وحاول الوسطاء حل الأزمة مُطالبين الفصائل بترتيب الإفراج عنها، وعلق متحدث "حماس" حازم قاسم على ذلك بقوله "أرسلنا لإسرائيل تأكيدات بأن أربيل يهود على قيد الحياة، وأبلغنا الوسطاء أنه سيطلق سراحها في الدفعة الثالثة من صفقات التبادل السبت الأول من فبراير (شباط) المقبل، لكن إسرائيل ما زالت تتعنت".
وفقاً لطلب نتنياهو فإنه يريد ترتيب الإفراج عنها، وبحسب "حماس" فإن ذلك تم إذ أرسلوا فيديو لها وقدموا ضمانات للوسطاء بأنه سيُفرج عنها في دفعة التبادل الثالثة، لكن على رغم ذلك رفضت إسرائيل عودة النازحين وخلقت أزمة جديدة.
وقال المتحدث العسكري نداف شوشاني إن "’حماس‘ لم تعلن قائمة الرهائن لديها، ويجب أن يرسلوا إلينا قائمة تشمل عدد الأحياء من بين الرهائن الـ26، الذين لم يُفرج عنهم بعد، هذا انتهاك واضح للاتفاق".
ووسط هذه المعضلات، اجتمع الوسطاء في العاصمة المصرية القاهرة لحل الأزمة وفتح محور نتساريم، وبحسب معلومات "اندبندنت عربية" فإن "حماس" أبدت استعدادها لتسليم أربيل يهود ضمن عملية تبادل مستقلة أو استثنائية خلال اليومين المقبلين، مقابل أن تلتزم إسرائيل بفتح محور نتساريم وعودة النازحين.
نازحون عالقون
وعلى رغم هذه الأخبار لا يزال لدى النازحين أمل في أن تفتح إسرائيل حاجز نتساريم العسكري وتسمح لهم بالعودة إلى شمال غزة، وظلوا يتجمهرون قرب المحور على أمل حدوث انفراجة قريبة في المفاوضات.
افترشت رفيف الأرض جالسةً على ركبتيها قرب الطريق الساحلي، وتقول "حتى لو أطلق على رأسي الجنود النار لن أتزحزح من هنا، سأعود إلى شمال غزة وسأظل قرب الحاجز نحن نريد الرجوع، نحب مناطقنا ونحب البيوت مهدمة، مشتاقة جداً لأهلي والحي السكني".
ووسط حديثها، أطلق جنود الجيش النار بكثافة صوب النازحين، وعلى مقربة من رفيف سقط أحدهم ضحية ومات على الفور، لكن السيدة لم تتزحزح من مكانها، معقبةً "أنتظر رحمة الله أو العودة إلى بيوتنا".
لا عودة إلا باتجاه شمال غزة
ويمسك عاصم يد أطفاله ويشرح لهم عن حاجز نتساريم العسكري، ثم يقول "حتى الآن لا أعرف هل بيتي موجود أم مدمر، لا أعرف هل أمي على قيد الحياة؟ الاتصال مقطوع معها منذ شهر وأنتظر لحظة فتح حاجز نتساريم، سأقيم مع زوجتي وأطفالي في بقايا منزلي الذي دُمر جزئياً".
حلَّ الليل على النازحين وباتوا جميعهم في الشارع وسط برد قاس وقرب الدبابات والمركبات العسكرية، وفي كل لحظة يطلق عليهم الجيش الإسرائيلي النار لإجبارهم على العودة لكنهم قرروا البقاء في مكانهم وانتظار فتح الطريق.
"حماس" تهدد والجيش يصر على موقفه
بالعودة إلى متحدث "حماس" حازم قاسم قال إن "إسرائيل تتلكأ في تنفيذ شروط وقف إطلاق النار بمنع النازحين الفلسطينيين من العودة إلى شمال قطاع غزة، وهذه التأخيرات قد يكون لها تداعيات على المراحل اللاحقة من الاتفاق".
وذكر "على رغم إرسال تأكيدات من ’حماس‘ بأن المحتجزة أربيل يهود على قيد الحياة لكن إسرائيل لا تزال تتنصل من الاتفاق. وهناك اتصالات مباشرة مع الوسطاء بهدف إيجاد حل لهذه المشكلة إضافة إلى العمل على فتح محور نتساريم".
وقال أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "لن يسمح بعبور سكان غزة إلى الشمال حتى الإفراج عن المحتجزة أربيل يهود، أرسلنا تحذيرات للغزيين بعدم الاقتراب من قواتنا، وأمرنا وحدات الجيش بالتعامل مع أي خرق".