ملخص
عدَّ وزير الخارجية العراقي السابق والمتخصص في العلاقات الدولية هوشيار زيباري أن العراق، كدولة عريقة، يمتلك كل المقومات التي تؤهله للعب دور محوري في تهدئة وتسوية القضايا الإقليمية، لكن تحقيق هذا الدور يتطلب سياسة خارجية رصينة ومستقلة تعتمد على المصالح الوطنية دون التوجه يميناً أو شمالاً بناء على ضغوط خارجية.
قد يبدو الموقع الجغرافي للعراق نعمة لما يمنحه من فرص استراتيجية لكنه أيضاً كان ولا يزال سبباً لجذب الأطماع، فالتنافس على موارده وموقعه الحيوي جعله هدفاً للحروب منذ القدم وحتى اليوم. كما أن قربه من مراكز الصراعات الإقليمية جعله لاعباً محورياً في تشكيل مستقبل المنطقة، سواء عبر إرادته الوطنية أو نتيجة لضغوط إقليمية ودولية.
ومع ذلك، أثبت العراقيون عبر تاريخهم أنهم قادرون على مواجهة هذه التحديات، إذ نجحوا في بناء توازن استراتيجي أهلهم للعب دور مؤثر في معادلات الشرق الأوسط الجديد.
موقع العراق ودوره التاريخي
قال الباحث الأكاديمي في الشأن التاريخي خالد شاتي إن العراق يعد أحد أهم المحاور الاستراتيجية في الشرق الأوسط تاريخياً، إذ يتمتع بموقع جغرافي فريد يجعله قطب الرحى في المنطقة، خصوصاً مع امتلاكه نهرين كبيرين هما دجلة والفرات إضافة إلى إطلالته على الخليج العربي، مما جعله منذ القدم محط أنظار القوى الإقليمية والدولية. وأضاف "هذه الخصائص الجغرافية لم تمنحه فقط إمكانية الانفتاح على العالم عبر التجارة وتبادل الموارد، بل جعلته أيضاً مطمعاً دائماً للقوى الباحثة عن النفوذ والمصالح الاقتصادية".
وعن التحديات الراهنة التي يواجهها العراق، رأى شاتي أنه يواجه اليوم تحديات خطرة على المستويين الداخلي والخارجي، من أبرزها التفكك الذي تحاول بعض القوى الخارجية والداخلية فرضه على البلاد، لكن وعلى رغم ذلك أكسبته التجارب القاسية التي مر بها بعد إسقاط النظام السابق خبرة ووعياً كبيرين.
وأكد أن التحول الديمقراطي في العراق على رغم افتقاره بعض الركائز السلوكية المتماسكة فإنه يمثل تجربة فريدة في المنطقة، لأنه منح شعبه فرصة غير مسبوقة للاستقرار، إذا ما استُغل بصورة إيجابية، إلا أن المعضلة تكمن في المصالح الضيقة لبعض القوى السياسية، التي تؤدي إلى تقلبات مستمرة في المشهد السياسي، مما يعوق استكمال هذه التجربة الرائدة.
مصالح دولية وتصارع قُوى
بدوره، عدَّ وزير الخارجية العراقي السابق والمتخصص في العلاقات الدولية هوشيار زيباري أن العراق، كدولة عريقة، يمتلك كل المقومات التي تؤهله للعب دور محوري في تهدئة وتسوية القضايا الإقليمية، لكن تحقيق هذا الدور يتطلب سياسة خارجية رصينة ومستقلة تعتمد على المصالح الوطنية، دون التوجه يميناً أو شمالاً بناء على ضغوط خارجية.
وأشار زيباري إلى أن قوة العراق في السياسة الإقليمية والدولية لا تنبع فقط من موقعه الجغرافي أو تاريخه، بل من وحدة الموقف الوطني الداخلي وقوة اقتصاده، وهذه العناصر إضافة إلى تعزيز "القوة الناعمة" تعد أساساً لتأثير بغداد في المنطقة ومبادرتها وريادتها في السياسة الخارجية.
ومع ذلك، رأى زيباري أن هناك مبالغة أحياناً في وصف دور العراق بالمحوري، فالدور الإقليمي والدولي له لن يكون فعالاً من دون وحدة داخلية وسياسات اقتصادية متينة، إضافة إلى دبلوماسية فعالة ترتكز على تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
من ساحة تنافس إلى نقطة تلاقٍ
وعن كيفية توظيف العراق لموقعه الجغرافي وموارده الاستراتيجية في بناء سياسة خارجية متوازنة تقلل من التدخلات الدولية والإقليمية، وإمكان إيجاد فرصٍ حقيقية لتحويله من ساحة تنافس إلى نقطة تلاقٍ للمصالح الدولية، ذكر الأستاذ في شؤون السياسة الخارجية سلمان الأعرجي أن العراق يمتلك فرصة حقيقية لتحويل نفسه من ساحة تنافس بين القوى الكبرى إلى نقطة تلاق للمصالح الدولية، شرط تبني استراتيجية شاملة تستفيد من موقعه الجغرافي وموارده الاستراتيجية.
وحدد الأعرجي عدة خطوات يمكن أن تسهم في تحقيق هذا التحول أولاها تعزيز دبلوماسية الحياد الإيجابي، فيجب على العراق بناء علاقات متوازنة مع جميع الأطراف سواء الإقليمية أو الدولية عبر تعزيز الحوار الإقليمي والمشاركة في تلك القضايا، وهنا يمكن له أن يصبح وسيطاً فاعلاً، مشيراً إلى دور بغداد في التقارب الإيراني- السعودي وقضايا غزة وسوريا كمثال على نجاح دبلوماسيته الإيجابية. أما ثانية تلك الخطوات فهي تطوير البنية التحتية، فالعراق يمكن أن يصبح مركزاً تجارياً إقليمياً من خلال استكمال مشروعات مثل القناة الجافة وطريق التنمية الذي يربط الشرق بالغرب لتصبح بلاد الرافدين محوراً للتجارة والنقل في المنطقة.
وتتمثل النقطة الثالثة – وفق الأعرجي – في الاستثمار بمصادر الطاقة المتجددة والنفط والغاز، بما يمنح العراق نفوذاً أكبر في السياسة الإقليمية والدولية، قائلاً "بعد عام 2003، شهد العراق تقدماً ملحوظاً في استثمار موارده الطبيعية، مما يمكنه من لعب دور رئيس في تزويد المنطقة والعالم بالطاقة".
وأخيراً تعزيز الأمن والاستقرار، فالأمن هو الركيزة الأساس لجذب الاستثمار وتوفير بيئة مستقرة للتنمية، والعراق تمكن من دحر الإرهاب وتعزيز قدراته الأمنية، مما يمنحه فرصة لتعزيز الثقة الإقليمية والدولية.
أما عن تحويل العراق إلى نقطة تلاقٍ للمصالح الدولية، أوضح الأعرجي أن هذا يتطلب تبني سياسة خارجية فاعلة وإيجابية من خلال فهم القضايا العالمية مثل الأمن الغذائي وتغير المناخ والتحديات الاقتصادية، والعمل على جذب الدعم الدولي، فضلاً عن توفير بيئة استثمارية جاذبة عبر تشريعات اقتصادية واضحة ومشجعة تحمي المستثمرين وتخلق فرصاً جديدة، والاندماج في التكتلات الاقتصادية، وكذلك المنظمات الدولية ومبادرات السلم والأمن.
ترسيخ المواطنة واحترام كرامة الإنسان
وأوضح خضر عباس عطوان المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة النهرين أن العراق بموقعه الجغرافي المميز وإرثه التاريخي العريق، يواجه تحديات كبيرة في سعيه إلى استعادة دوره كدولة ذات سيادة مؤثرة في الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذه التحديات ليست وليدة اللحظة لكنها تتفاقم بفعل تداخل العوامل الداخلية والخارجية التي تعرقل استقلالية قراره السياسي.
وأشار عطوان إلى أن مستقبل العراق يعتمد بصورة كبيرة في قدرته على تعزيز قراراته الداخلية وتحقيق السيادة الوطنية، ويتطلب ذلك ترسيخ المواطنة واحترام كرامة الإنسان، وضمان حقوق المواطنين والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية اللذين يعدان حجر الزاوية لأي إصلاح سياسي أو اقتصادي، علاوة على تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد باعتباره أحد أبرز التحديات التي تواجه البلاد، ويتطلب القضاء عليه إرادة سياسية قوية وخططاً عملية لتمكين المؤسسات الرقابية وتعزيز الشفافية، وتنمية الاقتصاد وتطوير البنية التحتية.
ودعا إلى جعل التنمية الاقتصادية المستدامة أولوية، من خلال استثمار الموارد الطبيعية وتطوير القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، إضافة إلى تحسين البنية التحتية لتلبية حاجات المواطنين ودعم الاستثمار.
البيئة الخارجية والسيادة
على رغم أهمية إصلاح الداخل فإن البيئة الخارجية تلعب دوراً كبيراً في تحديد مسار العراق ومستقبله، كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي له يجعله عرضة لتفاعلات إقليمية ودولية كثيرة تجري على أرضه، وهذه التفاعلات تضعف استقلالية القرار السياسي إذا لم تدر بحكمة.
وشدد المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة النهرين على أهمية التوازن بين الحفاظ على الاستقلال الداخلي وإدارة العلاقات الخارجية بما يراعي مصالح العراق الوطنية، والابتعاد من تحقيق هذه المصالح يعني أن مستقبل العراق سيصاغ بأيدي قوى خارجية، في حين أن تعزيز السيادة والقرارات المستقلة سيضمن له موقعاً مؤثراً في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومضى عطوان في حديثه "يفرض الحضور الإقليمي والدولي في العراق تحديات كبيرة على قياداته، التي تطالب بالتحلي برؤية واضحة وقدرة على الموازنة بين الداخل والخارج. ولتحقيق ذلك، ينبغي إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين من خلال تقديم حلول عملية للمشكلات الملحة وتحقيق العدالة في توزيع الثروات. والعمل على سياسة خارجية متوازنة تقوم على الحياد الإيجابي، بحيث يبقى العراق وسيطاً في النزاعات الإقليمية بدلاً من أن يكون ساحة للصراعات. وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي بالانضمام إلى مبادرات اقتصادية وأمنية تضمن مصالح العراق وتعزز مكانته كقوة إقليمية فاعلة".
ورأى أن قدرة العراق على استعادة دوره الإقليمي والدولي تتوقف على مدى نجاحه في تحقيق توازن بين الإصلاحات الداخلية وإدارة علاقاته الخارجية، فعندما يتمكن من بناء نموذج مُستدام للحوكمة والسيادة، ويظهر كفاءة في التعامل مع التحديات الجغرافية والسياسية، فإنه سيصبح لاعباً محورياً في المنطقة بدلاً من أن يكون ساحة لصراعات الآخرين.
دور صندوق النقد الدولي
من زاوية اقتصادية، أكد المدير العام السابق في البنك المركزي العراقي إحسان شمران الياسري أن المؤسسات الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي، تلعب دوراً بارزاً في صياغة السياسات الاقتصادية للدول الخارجة من النزاعات والدول النامية، بما في ذلك العراق. وبدأت هذه العلاقة بين العراق والصندوق مباشرة بعد تغيير النظام السياسي عام 2003، إذ دخلت الحكومة العراقية والبنك المركزي في مشاورات مكثفة مع الصندوق لتحديد مسارات السياسة النقدية والمالية.
وعن السياسة النقدية وسعر الصرف، تحدث الياسري قائلاً "كانت أولى إسهامات صندوق النقد الدولي في العراق تتعلق بتحديد سعر صرف الدولار، الذي ثبت عند 1475 ديناراً لكل دولار في عام 2003. ولاحقاً، خُفِّض سعر الصرف تدريجاً إلى 1166 ديناراً لكل دولار، وهو ما كان له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد العراقي، وبخاصة القطاعين الزراعي والصناعي. وتحولت بلادنا إلى اقتصاد يعتمد بصورة كبيرة على الاستيراد، وأصبحت نافذة بيع العملة الأجنبية أداة لإخراج الدولار بدلاً من دعم الاقتصاد الحقيقي".
وخلال عام 2009 أدرك البنك المركزي خطورة هذا التوجه، وبدأ برفع سعر الصرف تدريجاً إلى 1200 دينار لكل دولار، ومع ذلك كانت هذه الجهود محدودة الأثر في ظل اعتماد الاقتصاد على السلع المستوردة وعدم وجود قدرة تنافسية للمنتجات المحلية.
ومضى الياسري في حديثه "لعب صندوق النقد الدولي دوراً حاسماً في تخفيف أعباء الديون العراقية، خصوصاً في إطار اتفاق الاستعداد الائتماني الذي أسهم في تسديد ديون نادي باريس وخفضها إلى 10 في المئة من قيمتها الأصلية، لكن هذا كان مشروطاً بالتزام العراق بمتطلبات الصندوق في مجالات تحسين الأداء المالي والإداري، بما في ذلك الضرائب والجمارك وإدارة المالية العامة".
وعن تعديل سعر الصرف عام 2020 أشار الياسري إلى أن الصندوق شارك في المداولات بين وزارة المالية والبنك المركزي خلال عام 2020 والتي أفضت إلى رفع سعر الصرف إلى 1470 ديناراً لكل دولار، وهو قرار أثار جدلاً واسعاً، وأن الصندوق اقترح رفع السعر إلى 1600 دينار لكل دولار، وهو ما رآه أكثر عدالة للاقتصاد العراقي لكنه لم يُعتمد في النهاية.
وإضافة إلى صندوق النقد الدولي فقد أسهم البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى في تقديم المشورة للحكومة في مجالات عدة شملت تحسين الحوكمة وإدارة الموارد المالية.
النفط والموارد والسيادة
يعود المتخصص في قطاع النفط جميل كمونة للتذكير بما تشكله الموارد الطبيعية، سواء الموجودة على سطح الأرض أو في باطنها، من عناصر حيوية في الاقتصاد الوطني، لكنها قد تتحول إلى بؤرة للتوتر بين الدول المجاورة إذا لم تُستغل بصورة عادلة ومتوازنة تضمن الحقوق السيادية لكل طرف.
وفي العراق برزت مشكلات متعلقة بالمياه والنفط، إذ تستغل بعض دول الجوار العراقي منابع الأنهار المشتركة من دون الالتزام بالاتفاقات الدولية، مما أدى إلى تقليص حصة بلاد الرافدين المائية، وهذا الانتهاك أثر بصورة كبيرة على قطاع الزراعة الذي يُعد من أهم المفاصل الاقتصادية للبلاد.
أما بالنسبة إلى النفط، فإن الحقول المشتركة مع الدول المجاورة تمثل تحدياً سيادياً واقتصادياً، إذ يؤثر الإنتاج الجائر في هذه الحقول من قبل بعض الدول المجاورة سلباً على الخزين النفطي العراقي، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية ويخلق ثغرات دبلوماسية.
ولحل هذه المشكلة، دعا كمونة إلى تبني سياسة "توحيد الإنتاج"، وهي استراتيجية تتبعها الدول النفطية لتنظيم استغلال الحقول المشتركة بصورة عادلة ومتوازنة،م ما يضمن حقوق جميع الأطراف ويحمي سيادة العراق على موارده.
حماية الحدود من التدخلات الخارجية
وضع المتخصص في شؤون الحدود والمياه الدولية جمال الحلبوسي رؤيته انطلاقاً من الموقع الجغرافي الاستراتيجي والموارد الطبيعية الهائلة التي يمتلكها العراق، وجعلته محوراً للتجارة والحضارة على مدار التاريخ، لكنه في الوقت ذاته كان عرضة للغزوات والتدخلات الخارجية بسبب هذه الثروات.
ولتعزيز سيادته على حدوده وحمايتها من التدخلات، رأى الحلبوسي أن العراق في حاجة إلى تأمين عوامل عدة أولها ضبط الحدود وحمايتها، إذ يجب وضع آليات صارمة لمنع التهريب، بما في ذلك المخدرات والعملة الصعبة والمعادن النفيسة، مع تأمين المنافذ البرية والبحرية والجوية.
ودعا إلى اختيار قيادة سياسية قوية، فالعراق يحتاج إلى حكومة ذات رؤية قادرة على إدارة الموارد وحمايتها بعيداً من الفساد والمحاصصة، مع تعزيز التعاون بين القوى السياسية والعسكرية والقضائية لتحقيق ذلك، ثم يأتي بعد ذلك الحفاظ على علاقات دولية متوازنة بما يتطلب الأمر نهجاً سياسياً مرناً ومتوازناً مع المحيطين الإقليمي والدولي، لضمان تحقيق مصالح العراق من دون التنازل عن حقوقه أمام الدول المجاورة مثل تركيا وإيران.
أما العامل الرابع فهو تنمية الاقتصاد وإدارة الموارد، إذ يجب استغلال موقع العراق الجغرافي وموارده الزراعية والصناعية والتاريخية لتعزيز الاقتصاد الوطني وجعل الحدود عنصر قوة للتعاون الإقليمي بدلاً من الصراع.
استقلالية القرار السياسي واستثمار الموقع الجغرافي
من جانبه، رأى المحلل السياسي غسان العطية أن العراق بحدوده الحالية وجيرانه لا يحتاج إلى عدو خارجي، إذ يمكن لكل جار أن يكون مصدر تهديد، وهذا الواقع كان واضحاً منذ العهد الملكي، حين سعى الملك فيصل الأول ورئيس الوزراء نوري السعيد إلى تعزيز العلاقات مع الجيران من خلال ميثاق بغداد خلال خمسينيات القرن الـ20، الذي ضم العراق وتركيا وإيران وباكستان، لكن هذا الحلف لم يستمر بعد انقلاب 1958.
وأشار العطية إلى أن العراق يعيش حالاً من الفوضى في ظل التقسيمات الطائفية والمكوناتية التي ظهرت بعد عام 2003، والتي زادت من تعقيد المشهد السياسي، إذ لجأت الأطراف المتنازعة إلى دعم خارجي مما فتح الباب أمام تدخلات دول الجوار.
ولتحقيق استقلالية القرار السياسي، أكد العطية ضرورة إيجاد صيغة للعيش المشترك تعتمد على قيم وطنية مشتركة بعيداً من العنف والاستعانة بالأجنبي، مشدداً على أهمية بناء اقتصاد قوي ومُستدام، فالرفاه الاقتصادي يمكن أن يقلل من الصراعات الداخلية.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن مستقبل العراق يعتمد على قدرته في بناء دولة مدنية تعتمد على الكفاءة وتنبذ الفساد، وتستثمر موقعها الجغرافي لتعزيز التعاون الإقليمي بدلاً من أن تكون ساحة صراع للقوى الكبرى.
دور المواطن في التغيير
وعن دور المواطن في التغيير وتحديات الديمقراطية في العراق، عدَّ المحلل السياسي مناف الموسوي أن التصويت في الانتخابات يعد الوسيلة الأساس للمواطن للتأثير في المشهد السياسي وتغيير الجهات المتنفذة. ومع ذلك، تواجه العملية الديمقراطية في البلاد عدة تحديات تعوق فعاليتها مثل القوانين الانتخابية المفصلة على مقاس القوى السياسية الكبرى، إذ تُصاغ القوانين الانتخابية بما يتناسب مع مصالح الزعماء السياسيين والكتل الكبيرة، مما يحد من فرص التغيير الحقيقي، كما أن عدم استقلالية مفوضية الانتخابات يعود إلى تأثرها بالمحاصصة الحزبية، مما يقلل من شفافيتها وصدقيتها.
ونبه إلى انعدام الثقة بين المواطنين والعملية الانتخابية بسبب التلاعب والتزوير المزعوم، فتراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات إلى 41 في المئة خلال الانتخابات البرلمانية عام 2021، وهي الأدنى منذ عام 2005.
ومع ذلك، أكد الموسوي أن العراق شهد حراكاً شعبياً مهماً خلال احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إذ طالب المتظاهرون بإصلاحات سياسية واقتصادية، مما أدى إلى استقالة الحكومة وتعديل قانون الانتخابات. لذا وعلى رغم التحديات، يبقى للمواطن العراقي دور حيوي في المطالبة بالتغيير والإصلاح، سواء عبر صناديق الاقتراع أو من خلال الحراك الشعبي السلمي.
ويبقى السؤال مطروحاً، هل ستتمكن الجغرافيا السياسية للعراق من أن تكون نعمة تعزز من استقراره أم أنها ستظل نقمة تجعله في مهب الريح؟ والإجابة هنا تعتمد على إرادة العراقيين أنفسهم، وقدرتهم على تجاوز التحديات وتوظيف موقعهم الجغرافي لصالحهم.