ملخص
دخلت المعارضة التونسية في مواجهة مفتوحة مع الرئيس قيس سعيد إثر تجميده أنشطة البرلمان المنتخب في يوليو 2021 في مرحلة أولى ثم حله في مرحلة ثانية وأيضاً حل الحكومة وتعليق العمل بالدستور.
دخل عدد من السياسيين المحتجزين في تونس منذ أشهر في إضراب جوع في محاولة للضغط من أجل إما الإفراج عنهم أو الإسراع بمحاكمتهم، في وقت تصف المعارضة هذه الخطوة بـ "معركة الأمعاء الخاوية".
وأعلنت رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" التي كانت تدير عملية "جبر الضرر لضحايا الاستبداد خلال الأنظمة السابقة" سهام بن سدرين دخولها في إضراب جوع شأنها في ذلك شأن الناشط السياسي مصعب الغربي، الموقوف منذ يوليو (تموز) 2024. وقالت بن سدرين في بيان إن "دخولي في إضراب عن الطعام هو احتجاج على الظلم المسلط علي".
ولوّحت رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي التي كانت إلى أمد غير بعيد تمثل رقماً سياسياً صعباً في المعادلة التونسية، بالدخول في إضراب جوع بعد أشهر من إيقافها، وتواجه بحسب ما كشف محاميها نوفل العريبي تهماً تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وتواجه موسي ونشطاء سياسيون معارضون في تونس كثيراً من التهم، وأصدرت في حقهم السلطات مذكرات إيداع بالسجن، لكن لم تتم عملية محاكمتهم بعد، فيما يثير دخولهم في إضراب عن الطعام تساؤلات حول دلالات ذلك وتداعياته المحتملة على وضعهم.
وضع حرج
ودخلت المعارضة التونسية في مواجهة مفتوحة مع الرئيس قيس سعيد إثر تجميده أنشطة البرلمان المنتخب في يوليو 2021 في مرحلة أولى ثم حله في مرحلة ثانية وأيضاً حل الحكومة وتعليق العمل بالدستور.
وقاد سعيد مرحلة مثيرة للجدل والانقسامات، إذ تمت صياغة دستور جديد ووافق عليه معظم التونسيين في استفتاء شعبي، ونظمت انتخابات برلمانية قاطعتها قوى المعارضة، وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أعيد انتخاب سعيد لولاية ثانية مدتها خمسة أعوام.
ولا يزال ملف السجناء السياسيين يراوح مكانه منذ أشهر، فمن بينهم من هو متهم بـ"التآمر على أمن الدولة" وقضايا أخرى على غرار ملف التسفير إلى بؤر التوتر مثلما حصل مع نائب رئيس "حركة النهضة" علي العريض الذي شغل في السابق منصب وزير الداخلية وغير ذلك.
وقال النائب البرلماني السابق مجدي الكرباعي إن "وضع السجناء السياسيين في تونس حرج جداً، ومفارقة أن سهام بن سدرين التي كانت أيقونة من أيقونات انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 وأيقونة النضال ضد بن علي، نجدها اليوم في السجن وهي تعلن دخولها في إضراب جوع وحشي".
وأضاف الكرباعي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "بن سدرين مورست عليها أساليب ظالمة، ولم تُوفّر لها وسائل التقاضي العادل وهو أمر مؤسف وهو السيناريو نفسه الذي شهده الغربي وآخرون، ولا أعتقد بأننا سنشهد قريباً اختراقاً في ملف السجناء السياسيين".
وشدد على أن "هناك حديثاً عن إمكان إطلاق حوار وطني وسياسي، مما أستبعده أيضاً في ظل السلطة القائمة لأن الرئيس قيس سعيد يتجاهل الآخرين، فنحن أمام سلطة ترى نفسها على حق وأن الباقين كلهم متآمرون، كما وصفهم الرئيس سعيد بنفسه".
ولم تعلق السلطات على الفور على هذا الإضراب والانتقادات الموجهة إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورقة أخيرة
وإضراب الجوع وسيلة ليست وليدة اللحظة تلجأ إليها المعارضة التونسية، إذ سبق أن دخل ستة قياديين من "جبهة الخلاص الوطني" موقوفون على ذمة قضية "التآمر على أمن الدولة" في فبراير (شباط) 2024، في إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم قبل أن يعلقوه، ودخل معهم في ذلك الوقت راشد الغنوشي في إضراب جوع هو الآخر.
وقال الباحث السياسي التونسي محمد صالح العبيدي إن "الإضراب عن الطعام هو بمثابة الورقة الأخيرة التي يلعبها المعارضون عندما يشعرون بأن عملية حبسهم قد طالت من دون محاكمة، لكن لا أعتقد بأن هذا الإضراب سيثمر أية نتائج".
وتابع العبيدي في تصريح خاص أن "كثيراً من المعارضين دخلوا في إضراب جوع في السابق ولجأوا في النهاية إلى تعليقه من دون أن يتم الإفراج عنهم، أو حتى التسريع بمحاكمتهم".
وشدد على أن "ملف هؤلاء معقد وشائك بالنظر إلى اختلاف التهم، فموسي مثلاً أوقفت بتهمة محاولة اقتحام مكتب الضبط التابع للقصر الرئاسي، والغنوشي والعريض في ملف التسفير ونعت الأمنيين بالطواغيت، لذلك هو ملف شائك لا أعتقد بأن السلطات قد تقوم بحسمه دفعة واحدة".
لا تهدئة
وسادت أخيراً تكهنات في تونس حول إمكان إطلاق حوار وطني سياسي وتهدئة بين السلطة والمعارضة، خصوصاً بعد حديث رئيس الجمهورية عن "الوحدة الوطنية"، في وقت تشهد المنطقة تطورات متسارعة في أعقاب سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وقال العبيدي إنه "من المستبعد أن يتم إطلاق حوار سياسي في الوقت الراهن، في ظل استمرار التجاذبات بين الرئيس سعيد والمعارضة، فالحوار يتطلب تهدئة بين الطرفين".
وأضاف أنه "في اعتقادي لا يمكن أن تحصل هذه التهدئة في الوقت الراهن لأن كل طرف متمترس خلف موقفه برفض الآخر، لذلك يبقى الترقب سيد الموقف لمآلات الأزمة السياسية التي تعرفها تونس".
ووسط تحذيرات من استمرار التنافر بين السلطة والمعارضة في تونس، من غير الواضح ما إذا سيبادر أحد الطرفين إلى مهادنة الآخر وإنهاء التصعيد المتبادل.