ملخص
بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 18 يناير، أقر مسؤولو بايدن بأن تهديدات ترمب ومشاركة ويتكوف خلال الأسبوع الأخير من المفاوضات لعبت دوراً حاسماً في إنجاز الاتفاق الذي سعوا إليه منذ أكثر من عام.
قبل أيام قليلة كان ستيف ويتكوف رجلاً غامضاً في الأوساط السياسية واليوم يتصدر العناوين باعتباره مبعوث الظل ورجل ترمب الشرس في الشرق الأوسط، فبينما كان بنيامين نتنياهو يتلاعب بإدارة جو بايدن ويعقّد مفاوضات اتفاق غزة، أرسل ترمب ويتكوف إلى إسرائيل في يوم السبت 11 يناير (كانون الثاني) ليوصل رسالة مباشرة وصارمة إلى نتنياهو: "أوقف الحرب أو سنحزم حقائبنا ونرحل".
نادراً ما عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعات رسمية في يوم الراحة اليهودي، إلا أن نتنياهو لم يؤجل لقاء ويتكوف، بل كان متوجسّاً من نوايا ترمب الذي هدد بـ"الجحيم" إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن. فهم نتنياهو بأن الرسالة موجهة إليه كما هي إلى "حماس"، وفقاً لما نقله الباحث الأميركي ديفيد ماكوفسكي عن مسؤول عمل عن كثب مع رئيس الوزراء. وبعد ذلك بأيام وُلد اتفاق غزة الذي طال انتظاره.
من هو ويتكوف؟
ويتكوف (67 سنة) ليس اسماً مجهولاً في تجارة العقارات في أميركا. ولد في مدنية برونكس في نيويورك، وأسس منها إمبراطورية عقارية امتدت إلى ميامي ولوس أنجليس ولاس فيغاس. حصل ابن صانع معاطف السيدات على درجتي البكالوريوس والدكتوراه في القانون من جامعة هوفسترا. ويقول عنه سمسار العقارات المخضرم بوب كناكال "ويتكوف يحسن رؤية الأشياء التي لا يراها الآخرون".
لكن عندما كلف ترمب صديقه الملياردير بالسفر إلى إسرائيل، لم يكن المسؤولون الإسرائيليون على دراية كبيرة بشخصيته، على رغم صلاته العميقة بالمجتمع اليهودي الأميركي. والأرجح أن البعض استهان بقدرته على إحداث تغيير ملموس في الموقف الإسرائيلي. وأشار مسؤول إسرائيلي سابق إلى خبرته الدبلوماسية المتواضعة قائلاً إنه "مجرد رجل أرسله ترمب". لكن وبحلول الوقت الذي انتهى فيه اجتماع تاجر العقارات مع نتنياهو، قال المسؤول السابق، مستخدماً لقب نتنياهو، "لم يكن أمام بيبي خيار سوى أن يسارع بالموافقة على شروط وقف إطلاق النار. وفي اليوم نفسه كتب ترمب متباهياً بأنه حقق في يوم ما لم يحققه بايدن طوال أكثر من عام وأن القادة العرب أقروا بقدرته على الضغط وإقناع نتنياهو.
الصورة من الكواليس
بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 18 يناير، أقر مسؤولو بايدن بأن تهديدات ترمب ومشاركة ويتكوف خلال الأسبوع الأخير من المفاوضات لعبت دوراً حاسماً في إنجاز الاتفاق الذي سعوا إليه منذ أكثر من عام.
يقول المحامي جون ميكانيك إن ترمب يثق في ويتكوف كصانع صفقات ومفاوض يحاول إيجاد أسباب لإقناع الأشخاص الذين يختلف معهم بحل مرضٍ للطرفين
وانطوى في هذا الإنجاز تعاون دبلوماسي لافت بين المبعوث الأميركي الجديد للشرق الأوسط ويتكوف وبريت ماكغورك الذي شغل المنصب في إدارة بايدن، فبينما كان يشرف ماكغورك على المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة يوم 11 يناير، سافر ويتكوف إلى إسرائيل للضغط على مسؤوليها. وفيما يتعارض هذا التعاون مع العداء العلني بين بايدن وترمب إلا أنه يظهر إلى أي مدى يمكن أن يسفر التفاهم بين الجمهوريين والديمقراطيين عن نتائج مثمرة، وهو ما عبر عنه المسؤول الأميركي بقوله إن هذا التعاون "لا مثيل له على مستوى التاريخ"، ووصل إلى حد تقاسم المهام بين فريقي بايدن وترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألقت "وول ستريت جورنال" الضوء على جهود ويتكوف، وقالت إنه أبلغ نتنياهو بضرورة منح المفاوضين الإسرائيليين سلطة اتخاذ القرار وحسمه، مشيراً إلى أنه "إذا كان نتنياهو لا يريد العمل بهذه الطريقة، فعلى الجميع حزم الحقائب والرحيل". كما أوضح لنتنياهو أن الأمر متروك له إذا اختار وقف إطلاق النار وبدء علاقة إيجابية مع ترمب، أو الرفض وإغضاب الرئيس. وقال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن الصفقة لا تزال هشة، لكن كان الاختراق الرئيسي الذي ساعد ويتكوف في تحقيقه هو تخفيف مخاوف "حماس" من احتمال أن يستأنف الجيش الإسرائيلي القتال بعد إطلاق سراح الرهائن في المرحلة الأولى.
رفيق الغولف ومحاولة الاغتيال
كان قطبا العقارات في نيويورك صديقين مقربين منذ أوائل التسعينيات، وعندما كان ترمب يكافح الإفلاس في كازينوهات أتلانتيك سيتي، كان ويتكوف يستحوذ على مباني الشركات المتعثرة في مانهاتن. وبدأت صداقتهما في أحد مطاعم نيويورك في عام 1986 بعد أن عملا معاً على صفقة، ويستذكر ويتكوف اللقاء قائلاً "لم يكن ترمب يحمل نقوداً، فطلبت له لحم خنزير وجبناً سويسرياً"، وبعد نحو 7 سنوات التقيا وتذكر ترمب "حادثة الساندويتش" وظلا صديقين منذ ذلك الحين.
قدم رجل الأعمال المشورة لترمب بشأن ضرائبه عندما كان رئيساً، وكان أول شاهد يستدعيه محامو ترمب في قضية الاحتيال التي رفعها المدعي العام في نيويورك في مانهاتن في نوفمبر (تشرين الثاني) والتي بلغت قيمتها 250 مليون دولار.
وأثناء محاولة اغتيال ترمب في ملعب الغولف في ميامي في سبتمبر (أيلول)، كان ويتكوف أحد مرافقيه. ومثل جيسون غرينبلات الذي شغل منصب المبعوث إلى الشرق الأوسط في عهد ترمب، لا يملك ويتكوف خبرة دبلوماسية بالمنطقة، ويشبه في ذلك أيضاً جاريد كوشنر الذي لعب دوراً بارزاً في التوسط لاتفاقات أبراهام.
يقول المحامي جون ميكانيك الذي مثل ويتكوف في صفقات عديدة إن "الرئيس المنتخب يثق فيه كصانع صفقات ومفاوض" يحاول إيجاد أسباب لإقناع الأشخاص الذين يختلف معهم بحل مرضٍ للطرفين. ووصفه بأنه "شخص دمث"، ويملك بعض صفات رجل المبيعات نفسها التي يتمتع بها ترمب".
ويضيف، "إنه رجل عقارات مبدع للغاية، يحسن إدارة المعاملات التجارية ويجد الفرصة ويصلح ما هو مكسور، ثم يخلق القيمة. يبيعها وينتقل إلى الشيء التالي بدلاً من الاحتفاظ بها لمدة 50 عاماً". وهذا على النقيض من ترمب، الذي يفضل الاحتفاظ بممتلكاته لعقود، بما فيها الأبراج التي تحمل اسمه.
يحب أفلام العراب
قبل الاستثمار في العقار، عمل ويتكوف في شركة المحاماة العقارية في نيويورك "دراير أند تراوب"، التي كان ترمب أحد عملائها. ويستذكر عمله مع أباطرة العقارات الذين تعاقدوا مع الشركة: "كنت أمثل هؤلاء الرجال المتهورين كل يوم"، معبراً عن إعجابه بهم، "كنت أعتبرهم مثل نجوم موسيقى الروك". وتحدث عن هذه المرحلة من حياته في مقابلة عام 2017 قائلاً إنه كان يرتدي "ياقات مهترئة" و"بدلات مو جينسبيرغ"، في إشارة إلى متجر قديم للملابس الرجالية المخفضة في مانهاتن.
أسس ويتكوف وشريكه لورانس غلوك في عام 1985 شركة "ستيلار مانجمنت" في خضم ازدهار وول ستريت وسوق العقارات في نيويورك. واشتريا شققاً سكنية في نيويورك تكلف بضع مئات الآلاف من الدولارات في هارلم وواشنطن هايتس وبرونكس. ثم أسس مجموعة ويتكوف في عام 1997، وبدأ بالاستثمار في العقارات الفاخرة والشهيرة.
وفي 1998 خصصت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريراً عنه، وصوّرته "كمضارب مفرط في التوسع، يحب أفلام العراب ويحمل مسدساً مرخصاً أسفل قدمه".
وعلى رغم أن ترمب وويتكوف لم يشتركا في أي صفقات عقارية، إلا أنهما يستثمران في منصة World Liberty Financial للعملات المشفرة التي يستفيد ترمب من 75 في المئة من عائداتها في حين يحصل ويتكوف على نسبة 12.5 في المئة. ومنذ إطلاق المنصة في أكتوبر، باعت المنصة ما قيمته 20 مليون دولار فقط من العملات، من أصل 300 مليون دولار تستهدفها المنصة.
توطيد علاقة ترمب مع اليهود
قبل تكليفه بالمنصب الجديد، لعب ويتكوف دوراً سياسياً في الظل لدعم حملة ترمب وتعضيد علاقتها مع مجتمع الأعمال اليهودي. وكان تأثير هذه الجهود بالغاً بعد هجوم 7 أكتوبر. وبعدما أوقف الرئيس جون بايدن إمداد إسرائيل ببعض شحنات الأسلحة. ولطالما امتعض ترمب من عدم تصويت اليهود له على رغم أنه داعم صلب لإسرائيل.
وقال في حديث مع صحيفة The Bulwark في مايو الماضي إنه استطاع تأمين تبرعات كبرى مكونة من ستة وسبعة أرقام لحملة ترمب من متبرعين يهود، واصفاً ذلك بـ"التحول الملحوظ".
وقدم الملياردير الأميركي تبرعات سخية بلغت أكثر من مليوني دولار لمجموعات العمل السياسي التابعة لترمب، ولكنه تبرع أيضاً بمبلغ كبير لمنافسه في انتخابات الحزب الجمهوري رون دي سانتيس وأقام حملة لجمع التبرعات له في منزله في ميامي في عام 2021 عندما كان حاكم فلوريدا يستعد لمعركة أولية ضد ترمب، وفق مجلة "بوليتيكو".