ملخص
تحرير إدارة بايدن السابقة جزء من المخزون الأميركي خلال منتصف فترة رئاسته أدى إلى هبوط الأسعار العالمية بنحو النصف
قال محللون نفطيون إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حفل تنصيبه حال الطوارئ في مجال الطاقة، سيحدث أثراً كبيراً في أسواق النفط والغاز الدولية.
وأشار المحللون لـ"اندبندنت عربية" إلى أن أسواق الطاقة العالمية تنتظر تفاصيل الإجراءات الجديدة لإدارة ترمب وتأثيرها في السوق، إلا أنها تتطلع أيضاً لما ستفعله الإدارة الجديدة في شأن تنفيذ وعود ترمب بوقف الحرب في أوكرانيا بصفقة مع موسكو.
وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطاب التنصيب استخدام مخزونات النفط الأميركية لخفض أسعار النفط، من ثم أسعار الوقود بمحطات البنزين، في سياق وعد أوسع بخفض الأسعار إجمالاً.
يُذكر أن تحرير إدارة بايدن السابقة جزء من المخزون الأميركي خلال منتصف فترة رئاسته، أدى إلى هبوط الأسعار العالمية بنحو النصف.
وتعهد ترمب بإلغاء "الصفقة الخضراء"، أي سياسة إدارة الرئيس السابق جو بايدن للتحول في مجال الطاقة بالاستثمار فيها من مصادر متجددة على حساب الاستثمار في الوقود الأحفوري من نفط وغاز، وهو ما كرره ترمب منذ أيام حملة الانتخابات الرئاسية خلال العام الماضي بأنه سيطلق العنان للتنقيب والاستكشاف، وإنتاج النفط والغاز لزيادة حصة الولايات المتحدة من سوق الطاقة العالمية.
العقوبات على النفط الروسي
ولفت المحللون إلى أنه إذا كانت الأسواق ردت آخر قرارات العقوبات على النفط الروسي التي أعلنتها إدارة بايدن قبل أيام من مغادرتها البيت الأبيض بارتفاع أسعار وسط مخاوف في شأن الإمدادات الروسية، فإن احتمال تراجع ترمب عن تنفيذ تلك الحزمة وارد، خصوصاً أنها عقوبات فرضتها أميركا بالاشتراك مع بريطانيا.
وأوضحوا أيضاً أن أسواق الطاقة تنتظر موقف إدارة ترمب الجديدة من إعادة فرض عقوبات على إيران، على غرار ما فعله ترمب خلال فترة رئاسته الأولى عام 2018 بسياسة "الضغط الأقصى" التي قلصت صادرات النفط الإيرانية قرب الصفر تقريباً.
زيادة الأسعار
وفي هذا الشأن، قال رئيس لجنة الاقتصاد الأخضر بمنظمة الوحدة الاقتصادية العربية كمال الدسوقي إن إعلان ترمب حال الطوارئ في أسواق الطاقة، سيكون لها انعكاس ملحوظ على زيادة أسعار الوقود الأحفوري.
وأشار الدسوقي إلى أن قرار رفع الدعم عن صناعة السيارات الكهربائية سيسهم في زيادة الطلب على الوقود الأحفوري للسيارات التقليدية، والتي تعد من أكبر المستهلكين للوقود في العالم، مؤكداً أن هذا يعزز أسعار الطاقة إضافة إلى توقعات بانتهاء حال الركود التي حدثت مع زيادات "الفيدرالي" الأميركي لأسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة.
وأوضح الدسوقي أن هناك حالاً من الارتباك وسط مخاوف من فرض قيود على الواردات الأميركية من الصين وكندا سيعقبها فرض قيود أخرى من هذين البلدين، وقد يؤدي ذلك إلى ارتباك بحركة التجارة العالمية.
وأضاف أنه ما زالت الرؤية عموماً غير واضحة تجاه القرارات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدد من القضايا المهمة، منها فرض قيود على بنما وترحيل عدد من المهاجرين وعلاقته مع روسيا وسوريا.
ورجح أن تظل أسواق الطاقة العالمية في مرحلة من عدم اليقين ستة أشهر تقريباً، حتى تتضح رؤية الرئيس الأميركي في إدارته لأكبر اقتصاد في العالم وتبعاته على اقتصادات معظم الدول، وبخاصة الصين.
ويعتقد الدسوقي أن الحروب المقبلة للرئيس الأميركي ستكون حروباً اقتصادية كبيرة من أجل المحافظة على صدارة واشنطن للاقتصاد العالمي، وعدم زحزحة مكانتها الاقتصادية لمصلحة بكين ثانى أكبر اقتصاد عالمي، وأكد أن ذلك سيكون له مرود على باقي اقتصادات العالم النامية والتكتلات الاقتصادية الكبرى مثل أوروبا والنمور الآسيوية.
لا تأثير في الأسواق العالمية
في المقابل، استبعد المحلل النفطي خالد بودي أن يكون لإعلان حال طوارئ داخل قطاع النفط والغاز تأثير كبير في أسواق وأسعار الطاقة العالمية، موضحاً أن زيادة الإنتاج الأميركي تحتاج عامين في الأقل لتفعيلها بسبب وقت تستغرقه عمليات الاستكشاف والإنتاج والنقل. وأكد بودي أن الولايات المتحدة قد لا تتمكن من زيادة الإنتاج بأكثر من 10 في المئة، مما يجعل تأثير هذه الزيادة محدوداً في أسواق النفط.
ولفت إلى أن رفع الرسوم الجمركية على الاستيراد من كندا سيؤدي إلى رفع أسعار البنزين داخل الولايات المتحدة، ما لم تستثنى الواردات النفطية من زيادة الرسوم.
وتوقع بودي أن يكون لقرارات ترمب تأثير محدود في الأسواق العالمية، مضيفاً "لا أعتقد أن تفرض كندا حظراً على صادرات الطاقة إلى الولايات المتحدة بسبب الطبيعة الخاصة بين البلدين، فضلاً عن حاجة كندا إلى الاستيراد من الولايات المتحدة".
وأشار خالد بودي إلى أنه لو فرضت (كندا) حظراً على صادرات الطاقة إلى الولايات المتحدة فقد تحظر الأخيرة بعض صادراتها إلى كندا، وقد تتضرر كندا بسبب هذا الإجراء.
وأكد خالد بودي أن الإجراءات المنتظرة من المرجح أن تغير المعادلة لمصلحة الوقود الأحفوري على حساب الطاقة المتجددة، مشدداً على أنه من الصعب أن تعوض الولايات المتحدة النقص في الواردات من كندا، وإن استطاعت فهذا سيحتاج إلى فترة طويلة. وأما بالنسبة إلى قناة بنما، فأوضح أنه من الصعب نقل سيطرتها إلى الولايات المتحدة لأسباب قانونية وسياسية، وبناء على ذلك ليس من المتوقع تغيير الرسوم.
تهديدات وتساؤلات
وعلى الصعيد ذاته، أكد محلل قطاع الطاقة مدحت يوسف أن إعلان ترمب حال الطوارئ في قطاع الطاقة سيهدد أسواق النفط والغاز المسال من خلال زيادة إنتاج النفط الصخري، مشيراً إلى أن ذلك سيحدث وفرة في المعروض بالأسواق العالمية وسيؤثر سلباً في كبار منتجي الخام المسال.
وذكر يوسف أن القرار يثير تساؤلاً طبيعياً هو كيف سيحدث ذلك فيما أميركا لا تدخر جهداً في زيادة إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي؟ ومن أين ستأتي الوفرة إلا بدعم حكومي لمنتجي النفط والغاز الصخري؟ وتلك لها محدودية بالقطع إذا ما قورنت بإنتاج دول تحالف "أوبك+". وأشار إلى أن هناك تعارضاً بين خفض أسعار النفط والغاز المسال عالمياً وإنتاج النفط والغاز الصخري ذي الكلفة الباهظة.
وبخصوص وقف الإعانات للسيارات الكهربائية، قال يوسف إن هذا يعني ارتفاع أسعارها عالمياً، مشيراً إلى أن هذا يرتبط بمقدار الخفض وتأثيره مقارنة بالسيارات التي تعمل بالبنزين والديزل والغاز، والتي تحتكرها عالمياً خلال الوقت الحالي الصين وكوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يعتقد يوسف حال حدوث ذلك أن يشهد العالم تغيراً كبيراً في التحول من السيارات الكهربائية إلى السيارات التقليدية، مشيراً إلى أن كندا من الدول الكبرى المنتجة للنفط والغاز ومن أكبر موردي النفط والغاز الطبيعي للولايات المتحدة، وفرض التعريفة الجمركية قد يجبرها على اتخاذ إجراءات حمائية مقابلة تجاه أميركا.
وتوقع يوسف أن تشهد أسواق النفط العالمية فائض إنتاج كبيراً لدى دول تحالف "أوبك+"، وتأتي السعودية على رأسها بقدرتها على زيادة إنتاجها بالتوافق مع دول "أوبك" إذا ما تطلبت السوق العالمية مزيداً من الطلب على الخام.
تصدير الطاقة الأميركية
وتقول أستاذة الاقتصاد والطاقة وفاء علي إن إعلان حزمة ثقيلة من القرارات من جانب دونالد ترمب في خطاب التنصيب، تضمنت أن أميركا ستصدر الطاقة إلى جميع أنحاء العالم، وستملأ الاحتياطات الاستراتيجية مرة أخرى، مما يؤكد إطلاق العنان لشركات الحفر والتنقيب عن الخام لتنفيذ هذا الأمر.
وأكدت علي أن ترمب قد يواجه بعض عوامل المقاومة لأن الأمر يعتمد على قرار المنتجين واستجابتهم، وذلك على حسب الأسعار مما يجعل هناك تفاؤلاً حذراً بين المنتجين، خصوصاً أن الولايات المتحدة أنتجت خلال العام الماضي نحو 13.46 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يؤدي إلى احتمال فرض عقوبات أميركية جديدة في قطاع الطاقة.
وأشارت علي إلى أن تلك الحزمة تشير إلى أن قطاع الطاقة العالمي على موعد مع تغير خريطة الإمدادات، من ثم من المحتمل أن يترتب على ذلك ارتفاع الأسعار، لافتة إلى أن هناك زاوية أخرى وهو القرار الذي سيتبناه تحالف "أوبك+" في تعديل سياسته الإنتاجية، في ظل وجود مخطط لدى الرئيس دونالد ترمب لإنشاء مجلس وطني للطاقة بقيادة حاكم ولاية داكوتا الشمالية.
وأوضحت أن القرارات الأخيرة تشير إلى أن ترمب يسعى إلى خفض كلفة الطاقة بزيادة كميات الإنتاج وطرح كميات متنوعة من البنزين، على حساب ملف التلوث والانبعاثات الكربونية.
ثلاثة عوامل رئيسة
من جانبه، أوضح المتخصص في قطاع النفط والغاز محمد المبيضين أن هناك ثلاثة عوامل ستؤثر في أسواق الطاقة الدولية خلال المراحل المقبلة، يأتي في مقدمها الاستثمارات التي تجريها بعض الدول العربية في قطاع النفط والغاز، ولا سيما السعودية والإمارات والكويت ومصر أيضاً بهدف عودة إنتاجها من الخام لمستويات قياسية، مشيراً إلى ذلك سيؤدي إلى توافر كميات من السعة الإنتاجية لخام النفط والغاز داخل منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح المبيضين أن هناك أموراً تحتاج إلى التوضيح في ظل سعي الولايات المتحدة إلى الحفر، بهدف إنتاج كميات كبيرة من الخام نتيجة لقرارات ترمب في ظل وجود كلفة استخراج النفط الصخري الذي تنتجه حقولها عند مستويات عالية. وأشار إلى أن هناك تساؤلاً مهماً في أسواق الطاقة هو هل سيظل تحالف "أوبك+" عند مستويات الإنتاج الحالية، أم ستتجه دوله الأعضاء لزيادة كميات الإنتاج بصورة كبيرة بهدف المحافظة على الأسواق التي يُباع الخام فيها؟
وقال المبيضين إن العامل الثاني الرئيس المؤثر في أسواق الطاقة هو الطلب من الصين على الطاقة، إذ وصل إلى مستويات قصوى وأصبحت محركاً رئيساً للأسواق العالمية، لافتاً إلى أن الطلب من الصين على الطاقة منذ اندلاع أزمة كورونا وحتى الآن يشهد ثباتاً.
وأشار إلى أن هناك ترقباً في أسواق الطاقة العالمية لتصرف الصين حيال حرب الضرائب والرسوم الجمركية المرتقبة بين بكين والولايات المتحدة، وأكد أنه لا يوجد اقتصاد في العالم يخلق كميات الطلب على الطاقة التي تقوم بها الصين، والتي تؤثر في الأسعار بصورة تلقائية.
وأوضح أن تصرفات الرئيس ترمب في أسواق الطاقة حيال كندا ولا سيما في ظل الرسوم الجمركية التي يعتزم فرضها مثيرة للغموض وغير واضحة، إذ إن كندا تصدر المواد الخام للطاقة إلى الولايات المتحدة بأسعار رخيصة.
ولفت المبيضين إلى أنه إذا استعادت الولايات المتحدة السيطرة على قناة بنما، فإن ذلك سيكون له أثر كبير على أسواق الطاقة الدولية ونقل الخام وخلافه، إذ إن الاقتصاد الأميركي اقتصاد كبير لكنه ليس المسيطر على أسواق الطاقة العالمية.