ملخص
ما حدث في يناير 2011 لم يذهب لحال سبيله كما ظن المصريون فما جرى لم يحدث بمعزل عن فكرة "الربيع العربي" ولن ينفصل عن مصير منطقة حلقاتها مربوطة بعضها ببعض، وسيبقى مستحضراً ثالوث السياسة والدين والاقتصاد مع اختلاف الترتيب بحسب الأهمية من عام إلى عام.
ذكرى الأحداث أو الهوجة أو الموجة وفي قول رابع "ثورة 25 يناير" في مصر تأتي في كل عام بمذاق مختلف ونكهة مغايرة. في البدء كان الاحتفال والابتهاج مع لمسة رهبة وهمسة عتاب، ثم جاء الجدل والعراك ومعهما قدر غير قليل من تبادل الاتهامات وادعاء حدوث الانتهاكات في الأعوام التالية. واستمر استدعاء أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 مناسبة تؤجج الخلافات، وتحيي الذكريات، وتستدعي التصنيف، وتستوجب إطلاق الأحكام السياسية الدنيوية وأحياناً الدينية الإلهية. لكن مع مرور كل عام لوحظ تضاؤل بعدد الحسابات الثورية والجدليات السياسية وكذلك الدينية، وتفاقم وتعاظم لوعة المراجعات الاقتصادية والمقارنات المعيشية والتدهورات الطبقية.
ظلت الحال هكذا لأعوام. يبكي الثوريون والمعارضون في سرادقات عزاء افتراضية على ما آلت إليه أوضاع الثورة وأحوال المعارضة، ويتمتم المصريون العاديون بكلمات بعضها مفهوم مثل "مرحلة وانتهت" أو "غلطة وعدت" أو "قدر الله وما شاء فعل"، والبعض الآخر مبهم أو ملتبس أو مبتئس. وفي مثل هذا الوقت من كل عام يظن المصريون أنهم نسوا الأحداث وتغلبوا على الآثار ومضوا قدماً في حياتهم وكأن ثورة لم تكن، ومضاعفات وآثاراً جانبية وتقلبات وانهيارات وتصدعات لم تعصف بحياة معظمهم.
هذا العام تبدو الذكرى مختلفة والحسابات مغايرة والمراجعات تسير في خطوط لن تسير فيها طوال الأعوام الـ14 الماضية. فالأحداث الإقليمية الجسيمة والانكشافات الدولية الكبرى والتطورات المحلية، لا سيما الاقتصادية الثقيلة، ألقت بظلال مختلفة على الذكرى الـ14 لأحداث يناير هذا العام.
"ثورة أم مؤامرة؟"، "غضبة شعب أم تكتيك جماعة؟"، "رد فعل الشارع للظلم والفساد أم تحريك للناس من خلف الشاشات؟"، وغيرها من التساؤلات باتت من كلاسيكيات التراشق. حتى القوائم السوداء للشخصيات العامة التي شككت في الثورة وتنمرت على الثوار ونددت بالفكر الثوري، والتي تلتها القوائم السوداء لرموز "الثورة" ورفاق "الميدان" وأيقونات التظاهرات جميعها لم تصبح فقط أفعالاً ماضية، بل رفاهية جدلية لا طاقة للغالبية بها.
استدعاء الثورة والثوار
الغالبية تجد نفسها هذا العام مضطرة إلى استدعاء ذكريات الثورة والثوار، وما تلاها من ألوان أيديولوجية صبغت الميدان تارة بصبغة الإسلام السياسي، وأخرى بتوجهات التيارات المدنية الكثيرة والمتشابكة، وثالثة بـ"الأيقونات" الثورية التي عرفت الشهرة وذاقت طعم الانتشار من رحم الميدان، وما آلت إليه الأوضاع بعد ذلك من احتكاكات وارتطامات وتصادمات بين كل التيارات. الاستدعاء هذه المرة أقرب ما يكون إلى المراجعات العاجلة تحت وطأة الأحداث المتسارعة، لا بغرض التبكيت أو التنديد أو التصنيف.
قياس مستوى الرضا الشعبي عن الأداء الرسمي والحكومي أمر صعب. استطلاع الرأي المتاح صدر قبل أيام من "المركز المصري لبحوث الرأي العام" (بصيرة). ونتائج الاستطلاع المعلنة تشير إلى أن مؤشر الرضا العام بلغ 67.4 نقطة من 100 نقطة، وهو ما يعكس رضا متوسطاً عن الأداء العام. أعلى مستويات الرضا في محافظات البحيرة وكفر الشيخ والشرقية، وأدناها كان من نصيب بورسعيد والقاهرة والإسكندرية.
بحسب "بصيرة" تبوأ ملف الأمن مكانة الصدارة في رضا المصريين، تلاه الوقود (باستثناء الكهرباء)، ثم العلاقات الخارجية، وبعدها الأسعار، ثم مستوى معيشة محدودي الدخل، وتذيل ملف توفير فرص العمل قائمة الرضا.
الاستطلاع فند عديداً من الملفات ليضع الأمن بصورة عامة على رأس قائمة الرضا. وحاز كل من المرور وتعامل الأمن مع المواطنين على درجات "جيدة" من جهة الرضا الشعبي. وأعلى رضا في الخدمات جاء لخدمات المحمول ثم المواصلات والنقل، أما الصحة ثم التعليم فجاءا الأقل، لا سيما التعليم.
وكان من المنطقي أن يحظى ملف الدعم برضا أقل من المتوسط، وأن يتذيل ملفا مستوى معيشة محدودي الدخل والأسعار كل قوائم الرضا.
أما رؤى العين وما تسمعه الأذن في الشارع المصري بعد مرور 14 عاماً على أحداث عام 2011 التي احتارت المراكز البحثية في فهمها، والمحافل الأكاديمية في تحليلها، فتشير إلى قلق من الأوضاع الاقتصادية ووجع من الأوضاع المعيشية، مع تضاؤل الاهتمام بالأوضاع السياسية والحقوقية لدرجة الانقشاع. ربما الأمر يتعلق بالسعة الاستيعابية للدماغ وقدرته على الاهتمام بالأوضاع، أو هي أولويات تفرض نفسها من دون جدال.
جدل الذكرى والمخاوف
جدل الذكرى هذا العام بدأ قبل أسابيع قليلة، وتحديداً في نجاح جهود الدفع بـ"هيئة تحرير الشام" لإسقاط نظام الأسد في سوريا. سقوط النظام السريع والمفاجئ، والدعم الغربي الجارف والمهرول للإدارة الجديدة في سوريا، واستعداد الدول الكبرى لإزالة اسم الهيئة وقادتها من قوائم الإرهاب والإرهابيين، وقبول الكوكب بجماعة إسلام سياسي، أو بالأحرى جهادي في سدة الحكم في دولة مهمة ومحورية كسوريا، دفع قرون الاستشعار المصرية الشعبية إلى الاستنفار. فما جرى في يناير عام 2011، وما تلاه من صعود لجماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، ثم إطاحتهم بناءً على إرادة الجموع الغفيرة، ومجابهة رغبات الدول الكبرى الداعمة للجماعة وبعض من الإقليمية الراعية لها، والإصرار على المضي قدماً في "مشروع وطني مصري خال من الإسلام السياسي"، أمور تجد نفسها في الذكرى الـ14 في دائرة الضوء وخانة الخطر وموقع المراجعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعضهم يحلو له توصيف هذه المراجعات باعتبارها تخوفاً مصرياً من عودة شبح الجماعة، وإعادة بث الحياة بحلم وصول الإخوان إلى الحكم، وآخرون يجدون في ما جرى في سوريا مدعاة لإعادة ترتيب الأولويات وإعادة توجيه مسارات الألم.
الآلام الاقتصادية لا تتوقف، آهاتها تخفت حيناً وتتعالى أحياناً، لكن في كل مرة تقرر الأوضاع الإقليمية أن تمثل تهديداً أو تطرح تحدياً تتوارى هذه الآلام بعض الشيء. الصعود المفاجئ لنجم الإسلام السياسي أو الجهادي في سوريا دفع قطاعاً من المصريين إلى العودة إلى خندق مجابهة خطر الجماعة ودرء محاولات التسلل عبر الجحور الاجتماعية ومنافذ المظلومية.
هذا القطاع من المصريين يستدعي في الذكرى الـ14 لـ"الثورة" تسلسل الأحداث التي أدت إلى وقوع مصر في قبضة الجماعة، والترحيب الغربي الكبير بذلك، وفرحة بعض الجيران في الإقليم. هؤلاء يرون في ما جرى في سوريا تشابهاً إلى حد ما، حيث سماح وتشجيع ودفع المجتمع الدولي وجانب من الإقليمي لهيمنة جماعة إسلام سياسي على دولة كبيرة ومؤثرة في المنطقة.
هذا الاستدعاء يجعل آلام الاقتصاد، وأوجاع المشهد الإعلامي، وأنين التعبير السياسي، وصداع الفساد الإداري، وأسئلة أولويات بناء الطرق والكباري أم المصانع وفرص العمل، وجدليات الدعم العيني أم المادي، وغيرها مما يشغل المصريين ويثقل كواهلهم تتضاءل أمام ما يسمونه بـ"فداحة" و"خطر" المشهد السوري.
بين التمني والرجاء
المشهد السوري المفتوح على كل الاحتمالات شأنه شأن كل التغيرات السياسية الكبرى والتقلبات الاستراتيجية الضخمة وتبدلات توازنات المصالح الصادمة، لا يقتصر في ذكرى أحداث يناير على التسبب في القلق أو الحذر، ولكنه يعيد الأمل لقطاع آخر من المصريين لاستعادة الحكم الديني، سواء كان حكم الإخوان أو أي جماعة إسلام سياسي أخرى. هذا القطاع لم يختف بإنهاء حكم الجماعة والمواجهات الأمنية وإقصاء القيادات وشن حملات إعلامية وتوعوية واسعة تركز الأضواء على "جرائم الجماعة" وما اقترفته في حق مصر والمصريين منذ نشأتها عام 1928.
تهل ذكرى أحداث يناير على أعضاء الجماعة من غير الفاعلين، ومن لم يتقلدوا مناصب في هيكلها، أو المتعاطفين والمعجبين بكل من يستهل كلامه بـ"قال الله" ويشرح وجهة نظره في ضوء "قال الرسول"، ومن هم "ليسوا إخواناً ولكن يحبونهم ويحترمونهم"، ومشهد سوريا أيضاً حاضر أمام أعينهم ولكنه حضور التمني والرجاء.
الكاتب الصحافي رفعت رشاد شرح جانباً من عوامل "جاذبية" الجماعات الجهادية وتحولها إلى أنظمة حاكمة، وهو الحلم الذي يدغدغ مخيلة وأحلام بعض المؤيدين، وذلك في مقال عنوانه "الحركات القومية بديل للنظم القومية" (2025)، يقول "بعد غزو العراق شهد العالم تصاعداً ملحوظاً في الحركات الجهادية التي تتبنى أيديولوجيات متطرفة. بدأت هذه الحركات الاستفادة من الانهيار الذي أصاب الأنظمة القومية العربية، بخاصة في ظل ما سمي بالربيع العربي وتفكك بعض الدول مثل العراق وليبيا وسوريا. أدى تراجع الولاء الوطني لمصلحة الولاء الديني إلى تحفيز بعض المجموعات لتسعى إلى إقامة دول إسلامية ذات طابع جهادي"، مشيراً إلى أن فقدان النموذج القومي في عديد من الدول العربية كثيراً من شعبيته دفع بكثر إلى الانضمام إلى هذه الجماعات التي تقدم لهم فكرة "الخلافة" باعتبارها البديل.
ويضيف أنه على رغم أن الحركات الجهادية قد تستغرق وقتاً لتحقيق أهدافها في إنشاء كيانات مستقلة، فإن الغاية ليست مستحيلة، لا سيما أن الأوضاع في بعض المناطق والدول توفر لهذه الحركات الفرصة. ويشير إلى أن هذا مرهون بتوافر عدد من العوامل مثل درجة الاستقرار المحلي والدعم الخارجي والسياسات الدولية.
ويتطرق رشاد إلى "الفراغ السياسي"، وهي "نظرية تستند إلى أنه في حال غياب أو تراجع السلطة السياسية التقليدية، سواء كانت دولة أو حكومة، فإن هناك دائماً قوة أو فاعلاً آخر سيشغل هذا الفراغ". مضيفاً "يحدث الفراغ السياسي عندما تفقد الدولة قدرتها على فرض سلطتها، أو عندما تنهار هياكلها المركزية. في هذه الحال لا يظل الفراغ موجوداً لفترة طويلة، لأن هناك قوى محلية أو إقليمية تبحث دائماً عن استغلال الفراغ وتملأه".
ما شرحه رشاد هو تحديداً ما يدور في أذهان بعض المصريين بين متخوف من تقلص شعبية الحكومة الحالية، ومتوجس (أو متمنٍّ) انتهاز أفراد أو جهات أو جماعات أو حتى دول فرصة الهموم الاقتصادية وانتقادات الشارع بعض السياسات الحكومية والجمود الإعلامي والتقلبات المتواترة في ملفات حيوية مثل الصحة والتعليم والتموين لإعادة سيناريو "الحكم الديني" باعتباره البديل الآمن والمضمون والشرعي.
يشار إلى أن حضوراً سلفياً أو متشدداً واضحاً يطغى على الشارع المصري في هذه الآونة، يتمثل في ترك الباب موارباً لعودة زوايا الصلاة في أماكن متفرقة بعيداً من أعين وزارة الأوقاف، وزيادة النقاب بصورة واضحة، وشيوع الحجاب بين طفلات لم تتعد أعمار بعضهن الثمانية والتسعة أعوام وأحياناً أقل، إضافة إلى محتوى رقمي يروج لنسخة بالغة التشدد من الدين موجه لكل فئات المستخدمين وطبقاتهم.
يربط بعض المراقبين بين هذا الحضور الواضح في الشارع وما جرى في سوريا، مما يرونه سبباً إضافياً للحذر خوفاً من استبدال التجربة الإخوانية التي نجمت عن أحداث 2011، بتجربة سلفية أو جهادية في ما بعد.
غزة أيضاً حاضرة
ليست سوريا وحدها التي طرحت نفسها مكوناً في استدعاءات ذكرى أحداث يناير في مصر، سواء بدافع الحذر من قبل الغالبية، أو تمني استنساخ فكرة التحول للدولة الجهادية أو الإسلامية وذلك من قبل أقلية، بل تجد غزة نفسها أيضاً حاضرة في الذكرى.
بين أحداث 2011 وظهور أعلام حركة "حماس" في ميدان التحرير في أسابيع الحراك التي تلت أيام الثورة الـ18 من الـ25 من يناير إلى الـ11 من فبراير (شباط)، وظهورها متضامنة ومتوائمة مع أعلام جماعة "الإخوان" طوال فعاليات وتظاهرات الجماعة وحتى ما بعد أحداث عام 2013 التي انتهت بإسقاط حكم "الإخوان"، وبين الاحتفالات التي شهدتها غزة عقب الإعلان عن فوز مرشح الجماعة محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، ثم تظاهرات أنصار "حماس" في غزة، بل وفي باحة المسجد الأقصى عقب سقوط حكم الإخوان ومحمد مرسي وتنديدهم بوزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي وقيادات الجيش المصري، وكذلك التأكيدات الرسمية المصرية على قيام حركة "حماس" بتقديم السلاح للمسلحين في سيناء، الذين ارتكبوا عمليات عديدة ضد القوات المصرية ومدنيين في شمال سيناء عقب إنهاء حكم الجماعة، يستحضر مصريون ذكريات 14 عاماً لتفرض نفسها هذا العام مكوناً مهماً ضمن ذكرى يناير.
وعلى رغم التحول "الإيجابي" الذي طرأ على علاقة مصر الرسمية مع حركة "حماس"، لا سيما بعد عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واستمرار الدور المصري المحوري في الوساطة، إضافة إلى إدخال المساعدات واستقبال الجرحى والحالات الحرجة وغيرها، وعلى رغم اعتبار بعض المصريين اتفاق وقف إطلاق النار نصراً ساحقاً لغزة، وعزة كبيرة للمقاومة، وفوزاً غير مسبوق لـ"حماس" أو ما تبقى منها، فإن مشاعر الحذر والقلق من سيناريوهات "اليوم التالي" في غزة الواقعة على حدود مصر الشمالية الشرقية تفوق فرحة "النصر".
فريق من المصريين يخشى عودة "مظلومية الإخوان" ممثلة هذه المرة في الأوضاع المزرية بغزة، وفريق آخر يرى أن على مصر أن تغلق أبواب التقارب وتسد ثغرات التسلل سواء الفعلي أو الفكري، منعاً لإعادة إنتاج ما يسمونه بـ"فوضى يناير".
سعادة جيل كامل
جيل كامل من المصريين خرج إلى الدنيا بعد يناير 2011، وهو لا يعلم أن محطة مترو "الشهداء" كان اسمها "مبارك"، وأن مراكز "الرعاية المتكاملة" كانت ترأسها قرينة الرئيس المصري السابق الراحل سوزان مبارك، وأن كثيراً من المكتبات العامة كان اسمها "مكتبة سوزان مبارك"، وأن الأرض الفضاء المطلة على نهر النيل بجوار فندق "النيل هيلتون" كانت مقر "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم، وأن ميدان التحرير الذي يتوجهون إليه للقاء الأصدقاء والتقاط الصور "السيلفي" على خلفية المسلة والكباش والأشجار كان "ميدان الأحداث"، ثم أصبح أرض المشاحنات، وبعدها حلبة الاستحواذ والاستقطاب قبل أن يعود أدراجه ليصبح ميداناً كغيره من الميادين.
هذا الجيل سعيد بالعطلة التي يحصل عليها اليوم في مناسبة "عيد الشرطة" و"ثورة يناير"، لكن الصلة بينهما غائبة عن الغالبية المطلقة منهم، لا سيما بعد ما خضعت المناهج الدراسية لإضافات متسرعة عقب الأحداث، ثم تقويمات ذات نكهة إخوانية بعد صعود الجماعة، وبعدها تقليم الزيادات وإزالة التعديات لتناسب العصر الجديد، ثم مراجعات سنوية بحسب التوجهات وبناء على المجريات.
هذا العام يتضاءل كثيراً الارتباط المزعج للمناسبتين "عيد الشرطة" و"ثورة يناير"، إذ كانت ممارسات الشرطة الموصوفة بـ"القمعية" والمصنفة تحت بند "التجاوز" على مدى عقود، لا سيما في الأعوام الأخيرة من حكم مبارك، سبباً رئيساً لزخم التظاهرات في الأيام الأولى من "الثورة".
الطريف أن مسمى "الثورة" نفسه والعراك الدائر حوله تبخر أو كاد. في مثل هذا الوقت من الأعوام الماضية كانت الفرق تتناحر حول مسمى ما جرى: "ثورة"، "مؤامرة"، "مخطط"، "تظاهرات"، "أحداث". شد وجذب ونقاش وجدال حتى انتهى الحال بكثر هذا العام إلى الاكتفاء بمسمى "اللي حصل في 2011" (ما حدث في 2011).
وما حدث في يناير 2011 لم يذهب لحال سبيله كما ظن المصريون في أعوام سابقة، ولن يذهب، فما حدث في ذلك العام لم يحدث بمعزل عن فكرة "الربيع العربي"، ولن ينفصل عن مصير منطقة حلقاتها مربوطة بعضها ببعض، وسيبقى مستحضراً ثالوث السياسة والدين والاقتصاد، مع اختلاف الترتيب بحسب الأهمية من عام إلى عام.