ملخص
جرت خلال الفترة الماضية لقاءات كردية مهمة بدأت بزيارة مبعوث رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود بارزاني إلى شمال شرقي سوريا ولقائه مظلوم عبدي، الذي التقى بعدها البارزاني في أربيل في خطوة من شأنها توحيد الأطراف الكردية في سوريا للتعامل مع المستجدات الأخيرة وحجز مكان للكرد في البلاد بعد عقود من الإنكار.
ملفات كردية شائكة كانت وراء عقد اللقاء الأول من نوعه بين الرجلين، إذ زار القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الخميس الماضي في مصيف صلاح الدين قرب أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، برفقة وفد عسكري من "قسد"، إلى جانب مسؤولين في الإقليم بينهم عبدالحميد دربندي مسؤول ملف سوريا في ديوان الزعيم الكردي، الذي كان في زيارة لعبدي الأسبوع الماضي وحمل إليه دعوة الزيارة إلى بارزاني.
ويأتي لقاء بارزاني وعبدي في سياق بحث الأوضاع في سوريا وآخر التطورات الأمنية والسياسية فيها، وكذلك جرى بحث الإطار العام لتعامل الأطراف الكردية مع الأوضاع المستجدة، وسبل اتخاذ موقف مشترك بين الأطراف الكردية في سوريا وفق بيان لمقر بارزاني.
كما جاء في البيان أيضاً أن اللقاء شهد التأكيد على حق الأطراف الكردية في سوريا بأن تقرر مصيرها من دون تدخل أية جهة وبالطرق السلمية، وأن تمضي بغية ضمان حقوقها عبر توحيد صفوفها والانطلاق من موقف مشترك للتوصل إلى تفاهمات واتفاقات مع السلطات الجديدة في سوريا، وأن تكون الأطراف الكردية "عامل سلام واستقرار، وأن تعمل على منع تكرار المآسي التي تعرض لها الشعب الكردي والمكونات الأخرى في سوريا".
من جهته أكد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية على ما جاء في بيان بارزاني، معرباً عن سعادته باللقاء به، في حين شدد على أن وحدة الموقف الكردي وأمان المنطقة "مسؤوليتنا جميعاً وسنكون متعاونين مع بعض".
ملفات كردية شائكة
وتتصدر قائمة الأسباب التي دفعت إلى حدوث اللقاء بين بارزاني وعبدي وجود عدد من الملفات الشائكة الخلافية بين الأطراف الكردية في سوريا وعدم الوصول حتى الآن إلى اتفاق سياسي تجاه مشاركة المجلس الوطني الكردي المقرب من بارزاني في الإدارة الذاتية، وعدم استقرار المنطقة جراء الهجمات التي تشن عليها من الفصائل الموالية لتركيا وبدعم الطيران التركي، ناهيك بغياب توليفة سياسية للأطراف الكردية في التعامل مع الإدارة الجديدة في دمشق.
ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد وتغيير النظام في دمشق، بدأت قنوات للاتصال والتواصل مع القيادة الجديدة في سوريا، لكن ما حصل خلال هذه الفترة القصيرة أن كثيراً من الفعاليات السياسية الكردية حاولت الاتصال بصورة منفردة مع القيادة الجديدة، "وهذا بالتأكيد سيؤثر في وحدة الهدف، وربما يتسبب في شرذمة الموقف"، بحسب كفاح محمود المستشار الإعلامي للزعيم الكردي مسعود بارزاني، الذي أضاف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الوضع الجديد دفع بالرئيس بارزاني بإرسال مبعوثه إلى مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا، حيث التقى عبدي، وكان يحمل رسالة واضحة بأن "الهدف واحد، لكنهم مختلفون في الوصول إليه برؤاهم السياسية".
فريق موحد
مستشار بارزاني أفاد بأن الزعيم الكردي يعمل على توحيد هذه القوى في وفد تفاوضي موحد بحيث يمنح الموقف الكردي في سوريا قوة التوحد في طرح القضية التي لم يعترف بها أو يتطرق إليها، لاسيما وأن الفرصة "متاحة لفتح كل هذه الملفات مع انفتاح القيادة السياسية الجديدة في سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين أهداف زيارة قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى أربيل إقناع بارزاني بالتوسط لوقف الهجمات التركية على شمال شرقي سوريا، إذ تتهم أنقرة "قسد" بتبعيتها لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها، وعليه شنت معظم عملياتها العسكرية خلال السنوات الماضية وما زالت تهاجم تحت الأسباب ذاتها، خصوصاً في منطقة سد تشرين وجسر قره قوزاق الواقعين على نهر الفرات.
يعتقد مستشار الرئيس بارزاني أن ثمة ظروفاً متاحة الآن للفصل ما بين "كردستان سوريا وكردستان تركيا" من الناحية العسكرية، إذ تطالب تركيا بألا تكون امتدادات لحزب العمال خارج تركيا، وهناك الآن محاولات جارية مدعومة من بارزاني وقيادة كردستان ستفضي إلى نوع من الاتفاق بين حزب العمال وبين الإدارة التركية، وهذا سيترك أثراً إيجابياً في ما يجري على سوريا"، موضحاً أن زيارة مبعوث بارزاني عبدالحميد دربندني ولقاء الرئيس بارزاني بمظلوم عبدي "سينتجان شيئاً إيجابياً على الساحة السورية في المستقبل القريب".
حرمة الاقتتال
"على رغم وجود خلافات بين الأحزاب الكردية في سوريا فإنها لم تصل إلى مستوى الصراعات المسلحة والاقتتال بينها، فبارزاني يحرم رفع البندقية والسلاح في الفعاليات السياسية"، بهذا التعبير يتناول محمود الخلافات السياسية التي منعت الأطراف الكردية السورية من الوصول إلى اتفاق وتوحيد الموقف على رغم التحولات السياسية والميدانية الكبيرة في البلاد، مشيراً إلى محاولات الزعيم الكردي من خلال اتفاقات سابقة برعايته بين الأطراف الكردية السورية، إذ "الهدف المشترك الذي يقرب هذه الفعاليات هو هدف واحد يرتبط مباشرة بالقضية الكردية، وإن اختلفت وسائل كل فعالية سياسية".
وختم مستشار البارزاني بقوله إن "الظروف الحالية تشكل فرصة ذهبية لإعادة ترتيب وضع البلاد، بما يخدم كل المكونات التي كانت تعاني مظلومية".
مؤتمر مرتقب
خلال زيارة المبعوث الخاص لمسعود بارزاني إلى شمال شرقي سوريا التقى دربندي بعد قيادة "قسد" بقيادة المجلس الوطني الكردي في مدينة القامشلي الذين كانوا بزيارة مسبقة في أربيل للقاء بارزاني هناك، وعقب اللقاء صرح المتحدث الرسمي باسم المجلس فيصل يوسف بأن زيارة مبعوث زعيم الإقليم كسرت الجليد بين الأطراف الكردية في سوريا، وأنهم مستعدون للاتفاق مع الأحزاب المقربة للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، لا سيما وأنهم قطعوا شوطاً كبيراً من الاتفاق على وثائق سابقة بين الكتلتين الحزبيتين، مشيراً إلى أنهم تلقوا تأكيدات من بارزاني ببذل كل الجهود للوصول إلى اتفاق في هذه المرحلة بين الأفرقاء السياسيين الكرد في سوريا من خلال توحيد رؤاهم وأهدافهم والمشاركة الفاعلة في سوريا الجديدة، على حد تعبيره.
من المرتقب أن يعقد خلال الفترة المقبلة مؤتمر موسع بين الأطراف والفعاليات الكردية في شمال شرقي سوريا من شأنه الاتفاق على رؤية سياسية مشتركة تجاه الحقوق القومية للأكراد في سوريا وشكل الدولة السورية، إضافة إلى تشكيل فرق سياسية وتقنية تتمخض عنها عقب الوصول إلى اتفاق بينها.
دور أميركي حاسم
خلال زيارة دربندي إلى القامشلي وجولته في شمال شرقي سوريا رافقه وفد أميركي يتقدمه سكوت بولز ممثل الخارجية الأميركية في شمال شرقي سوريا، كما أن التدابير اللوجستية لزيارة المبعوث الكردستاني إلى سوريا، وكذلك زيارة قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى أربيل، كانت بإجراءات أميركية، كما أن جولات الحوار السابقة وتهيئة الأجواء بين الأحزاب الكردية كان لواشنطن دور بارز فيها بتقريب وجهات النظر والضغط عليهم من أجل الوصول إلى اتفاقات مثلما جرى بادئ الأمر برعاية السفير الأميركي وليام روباك، مع جهود فرنسية تقودها بعثتها الدبلوماسية العاملة في شمال شرقي سوريا.
وأعلن مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية اليوم الإثنين ترحيب الولايات المتحدة بالاجتماع الذي جرى بين بارزاني ومظلوم عبدي في أربيل، مشدداً على أنه "يمكن للحوار الكردي الداخلي أن يلعب دوراً حاسماً في تعزيز الانتقال السياسي الشامل في سوريا".