ملخص
يبدو من حديث بعض السجانين والمسؤولين وما يحمله من لهجة انتقامية أن القيود المفروضة على هؤلاء الأسرى من غزة ولبنان لم يسبق أن فرضت على أسرى، حيث قال أحد السجانين "بعد مشاهد السابع من أكتوبر وما فعله هؤلاء، عليهم أن يذوقوا مرارة وقوعهم أسرى بيد إسرائيل".
أمل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اليوم الأربعاء في أن يصمد وقف إطلاق النار في غزة، معتبراً أن "مسؤولية الحفاظ عليه تقع على عاتقنا جميعاً في المنطقة".
ولا يزال التخوف من احتمال فشل صفقة الأسرى يسيطر على الأجواء الإسرائيلية والفلسطينية في أعقاب ما كشف من عرقلة إسرائيلية لتحرير أول 90 أسيرة وأسيراً فلسطينياً حتى ساعات بعد منتصف ليل الإثنين.
وبينما اتهم الصليب الأحمر إسرائيل بعرقلتها الإفراج عن الأسرى الذين انتظروا أكثر من 15 ساعة في معتقل عوفر لحظة صعودهم إلى حافلات المنظمة الدولية لنقلهم إلى الضفة والقدس، كُشف أن السلطات الإسرائيلية تواصل وضع العقبات أمام تحرير الأسرى. وبحسب مسؤول فلسطيني فقد حاولت تل أبيب منع الإفراج عن أكثر من أسيرة بذريعة أن أسماءهن لم ترد في القائمة.
اليوم، وحيث يترقب الجميع السبت المقبل، لتحرير أربع مجندات إسرائيليات مقابل أسرى بينهم من يقضون عشرات السنوات والمؤبدات، عادت إسرائيل لتناقش تداعيات الإفراج عن أسرى تدرجهم بين الخطرين، سواء من سيُنفون إلى الخارج أو من سيتوجه إلى مسقط رأسه في الأراضي الفلسطينية.
وكشف رئيس هيئة الأسرى والمحررين، قدورة فارس في حديث مع "اندبندنت عربية"، أنه أُلغي الإفراج عن أسرى في اللحظات الأخيرة واستبدالهم بأسماء أسرى آخرين، وأن السلطات الإسرائيلية تستخدم وسيلة التلكؤ وتضع العقبة.
وفيما لم يتضح بعد ما إذا كانت صفقة الأسرى ستنتهي في مراحلها المقبلة بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين الذين يقضون مؤبدات وسنوات طويلة في السجن، قال قدورة فارس إن إفراج السبت المقبل سيشمل أيضاً محكومين بالمؤبدات وعشرات السنوات، بعضهم سيعود إلى الضفة وغزة والبعض الآخر، الذين اتفق على نفيهم، سيتوجهون مباشرة إلى مصر وهناك سيبحث مصيرهم وإلى أي دولة سيتوجهون، بعد أن رفضت الدول التي تم التنسيق معها سابقاً استقبالهم.
إسرائيل من جهتها عادت وأصرت على مواصلة فرض الـ"فيتو" على أسرى معينين كما أنها سترفض الإفراج عن أسرى النخبة لدى "حماس"، الذين اعتقلوا خلال حرب "طوفان الأقصى"، وأبرز هؤلاء هم الذين يقعبون في القسم الخاص الذي أصدر وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير، أمراً بإقامته تحت الأرض في سجن نيتسان وأطلق عليه اسم "ركيفت"، ويضم 70 أسيراً ممن شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وبعضهم اعتقلوا خلال الحرب، وكذلك أسرى "حزب الله"، الذين اعتقلوا خلال العملية البرية في جنوب لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هؤلاء يشكلون بالنسبة إلى إسرائيل أكثر المعتقلين خطورة خلال حرب "طوفان الأقصى"، تحديداً من تُوجه إليهم تهمة المشاركة في أحداث السابع من أكتوبر والهجوم على المستوطنات الإسرائيلية. وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي رفض تل أبيب الإفراج عن أسرى نخبة "حماس" فيما التزم الجيش وجميع الهيئات ذات الشأن الصمت حول أي معلومة متعلقة بأسرى "حزب الله".
على مدار أشهر طويلة بذلت جهود حثيثة للقاء أسرى "النخبة" وتدرجهم إسرائيل في قائمة "الأسرى الخطرين" وهم أسرى "الرضوان"، ويُحتجزون وفق قانون "المقاتلون غير القانونيين"، الذي يبقي المعتقل قيد السجن من دون محاكمة، وهؤلاء توجه إليهم تهمة المشاركة في النشاطات العدائية ضد إسرائيل.
القانون يسمح بحرمان المعتقلين من حق الالتقاء مع محام لفترة طويلة تصل حتى 45 يوماً، وفي بعض الحالات 75 يوماً، وينص القانون على إحضارهم للمثول أمام قاض فقط بعد 45 يوماً على الاعتقال. وتشير معطيات جمعيات حقوق الإنسان إلى أن 500 من بين الـ3400 غزي المعتقلين في إسرائيل حتى الآن لم يلتقوا محامياً.
ظروف خطرة
ورغم أن أكثر من تقرير لجهات قانونية وناشطة في حقوق الأنسان أكد أن الغالبية العظمى من الأسرى الفلسطينيين يعيشون في ظروف خطرة وقاسية سواء من حكم عليه بالمؤبدات أو بعشرات السنوات أو حتى النساء والأطفال، فإن ما يجري في القسم الجديد "ركيفت"، الذي أمر بن غفير بإقامته، يفوق كل أصناف التعذيب الجسدي والنفسي والتنكيل بالأسرى سواء نخبة "حماس" أو "الرضوان".
في هذا السجن تحت الأرض، لا نافذة ولا أسرة كافية لجميع الأسرى ولا حتى الكمية الكافية من الطعام، إلى جانب إبقائهم ساعات طويلة بذات الحركة مثل الأيدي خلف الرأس أو الركوع على الأرض وغيرها من أصناف تعذيب كشفتها الصور التي التقطت من عدسات كاميرات القنوات الإسرائيلية التي سمح لها بن غفير بإجراء جولة داخل المعتقل ليعلن من هناك أن "ما ترونه هو ما يستحقه هؤلاء. هذا مكانهم الطبيعي تحت الأرض".
ويبدو من حديث بعض السجانين والمسؤولين وما يحمله من لهجة انتقامية أن القيود المفروضة على هؤلاء الأسرى من غزة ولبنان لم يسبق أن فرضت على أسرى، حيث قال أحد السجانين "بعد مشاهد السابع من أكتوبر وما فعله هؤلاء، عليهم أن يذوقوا مرارة وقوعهم أسرى بيد إسرائيل".
الكشف عن مكان أسرى "حزب الله" ونخبة "حماس"، لم يكن من سبيل المصادفة إنما بعد التماسات إلى المحكمة العليا تطالب بتحسين ظروفهم ومنحهم مستحقاتهم كأسرى حرب، إلى جانب الترويج لوضعية هؤلاء الأسرى بالتزامن مع التوصل إلى اتفاق صفقة ليؤكد بن غفير، كما فعل لاحقاً، أن الصفقة لن تشملهم.
صفة أخرى لهؤلاء الأسرى هو عدم محاكمتهم، ويرى رجال قانون مطلعون على وضعهم القانوني أنه من الممكن أن تتحايل إسرائيل لتمنع الإفراج عنهم ضمن الصفقة إذا ما أصرت "حماس" على المطالبة بهم، خصوصاً الأسرى تحت الأرض من غزة ولبنان الذين تتكتم السلطات الإسرائيلية على عددهم وأسمائهم.
تعذيب على مدار اليوم
وبينما بدأت إسرائيل تجهيز الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم السبت، مقابل الإفراج عن مجندات إسرائيليات، وهم من الأسرى الذين يقضون عشرات السنوات أو مؤبدات كشفت إفادات أسرى فلسطينيين تم اعتقالهم خلال الحرب وهم محتجزون في منشآت تابعة للجيش عن تعرضهم لشتى أنواع التعذيب والتنكيل، وهؤلاء تشمل الصفقة الحالية بعضهم ممن اعتقلتهم إسرائيل في الأشهر الأولى من الحرب وتبين أنهم لم يشاركوا في أحداث السابع من أكتوبر لكنها أبقتهم محتجزين لاستخدامهم ورقة مساومة في هذه الصفقة، وسيُفرج عن أكثر من ألف أسير منهم.
وكشف معتقلون يقبعون في منشأة "عناتوت" التي أقيمت خلال الحرب بالقرب من سجن عوفر عن بقائهم طوال الوقت مكبلي الأيدي ومعصوبي العيون ويمنعون من الاستحمام وفي أفضل حال مرة واحدة في الأسبوع. وجاء في شهادة أحدهم، التي أدرجت في الالتماس الذي قدم إلى المحكمة العليا من قبل مؤسسات وجمعيات ناشطة في حقوق الإنسان، بينها جمعية حقوق المواطن، لإلزام الجيش ومصلحة السجون بالتعامل الإنساني مع معتقلي الحرب وتقديم الطعام لهم، أن التعذيب لا يتوقف على مدار اليوم.
قال أحد الأسرى، "عندما يأخذوننا للاستجواب، يضربوننا في الطريق حيث نتنقل من مكان إلى آخر. يأتي إلينا ضابط ويشتمنا ويبصق علينا ولا يسمح لنا بالنطق بكلمة واحدة هذا عدا إجبارنا على البقاء لفترة طويلة بذات الحركة بينها رفع قدم واحد أو تركيعنا وحتى في الليل يوقظوننا ويأمروننا بالوقوف من دون أية حركة لفترة طويلة".
وقال آخر، "منذ وصولي إلى هنا، عيناي معصوبتان ويداي مكبلتان حتى عند الذهاب إلى الحمام. إنني أجلس كل الوقت في حظيرة مع 50 معتقلاً آخر".