ملخص
تعرضت طهران وموسكو لعقوبات وإدانات شديدة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الأعوام الأخيرة، إذ فرضت عقوبات على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا، وعلى إيران بسبب مخاوف حول الجهود السرية لتطوير الأسلحة النووية، فضلاً عن سلوك ميليشياتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.
من المتوقع أن توقع إيران وروسيا اتفاقية شراكة استراتيجية في الجمعة المقبل، أي قبل ثلاثة أيام من تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، إذ يواجه البلدان عزلة دولية مشددة. وتشمل هذه الاتفاقية مجموعة واسعة من مجالات التعاون الثنائي، بما في ذلك القطاعات العسكرية والدفاعية والأمنية.
وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية والروسية الرسمية، سيتم توقيع هذه الاتفاقية بين رئيسي البلدين خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى روسيا.
وقال سفير إيران لدى موسكو كاظم جلالي، عن تفاصيل هذه الاتفاقية إن "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا تتكون من ديباجة و47 مادة، وتغطي جميع جوانب العلاقات الثنائية، بما في ذلك العلاقات السياسية. وما هي وجهة نظرنا داخل هياكل السلطة، وكيف ينبغي لنا أن نتحرك إلى الأمام، وكيف لنا أن نتصرف في المحافل الدولية؟ وكذلك في مجال التعاون الاقتصادي وتنفيذ المشاريع، والتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف".
وأضاف جلالي، أن التعاون في مجال التكنولوجيا، خصوصاً التقنيات الجديدة والمعلومات والأمن السيبراني، من ضمن الاتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا، مؤكداً أن "التعاون في قطاع الطاقة النووية السلمية، وقضايا الدفاع والعسكرية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والقضايا البيئية وبحر قزوين، ومكافحة غسيل الأموال والجريمة المنظمة من الأمور الأخرى التي تضمنتها هذه الاتفاقية".
ويزعم مسؤولون في النظام الإيراني أيضاً، أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا نسخة متطورة من وثيقة التعاون العشرينية التي كان وافق عليها البرلمان الإيراني في عام 2001.
وتسمى هذه المعاهدة "قانون المعاهدة حول أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين إيران وجمهورية روسيا الاتحادية"، وقد تم توقيعها في 12 مارس (آذار) 2001 في روسيا من قبل رئيسي البلدين. وكانت مدة هذه المعاهدة في الأصل 10 أعوام، إلا أنها مددت مرتين، كل مرة خمسة أعوام.
انتقادات داخل إيران
وقد أثارت هذه الاتفاقية التي صممت كإطار للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، المخاوف والانتقادات داخل إيران في حينها ولا تزال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ تعود أسباب هذه الانتقادات والمخاوف إلى الاعتماد المفرط على روسيا وتكرار التجارب التاريخية المريرة في العلاقات معها، خصوصاً اتفاقيتي "كلستان وتركمن شاي"، إذ فقدت إيران بموجب الاتفاقيتين أراضي شاسعة لصالح روسيا. لكن مسؤولي النظام الإيراني لم يتجاهلوا الانتقادات والاحتجاجات فحسب، بل زادوا أيضاً من مستوى الاعتماد والتبعية على روسيا من خلال اقتراح وثيقة تعاون جديدة.
وثيقة الشراكة الاستراتيجية
ويعود تاريخ وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا إلى أواخر عهد الحكومة الـ12، وذلك عندما قال وزير الخارجية آنذاك محمد جواد ظريف، بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استمر عدة ساعات، إن وثيقة التعاون العشرينية بين إيران وروسيا بحاجة إلى مراجعة.
وفي عام 2021، وبعد أن تولى إبراهيم رئيسي الحكومة الـ13 بصفته رئيساً لإيران، أعطى الأولوية لإعداد المسودة الأولية لوثيقة الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا. وفي زيارته الأولى إلى روسيا في شتاء عام 2021، قدم الرئيس الراحل رئيسي مسودة الاتفاق إلى بوتين، مؤكداً لموسكو أن طهران ستظل شريكاً استراتيجياً لها.
وتم الانتهاء من هذه الوثيقة في الأعوام الثلاثة الماضية من خلال الجلسات التي عقدت بين البلدين في طهران وموسكو. أما الآن، فيخطط الرئيس الإيراني ونظيره الروسي للتوقيع عليها في الكرملين قبل ثلاثة أيام من تنصيب ترمب رئيساً للولايات المتحدة، مما يرفع مستوى العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران.
"محور الفوضى"
وفي تقرير لمجلة "نيوزويك" نُشر في وقت سابق، ذكرت المجلة أن "توقيع هذه الاتفاقية الاستراتيجية يعكس جهود البلدين في الجمع بين قدراتهما في مواجهة العزلة العالمية المتزايدة".
وبحسب هذا التقرير، يعد بعض المحللين والسياسيين الأميركيين النظام الإيراني وروسيا "محور الفوضى"، الذي يقدم نفسه خصماً للقوى الغربية من خلال التعاون المتزايد مع دول مثل الصين وكوريا الشمالية.
وفي هذا السياق، تعرضت طهران وموسكو لعقوبات وإدانات شديدة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الأعوام الأخيرة، حيث فرضت عقوبات على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، وعلى إيران بسبب مخاوف حول الجهود السرية لتطوير الأسلحة النووية، فضلاً عن سلوك ميليشياتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.
وإضافة إلى ذلك، تُتهم إيران بتقديم الدعم العسكري لروسيا في الحرب بأوكرانيا، إلا أن المسؤولين في طهران نفوا إرسال أي معدات عسكرية أو أسلحة إلى روسيا. وفي أحدث تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول اتفاقية التعاون الجديدة بين إيران وروسيا، قال صراحة، إن "هذه الاتفاقية ستضفي الطابع الرسمي على التزامات الجانبين بالتعاون الوثيق في المجالات الدفاعية".
هذا، وقد سبق أن تعاونت روسيا وإيران في المجالات الاقتصادية وحاولتا التحايل والالتفاف على العقوبات الدولية. لكن الآن، ووفقاً لوثيقة الشراكة الاستراتيجية، تعتزم روسيا وإيران تعزيز التعاون الأمني والدفاعي والعسكري بصورة علنية. ويأتي هذا التعاون رغم أن البلدين يواجهان عزلة بسبب العقوبات الدولية الشديدة، إذ تخوض روسيا حرباً مع أوكرانيا، بينما يظل شبح الحرب يخيم على النظام الإيراني.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"