Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلطة "السوشيال ميديا" تتحدى أباطرة السيارات في مصر

مؤسس الحملة لـ"إندبندنت عربية": لن نصمت حتى ينتهي "جشع" التجار... ووكلاء يختلفون حول مدى تأثيرها... ومواطنون ينتظرون انتهاء المعركة لصالحهم

سيارات مصفوفة في ميناء بالصين (رويترز)

منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) تحدث زخما في مصر، يتجاوز معه تأثيرها النواحي السياسية والاقتصادية وحتى القضايا الاجتماعية.

وخلال السنوات الأخيرة، وبعد أن كانت مواقع التواصل أحد أكبر المحفزات لتحريك المواطنين في الشوارع والميادين بدءًا من ظهور صفحة على "فيسبوك" باسم "كلنا خالد سعيد" للخروج في مظاهرات ضد حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك توافق الـ25 من كانون الثاني/ يناير 2011، لاتزال المواقع ذاتها تحدث تأثيرًا بين الحين والآخر في قضايا بعينها، كان أحدثها حملة #خليها_تصدي، التى تستهدف خفض أسعار السيارات في السوق المصرية.

ولاقت حملة #خليها_تصدي رواجا بين رواد مواقع التواصل، الأمر الذي أحدث جدلا بين مطلقي الحملة، ومروجيها من جهة، ووكلاء وموزعي السيارات من جهة أخري، بعد أن أثرت على حركة البيع والشراء وشملت حتى السيارات المستعملة. إذ يقول المدافعون عنها إنها استهدفت مواجهة "جشع التجار" بالأساس، فيما يصر منتقدوها على أنها حملة "بلا أهداف" أوجدت اضطرابا في السوق المصرية "دون أي طائل".

بداية #خليها_تصدي

يروي محمد راضي، كيف فكر للمرة الأولى، أن يخلق حالة في المجتمع المصري لمواجهة "جشع تجار ووكلاء السيارات" منذ أكثر من 3 سنوات، حتي لاقت فكرته رواجا داخل المجتمع المصري.

راضي، مؤسس الحملة، والذي يعمل فى قطاع السياحة، يقول إن "فكرة الحملة قديمة متجددة، بدأت في أيلول/ سبتمبر من عام 2015"، مضيفاً: "مع الارتفاع الكبير في أسعار السيارات في ذلك الوقت، فكرت في إطلاق حملة لمواجهة هذه الموجة غير المسوغة في ارتفاع الأسعار، لكن حينها، لم أكمل الحملة، مراعاةً للظروف الاقتصادية التي تواجهها البلاد، والتى تمثلت في ارتفاع سعر الدولار ونقص العملة الأجنبية، فضلا عن مواجهة الاقتصاد لتحديات أخرى، إثر عدم الاستقرار".

يضيف راضي، "في عام 2016، جددت إطلاق الحملة، وسرعان ما آثرت التراجع مراعاة للظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر، حيث أقرت الحكومة المصرية في أواخر العام ذاته خطة الإصلاح والتى تمثلت في تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ولاسيما الدولار، وبدء رفع الدعم تدريجيًا عن قطاعات النفط والخدمات".

ومنذ عام 2011 عانى الاقتصاد المصري من مشكلات جوهرية نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني. وبعد 5 سنوات اتخذت الحكومة المصرية إجراءات تقشف صارمة بهدف إعادة الاقتصاد للمسار الصحيح وتخفيف عجز الموازنة بما في ذلك خفض الدعم على المحروقات والطاقة. ونفذت مصر الإصلاحات الاقتصادية ارتباطًا باتفاق قرض بقيمة 12 مليار دولار لأجل ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي وقعته في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

ووفق راضي، "بعد أكثر من عامين من الاصلاحات الاقتصادية واستقرار الأوضاع، قررت مواجهة جشع التجار، والارتفاع غير المسوغ في أسعار السيارات بإطلاق الحملة، وهو ما لاقى رواجا بين رواد السوشيال ميديا، وأحدث تأثيرا واسعا على حركة البيع والشراء".

تأثير الحملة على سوق السيارات

ويرى منتقدو الحملة -من وكلاء السيارات وأعضاء شعبة السيارات في غرف التجارة المصرية- أن الاضطراب الحادث في السوق، نتيجة بدء تطبيق "صفر جمارك" على السيارات الأوروبية وفقا لاتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي وقعت في عام 2001، ورفعُ الجمارك كليا عن هذه السيارات بدءا من الأول من كانون الثاني/يناير 2019. لكن مؤسس الحملة يؤكد حدوث تأثير واسع للحملة، على "محتكري" أسواق السيارات في مصر.

والأربعاء الماضي، أعلنت شعبة السيارات بغرفة القاهرة التجارية، بعد اجتماع طارئ، أن سوق السيارات تمر بحالة تخبط في الفترة الأخيرة.

 الشعبة أوضحت في بيان لها، إنه "منذ الإعلان المبكر في شهر أكتوبر من العام الماضى عن تخفيض ما تبقى من الرسوم الجمركية طبقًا لاتفاقية الشراكة الأوروبية، تسبب الأمر في تراجع كبير  في مبيعات السيارات وصل إلى حد الركود انتظارًا لهذا التخفيض". وأعلنت التزام ما لا يقل عن 90 في المائة من الوكلاء بتخفيض الأسعار وفقا لمبدأ "صفر جمارك".

وفي عام 2001، وقعت مصر والاتحـاد الأوروبى، ببروكسل اتفاقية لإقامة منطقة تجارة حرة في مدة أقصاها 12 عاما من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ (تحرير تدريجي) بينما يمتد تحرير الواردات المصرية من السلع الصناعية ذات المنشأ الأوروبى إلى 16 عاما.

من جانبه، يقلل علاء السبع، عضو الشعبة العامة للسيارات باتحاد الغرف التجارية، من تأثير الحملة، ويـُـرجع الأمر إلى الفترة الانتقالية التي تمر بها سوق السيارات مع تطبيق "صفر جمارك" على السيارات الأوروبية. ويشير إلى تركيز تأثير الحملة على العوامل النفسية لدى "متوسطي ومنخفضي الدخل في مصر".

السبع، أوضح، أن "الحملة بلا أهداف"، منتقدا ترديد مروجيها "ادعاءات ومزاعم وأرقام خاطئة لإثارة البلبلة في سوق السيارات المصرية، أحد القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري". ووفق السبع، فإن "مصر تنتهج اقتصاد السوق الحر، ومن ثم لا يجدي نفعا التدخل في تحديد الأسعار سواء من قبل المستهلك أو الدولة، وأن الأمر فقط يعتمد على آليات السوق؛ العرض والطلب".

ووفق سبع، فإن مسؤول جمارك الإسكندرية (شمال مصر) أعلن في آخر تصريحاته، قبل أيام، أن ميناء الإسكندرية استقبل 49 ألف سيارة مستوردة في المدة ما بين تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وكانون الثاني/ يناير 2019، وتم التخليص الجمركي لأكثر من 45 ألف منها، فيما لا يزال أكثر من 3 آلاف سيارة متبقية في الميناء"، في إشارة لمحدودية تأثير الحملة. موضحا أن أسعار التخفيض فى السيارات الأوروبية بعد تطبيق "صفر جمارك" هى ما بين 35 ألف جنيه (ما يقارب ألفي دولار أميركي)  و45 ألف جنيه مصري (ما يقرب من 2500 دولار) وفقا لسعة المحرك اللترية.

وتابع السبع، هناك مشكلة جوهرية في حملة #خليها_ تصدي، تتمثل في أنها "تقارن بين السعر الأصلي للسيارة في بلد المنشأ وسعرها النهائي للمستهلك، دون النظر إلى تكاليف العمالة والشحن والتفريغ والدعاية ومراكز الخدمات والضمان وغيرها من المصاريف الضرورية، التى يتحملها أصحاب التوكيلات".

وتوقع، نور الدين درويش، نائب رئيس الشعبة العامة لتجارة السيارات، بدوره استقرار سوق السيارات في مصر منتصف شهر شباط/فبراير، نافيا ربط الاضطراب في سوق السيارات بحملة #خليها_تصدي.

درويش، أوضح، أن حالة الركود الحالية التى تشهدها سوق السيارات، نشأ بالتزامن مع تطبيق "صفر جمارك" على السيارات الأوروبية، مدللا على ذلك بأن السوق لم تشهد أى اضطراب في أيلول/سبتمبر 2018، أي قبل شهر من الإعلان عن تطبيق صفر جمارك على السيارات الأورويبة. ووفق درويش، فإن الحملة استغلت "بصورة متربصة" هذه الفترة من التخبط، متهما ما سماهم "المتربصين" بالدولة من داخلها وخارجها، دون تسميتهم.

من جانبه، يرجع أسامة مرقس، مدير عام جمارك سيارات القاهرة سابقا، الأزمة إلى إصرار أصحاب توكيلات السيارات على تحقيق أرباح مرتفعة، موضحا توقف حركة البيع والشراء، التي شملت أيضا سوق السيارات المستعملة، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

هل يتأثر الاقتصاد المصري مع ركود سوق السيارات؟

بينما ينفي مؤيدو الحملة حدوث أي تأثير على الاقتصاد المصري جراء حملتهم، معتبرين أن الهدف هو تصحيح "الارتفاع غير المبرر فى الأسعار"، يحذر آخرون من التأثير الواسع لها على الاقتصاد، مرجعين الأمر إلى المساهمة الكبيرة التى يستحوذها حركة البيع والشراء في سوق السيارات في مصر، بأكثر من 130 ألف سيارة في العام.

ووفق نائب رئيس الشعبة العامة لتجارة السيارات، فإن توقف سوق السيارات في مصر يؤثر على مجمل حركة الاقتصاد المصري، نظرا لما يسهم فيه من دفع مليارات الجنيهات المصرية للضرائب والجمارك، وهو ما يتفق معه، علاء السبع، قائلاً، "لم يدفع أصحاب التوكيلات في مصر، منذ الأول من يناير أي ضرائب، نظرا لعدم تحقيقهم أي ربح"، محذرا من "تمدد الحملة إلى قطاعات أخرى، ومخاطر ذلك على الاقتصاد المصري".

في المقابل، يؤكد محمد راضي، مؤسس الحملة، نيته عدم الرجوع عن الحملة حتى تحقيق أهدافها كاملة، وخفض الأسعار بنسب تروق للمواطن، موضحا أن هناك ضغوطا مجتمعية لتكرار الحملة في سلع أخرى، لمواجهة غلاء الأسعار و"جشع" التجار. من جانبه، يأمل، الاقتصادي، أسامة مرقس، في حل قريب للمشكلة بتدخل المسؤولين يقضي بتحقيق نسبة ربح عادلة للوكلاء ويعود بالنفع للمستهلك النهائي.

المواطن يبحث عن منفعته

وبينما يدور جدل واسع بين مروجي الحملة ومنتقديها، ينتظر المواطنون من ذوي الدخل المتوسط، انتهاء حالة الجدل لصالحهم، بعد تخفيض الأسعار. يقول عبد الرحمن عمر، أحد العاملين فى القطاع الحكومي، والمؤيد للحملة، إن "أي حملة يقاس مدى نجاحها بما يعود على المواطن من نفع، ويحميه من جشع التجار"، ويوضح عمر، وهو في عقده الرابع، أن انخفاض الأسعار وضبطها بما يتوافق مع الأسعار العالمية لا سيما في قطاع السيارات، هي رغبة لدى كل مواطن، حتي يتمكن من الاستفادة من الاتفاقيات الخارجية التى توقعها الحكومة المصرية"، في إشارة إلى اتفاقية الشراكة الأوروبية.

في الاتجاه ذاته، يشيد عماد مجدي، العامل في إحدي الهيئات الدبلوماسية بالقاهرة، وهو كذلك في عقده الرابع، بما كشفت عنه حملة #خليها_تصدي، من توحيد للمصريين، وكشف للتلاعب في أسعار السيارات من قبل الوكلاء ومحتكري استيراد السيارات من الخارج، التي تخطت نصف ثمن السيارة أو ما يقارب ثمنها الأصلي"، وعبر مجدي، عن رغبته في أن تستمر الحملة حتى شهر حزيران/يونيو المقبل، وهو ما يوافق، حسب مجدي، دخول موديلات 2020 من السيارات الجديدة إلى الأسواق، وبداية الخلاف بين الوكلاء والموزعين وشركات التصنيع ذاتها، بسبب عدم القدرة على بيع السيارات القديمة".

حملات أخرى

ومع رواج حملة #خليها تصدي، على مواقع التواصل، وتجاوز المتفاعلين معها عشرات الآلاف، ظهرت حملات أخرى مشابهة، أبرزها #خليها_تعنس لمواجهة إصرار بعض الأسر على التكاليف المرتفعة لزواج بناتهم، و#خليها_تعفن لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم.

ولم تكن مثل هذه الحملات هي الأولى التي تحدث جدلا في الشارع المصري،  فخلال السنوات الأخيرة، تمكن ضغط السوشيال ميديا في مصر لإقالة وزراء ومسؤلين كبار، كان أبرزهم وزيرا العدل السابقان، المستشاران محفوظ صابر في عام 2015، وأحمد الزند في عام 2016، بعد تصريحات اعتبرها رواد مواقع التواصل "مسيئة"، فضلا عن وقف مقدمة برنامج صبايا الخير الذى تقدمه المذيعة رهام سعيد في عام 2018.

المزيد من اقتصاد