Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة المغتربين إلى وطنهم لبنان... واقع أم خيال؟

منذ انتخاب رئيس للجمهورية عمت أجواء التفاؤل باحتمال حصول هجرة معاكسة

شهد لبنان ارتفاعاً سنوياً في معدلات الهجرة في الأعوام الأخيرة (رويترز)

ملخص

يترقب قسم من المغتربين اللبنانيين أي تغيير مهما كان بسيطاً ليعودوا إلى لبنان. فهل بدأت الأرقام تبشر بعودة قسم منهم؟

قارب الرقم الإجمال لحركة الهجرة من لبنان حدود الـ826 ألف لبناني بين عامي 2012 و2024، منهم 200 ألف عام 2024 في رقم غير نهائي، بحسب أرقام "الدولية للمعلومات". وصحيح أن حركة الهجرة هذه قد حصلت في حقبات عدة وبدرجات متفاوتة، إلا أنها بلغت الذروة عام 2019 مع بداية الأزمة، فغادر آنذاك ما لا يقل عن 67 ألف لبناني بسبب الانهيار الحاصل. أيضاً في الأعوام الثلاثة التي تلت، غادر البلاد أكثر من 195 ألف شخص. وأتى انفجار مرفأ بيروت (في الرابع من أغسطس "آب" 2020) ليرفع أرقام المهاجرين من لبنان بصورة ملحوظة، وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي دفعت كثراً إلى المغادرة أيضاً لأسباب أمنية.

وأظهرت أرقام مطار "رفيق الحريري الدولي" أن مشهد الهجرة قد استكمل خلال عام 2024، وتحديداً من بداية الاشتباكات في الجنوب ومع توسع الحرب (في إشارة إلى الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"). لكن يبدو أن انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، إضافة إلى عناصر أخرى إيجابية، أسهمت في نشر أجواء متفائلة بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين، حتى إن جرعة التفاؤل التي بثتها هذه الأجواء في النفوس شجعت مغتربين على الاستعداد للعودة إلى الوطن الذي غادروه مرغمين لأسباب مختلفة.

 

هجرة فرضتها الظروف من قرون

في الواقع لا تعتبر الهجرة من لبنان ظاهرة مستجدة، بل لها جذور قبل قرون مضت، وكثيراً ما كانت من الاختيارات التي فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية على اللبنانيين الذي أرغموا على مغادرة وطنهم قسراً في مختلف الحقب، بدءاً من أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20 حين فرضت الظروف المعيشية القاهرة على عديد من اللبنانيين البحث عن حياة أفضل في أي من بقاع الأرض، خصوصاً في أي من القارتين الأميركية أو الأفريقية.

بحسب الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين "يعود تاريخ هجرة اللبنانيين بحثاً عن فرص عمل أفضل إلى عام 1851، وكثيراً ما زادت أعداد المهاجرين في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، أو أمنية سيئة. مع الإشارة إلى أن نسبة 70 في المئة من المهاجرين من الفئات الشابة بين 25 و35 سنة. وتظهر الأرقام ارتفاعاً تدريجاً في أعداد المهاجرين عاماً تلو الآخر.

وقد شهدت البلاد موجات من الهجرة في الأزمات المتعددة التي عرفتها وصولاً إلى أزمة عام 2019 التي شهدت تجدداً في مشهد الهجرة بمعدلات كبيرة لم تعرفها البلاد سابقاً. وبعد انفجار مرفأ بيروت غادر كثر لبنان بحثاً عن الأمان، ثم أخيراً في الحرب الإسرائيلية على لبنان، إذ زادت معدلات المهاجرين، لكن سرعان ما بدا أن المشهد المأسوي الذي سيطر على البلاد في الأعوام الأخيرة قد زال لتحل محله الأجواء المفعمة بالتفاؤل والإيجابية، بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة. بدأت التوقعات بأن نشهد هجرة معاكسة في الفترة المقبلة وتتخذ الأمور منحى مختلفاً مع عودة كثر من المغتربين من البلدان التي توجهوا إليها قسراً في الأزمات المتتالية".

 

وأكد شمس الدين "أنه لا يمكن التحدث من الآن عن عودة مهاجرين بما أن كثراً غادروا البلاد في أشهر الحرب، ولا تزال الأمور غير مستقرة، لذلك تسجل عودة بأعداد بسيطة، ولن يكون من الممكن الحديث عن عودة بمعدلات كبرى محتملة قبل نهاية يناير (كانون الثاني) الجاري إلى بداية فبراير (شباط) المقبل".

أما من غادروا البلاد في الحرب إلى العراق ومصر وتركيا فقد عادوا بالفعل، لكن هذه الحال لا تعتبر هجرة بل هي عبارة عن نزوح موقت.

انتعاش مرتقب

على رغم التقارير التي أشارت إلى ارتفاع في أرقام الحجوزات من لحظة انتخاب رئيس الجمهورية، أوضح نقيب مكاتب السياحة والسفر في لبنان جان عبود "أنه لا يمكن التحدث عن أرقام حجوزات تعكس هذا الواقع الإيجابي من الآن"، مؤكداً، في الوقت نفسه أن ثمة موجة تفاؤل تعم البلاد، ومتوقعاً أن نشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أرقام الحجوزات ابتداء من مارس (آذار) المقبل، وأن يكون موسم الربيع جيداً من جهة معدلات الحجوزات إلى لبنان، وأن تبلغ أرقام الذروة صيفاً في الموسم المقبل فيكون هناك انتعاش حقيقي، وتوقع عبود أيضاً أن "تسجل أعلى مستويات من الحجوزات مع حلول شهر رمضان ومن بعده في مختلف المناسبات حتى تبلغ الذروة في موسم الصيف".

لكن على مستوى عالمي تعتبر الفترة الممتدة من منتصف يناير إلى منتصف فبراير، فترة ركود لجهة الحجوزات والسفر، فهناك انخفاض يسجل في العرض والطلب "مما لا شك فيه أنه منذ انتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس الحكومة، والاستعداد لتشكيل الحكومة باندفاع، عمت أجواء التفاؤل البلاد. لكن لنستعيد المواسم السياحية الناجحة التي كان يشهدها لبنان سابقاً لا بد من الحصول على الرضا الخليجي. فمع احترامنا للسياح من باقي الجنسيات العربية وأولئك الأجانب، لا ينشط الموسم السياحي إلا بفضل السائح الخليجي وفق ما تشهد مسيرة البلاد في السياحة، أما الأجانب فيحتاجون إلى مزيد من الوقت ليعطى لهم الضوء الأخضر للحضور إلى لبنان، لكن من الواضح أن الأمور تتجه نحو الأفضل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفاؤل وعودة محتملة

صحيح أن الأرقام الفعلية لا تؤكد حتى اللحظة عودة فعلية للمغتربين إلى أرض الوطن، لكن مما لا شك فيه أن الأجواء الإيجابية التي تعيشها البلاد حالياً بعثت التفاؤل في نفوس اللبنانيين. ومن المغتربين من باتوا يترقبون هذه المرحلة الجديدة التي تبدو أكثر إشراقاً حتى يعودوا للاستقرار في أرض الوطن. هذا ما تؤكده ساشا التي غادرت لبنان إلى كندا خلال الحرب الأخيرة، وكان قد سبقها شقيقها بسبب انعدام فرص العمل، ولحقت به ساشا، لكن منذ أن انتُخب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة، بدأ حلم العودة يراودها، وتقول إنها تنوي، بالفعل، العودة في حال تحققت، ولو نسبة بسيطة من المطالب، وتوافرت فرص عمل للشباب، وأجواء مستقرة.

من جهته يقول حمزة، وهو مقيم في الكويت منذ نحو عامين، إن أي تحسن للأوضاع في لبنان يشكل حافزاً له ليعود ويؤسس مشروعاً صغيراً ويعيش وسط أهله في وطنه.

أما ناتالي فبعيدة من أرض الوطن من أكثر من 11 عاماً، وصحيح أنها كانت تعمل في ظروف جيدة في لبنان، لكن أتتها فرصة عمل فضلى، وانتقلت إلى قطر على رغم أنها كانت خطوة جريئة تقوم بها بانتقالها كشابة وحيدة، وتبدو لها هذه الظروف في غاية الصعوبة، وهي تفكر بالعودة من فترة، لكن تعقدت الأمور سابقاً. ومع المؤشرات الإيجابية في لبنان، تشعر ناتالي بحماسة كبرى لرؤية التغيير الذي سيحصل، وما سيقدمه لها وللبنان بغض النظر عن فرص العمل. فهي تنوي العودة قريباً لتؤسس مشروعاً خاصاً بها. وتتحدث ناتالي بحرقة عن الاغتراب والبعد من العائلة وبحماسة واضحة عن العودة بأقرب وقت ممكن.

ولا يعتبر منسق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية في "الجامعة اللبنانية" شوقي عطية أن أرقاماً فعلية تتوافر لتنقل الواقع في ما يتعلق بالهجرة من لبنان، وتلك التي تعكس العودة، "فكلها تقديرات لا تعكس الواقع فعلاً وكل البيانات الصادرة هي من المطار، ولا تؤكد ما إذا كانت المغادرة هدفها الهجرة. فليست هناك دراسات حول هذا الموضوع لأنها تتطلب متابعة لأهداف المغادرة ومدى البقاء في الخارج. أما الأرقام التي تنشر وتلك الصادرة عن الهيئة العليا للإغاثة حتى حول من غادروا أخيراً، فليست فعلية خصوصاً أن معظم من غادروا قد عادوا لأن مغادرتهم كانت في إطار النزوح الموقت".

فئة الشباب

يظهر الواقع، ولو من دون أرقام أكيدة وواضحة، أن كثيراً ممن غادروا لبنان في بداية الأزمة عادوا، خصوصاً من الأطباء. وبصورة عامة، يشير عطية إلى أن الفئة التي تهاجر دوماً بمعدلات كبرى هي من فئة الشباب، وبالنسبة إلى هؤلاء يكون احتمال العودة سريعاً، ضئيلاً، "أما من هاجروا خلال الأزمة مع عائلاتهم فمنهم من عاد إلى لبنان، خصوصاً أن كثراً منهم كانوا قد غادروا إلى كندا التي لم تعد جنة بالنسبة إلى لبنانيين كما في السابق، ونسبة 20 في المئة ممن يهاجرون إليها تعود لعدم القدرة على التأقلم مع التغييرات الثقافية بصورة أساس. كما أن الظروف الاقتصادية والدخل والعمل ليست خيالية بالنسبة إليهم، كما كانوا يتوقعون. ففي ذلك، تسجل حركة عودة، خصوصاً بالنسبة إلى من غادروا مع عائلاتهم، ومنهم من أرسلوا عائلاتهم في الأقل إلى لبنان".

أما حول الأجواء الإيجابية وانعكاساتها على حركة العودة، فيشير عطية إلى أن اللبناني يندفع سريعاً وتتخذ الأمور منحى عاطفياً بالنسبة إليه، "وهذا ما حصل عندما انتخب رئيس الجمهورية، وبدأ كثر يتحدثون عن العودة والاستثمار في لبنان بدافع عاطفي ليس إلا، انتخاب رئيس الجمهورية ليس بحالة استثنائية، هي مسألة طبيعية، ولو حصل تأخير في كل مرة. لكن سوء الأوضاع التي كانت سائدة جعل منها حالة استثنائية بدلاً من أن تكون مسألة روتينية كل ستة أعوام، فبدت خطوة مفصلية اليوم. أما العودة إلى لبنان فمن المفترض أن تحصل في حال انتفاء أسباب مغادرة البلاد.

ففي الهجرة هناك عوامل طرد دفعت المغتربين إلى الرحيل مثل عدم توافر فرص عمل، وتأمينات صحية، وعدم وجود استقرار أمني، ودخل مناسب بخاصة في الأزمة. أما عوامل الجذب التي تعيدهم إلى لبنان فترتبط بالعاطفة بصورة أساس كالعائلة وتلك الميزات التي في لبنان. حالياً لا يمكن التعويل على هذه العناصر المرتبطة بالعاطفة للعودة إلى لبنان، وتأكيد هجرة معاكسة. ثمة أمل بإحداث التغيير بعد الحرب، ومن الممكن أن يؤثر ذلك في الأشهر المقبلة والأعوام، وأن تتكلل المساعي بنجاحات معينة إذا كانت هناك التفاتة دولية للبنان فعلاً مع إعادة إعمار".

انطلاقاً من كل ما سبق، يؤكد عطية أنه يصعب على أي كان التأكيد ما إذا كانت ستحصل هجرة معاكسة إلى لبنان في الأشهر المقبلة، على رغم الحماسة حالياً "إذ يتطلب ذلك وقتاً وتغييراً ملموساً في الواقع اللبناني مع مرحلة ترقب لا بد منها لتتضح الأمور".

المزيد من تقارير