Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لغز مقتل الرئيس اليمني الحمدي... المتهمون والمرشحون لخلافته (1-2)

في نهاية يوليو 2024 رفعت الخارجية البريطانية غطاء السرية عن ملف حادثة اغتياله

تولى المقدم إبراهيم محمد الحمدي (الرابع يمين) السلطة في الـ13 من يونيو 1974 بعد أن قاد "الحركة التصحيحية" في الجمهورية العربية اليمنية الشمالية (ويكيبيديا)

ملخص

سارعت القوى التي تولت السلطة عقب مقتل الحمدي إلى إعلان بيان تطرقت فيه لمقتله، وأعلن نائب وزير الخارجية حينها في بيان رسمي أمام السلك الدبلوماسي وقوع حادثة اغتيال مزدوجة من دون الكشف عن الجناة أو، كما أعلن البيان الحكومي يومها، تعيين العقيد أحمد حسين الغشمي الذي قُتل الحمدي داخل منزله خلفاً للأخير ورئيساً لمجلس القيادة.

ظل كرسي الحكم في اليمن محاطاً بألغام الصراع وسباق الإزاحة الذي راح ضحيته خمسة زعماء ومئات الموالين لهم، فضلاً عن حال عدم الاستقرار السياسي الذي خلفه هذا السباق الدامي.

ومنذ قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر (أيلول) 1962 التي أطاحت بالإمامة الزيدية في اليمن (شمالاً) وطرد الاستعمار البريطاني (جنوباً) 1967، جرى الانقلاب على 10 رؤساء في شطري البلاد التي اندمجت في دولة واحدة عام 1990 إما قتلاً أو انقلاباً، قتل منهم خمسة اغتيالاً فيما نجا آخرون في مقابل التخلي عن الكرسي المتفجر، وفي المقابل لا يكاد يستشهد التاريخ السياسي اليمني بأولئك الذين تنازلوا عن السلطة بصورة سلمية وهادئة.

لغز الغداء الأخير

في نهاية يوليو (تموز) 2024 رفعت وزارة الخارجية البريطانية غطاء السرية عن ملف حادثة اغتيال رئيس الجمهورية العربية اليمنية الشمالية إبراهيم الحمدي عام 1977 والتي شكل وقوعها صدمة عنيفة لليمنيين، نتيجة المكانة الخالدة التي احتلها في قلوبهم وظلت تثار حولها كثير من الألغاز والجدل والاتهامات التي أحاطت بالضالعين فيها قبيل وبعد وقوعها.

وتولى المقدم إبراهيم محمد الحمدي السلطة في الـ 13 من يونيو (حزيران) 1974 بعد أن قاد "الحركة التصحيحية" التي كانت بمثابة الثورة المصغرة في الجمهورية العربية اليمنية الشمالية، والتي بموجبها أطاح بالقاضي عبدالرحمن الإرياني الذي كان رئيساً للبلاد حينها بتهمة الانحياز للقوى القبلية والمعادية لـ "ثورة سبتمبر" التي قضت على حكم الأئمة، من دون أن يعلم أن هذه السياسات التي سعى إلى إيجاد قاعدة جماهيرية تدافع عنها، ستعمل على إنشاء تيارات رافضة قضت عليه.

وأصدر الحمدي في الـ27 من يوليو 1975 الذي أطلق عليه "يوم الجيش" قراراً غير مسبوق قضى بإبعاد شيوخ القبائل من قيادة المؤسسة العسكرية، وأحدث نهضة تنموية لا يزال يستذكرها اليمنيون بشيء من الاعتزاز، إلا أنه لم يكن يتوقع ربما أن يشكل هذا القرار نقطة تحول نحو خلاف حاد مع القوى التقليدية العميقة التي توغلت في مفاصل الدولة نتيجة تحالف جاء عقب ما سمي بـ "انقلاب الخامس من نوفمبر 1967" عندما أُطيح بأول رئيس لليمن الجمهوري وهو عبدالله السلال، والقوى الثورية التي أشعلتها ودافعت عنها وانتهجت نهجاً تقدمياً تيمناً بالثورة المصرية التي دعمتها ووقفت إلى جوارها.

وفي ظهيرة الثلاثاء الـ 11 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1977 اختفى الرئيس الحمدي بعد تلبية دعوة غداء في منزل رئيس أركان جيشه أحمد الغشمي، وبعد ساعات بثت إذاعة صنعاء بياناً أعلنت فيه مقتل الحمدي مع أخيه عبدالله في ظروف غامضة، واتهمت فيه "القوى الظلامية المجرمة" من دون أن تذكر جهة معينة، ولكن أنصار الحمدي اتهموا خلفه الغشمي والرائد يومذاك علي عبدالله صالح، خلف الغشمي تالياً، وعدداً من المشايخ بقتل الرئيس المحبوب.

وكانت المراسلات السرية البريطانية حول هذه الحادثة محجوبة لفترة تجاوزت 45 عاماً، والملف يحمل عنوان "اغتيال العقيد إبراهيم الحمدي رئيس مجلس رئاسة الجمهورية العربية اليمنية" ومصنف تحت رقم (FCO 8/3062)  في الأرشيف الوطني البريطاني.

وركز الحمدي خلال فترة حكمه التي لم تدم سوى عامين على بناء دولة يمنية حديثة عبر القضاء على الفساد وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة والجيش، لكن جهوده قوبلت منذ بدايتها بمعارضة شديدة من القوى التقليدية، ولهذا اعتُبر اغتياله بمثابة ضربة قاتلة للحركة الإصلاحية في اليمن، وترك وراءه فراغاً سياسياً اتهم لاحقاً بإذكاء التوترات الداخلية وشراء الولاءات بمعزل عن مهمات تنمية البلاد ونهضتها.

تداعيات سياسية وأطراف مشبوهة

وجاء في وثيقة بريطانية سرية مرسلة من السكرتير الخاص بمكتب وزارة الخارجية البريطانية إلى السير برايان كارتليدج الذي كان يشغل منصب السكرتير الخاص للشؤون الخارجية لرئيس الوزراء البريطاني حينها، جيمس كالاهان، عام 1977، ما نصه:

"كما تعلمون جرى اغتيال العقيد إبراهيم الحمدي رئيس المجلس الرئاسي في اليمن الشمالي والقائم فعلياً بأعمال رئيس الدولة، ليلة البارحة على يد مجهولين، أعتقد أنه سيكون من المفيد أن يشير رئيس الوزراء إلى حادثة الاغتيال عندما يلتقي الأمير نايف بعد ظهر اليوم، ويعبر عن صدمته وأسفه، يمكنه أن يضيف أننا كنا نملك انطباعاً إيجابياً عن العقيد الحمدي الذي كان يعمل على مقاومة التآمر القادم من عدن، ولا نعتقد أنه من المفيد لرئيس الوزراء التكهن بأهداف الجناة".

وتشير المذكرة إلى أن "هناك ثلاث مجموعات محتملة قد تكون لها دوافع لاغتيال العقيد الحمدي وهي

(أ) القبائل الشمالية بقيادة الشيخ عبد الله الأحمر.

(ب) المعارضون الراديكاليون لنظام الجمهورية العربية اليمنية المدعومين من عدن.

وتقول الوثيقة إن حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دعمت ما وصفته الوثيقة بـ "الإرهاب والتآمر في اليمن الشمالي لسنوات عدة، وقد دبرت مقتل كثير من الشخصيات الشمالية داخل وخارج اليمن، وربما كانت وراء مقتل القاضي عبد الله الهجري في لندن في مايو (أيار)".

(ج) مؤامرة داخل سلك الضباط وهذا الاحتمال هو الأقل ترجيحاً، فقد كان العقيد الحمدي يتمتع بشعبية شخصية وخَلَفُه دان الجناة.

ووفقاً لتفاصيل البرقية يرجح التقرير الاتهام (أ) بسرد سنتناوله لاحقاً.

ويتطرق إلى تولي "مجلس ثلاثي السلطة بقيادة العقيد أحمد الغشمي، وهو ضابط معتدل في آرائه وذكائه وصديق للسعوديين (أرفق المرسل تقريراً شخصياً)، والأعضاء الآخرون هم رئيس الوزراء السابق السيد عبدالعزيز عبدالغني، وضابط مظلات كفوء يدعى عبدالعالم (جده عاش في كارديف - انظر التقرير الشخصي) وقد يستغرق هذا المجلس بعض الوقت للاستقرار".

ويقيّم التقرير السري الثلاثي ويتوقع بأن "من يتولى القيادة لن تكون لديه قدرات الحمدي في إدارة هذا البلد الصعب، وسيواجه مهمة شاقة لدفع الجمهورية العربية اليمنية الفقيرة على طريق التنمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زعماء القبائل وما خفي من الجريمة

وتحوي نصوص البرقية رقم ((296 الصادرة عن السفارة البريطانية في صنعاء بتاريخ الـ 13 من أكتوبر تفاصيل مثيرة ومتعمقة عن حادثة الاغتيال، وتشير البرقية إلى "دلائل على أن الجريمة قد نُفذت بتواطؤ من زعماء قبائل بارزين"، كما تتناول باهتمام ردود الفعل الشعبية الحادة والحضور السياسي في مراسم تشييع الضحايا، وجاء في البرقية ما نصه:

"هناك الآن أدلة متزايدة على أن الاغتيال وقع أساساً كما هو موصوف في برقية المرجع الخاصة، ويقول الحارس في منزل للاستراحة يبعد مئة ياردة (91.44  متر) فقط عن منزل الغشمي، إنه وفقاً لحراس الغشمي فقد قُتل الحمدي وشقيقه أثناء فترة ما بعد الظهر من يوم الـ 11 من أكتوبر، ووفقاً للسفير الفرنسي فقد كانت الجثث باردة بالفعل عندما جرى نقلها إلى المشرحة في ذلك المساء، وعلى رغم أننا لا نملك أدلة قاطعة لكن يبدو من المحتمل أن تكون جريمة القتل قد نُفذت بتواطؤ من عبدالله الأحمر (الزعيم القبلي النافذ وشيخ مشايخ حاشد المعروف بعدائه للحمدي والقوى التي يتبعها) وغيره من زعماء القبائل في الشمال وربما بتحريض منهم، وإذا كان الأمر كذلك فيمكننا أن نتوقع انضمام واحد أو أكثر منهم إلى مجلس القيادة".

ويضيف التقرير "لقد حضرت الجنازة للتو وكان جميع أعضاء مجلس القيادة الثلاثة هناك إضافة إلى سالم ربيع علي، (رئيس اليمن الجنوبي حينها) وحسن غوليد من جيبوتي، ونائب الرئيس الصومالي كما قيل لنا، وكان الحشد الذي حضر والذي يتألف في معظمه من الشباب مهذباً إلى حد معقول، على رغم الهتاف المستمر الذي يكاد يكون صاخباً: أين القاتل يا غشمي؟ وهذا ليس مفاجئاً في ضوء شعبية الحمدي بين الجيل الأصغر سناً والمعرفة بأنه لا يوجد في البلاد أحد يمكنه أن يحل محله بشكل مناسب".

ويتوقع التقرير حينها أن "الوضع يبدو مرشحاً للتدهور، فقد وقعت بالفعل عمليات قتل أخرى غير الأخوين الحمدي قيل لنا إنه في ليلة الجرائم شمل القتلى

(أ) المقدم عبدالله شمسي قائد لواء العمالقة ووحدات الحرس المركزي.

(ب) الرائد علي حبيش النائب الثاني لقائد لواء العمالقة (تحت قيادة عبدالله الحمدي).

(ج) الرائد علي قناف زهرة قائد اللواء السابع المدرع.

(د) المقدم حمود قطيني قائد قوات الاحتياط العامة.

(هـ) وفي صباح اليوم التالي قائد لواء إب (أحد أقارب عائلة الحمدي) الذي حاول دخول صنعاء.

الخلف وبيان

وسارعت القوى التي تولت السلطة عقب مقتل الحمدي إلى إعلان بيان تطرقت فيه لمقتله، وأعلن نائب وزير الخارجية حينها في بيان رسمي أمام السلك الدبلوماسي وقوع حادثة اغتيال مزدوجة من دون الكشف عن الجناة، كما أعلن البيان الحكومي يومها، تعيين العقيد أحمد حسين الغشمي الذي قُتل الحمدي في منزله خلفاً للأخير ورئيساً لمجلس القيادة، إضافة إلى استمرار مهمات العضوين في المجلس، رئيس الوزراء عبدالغني والرائد عبدالله عبدالعالم، وأوضح البيان أن سياسة الجمهورية العربية اليمنية ستظل ثابتة من دون تغيير مع استمرار الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كما أعلنت كذلك فترة حداد رسمي لمدة 40 يوماً مع إغلاق جميع المكاتب الحكومية مدة أسبوع، وأن جنازة الرئيس الحمدي ستُقام في اليوم التالي.

وفي ضوء هذه التطورات اقترحت البرقية "تأجيل زيارة وزير التجارة البريطاني السيد ميشر والبعثة التجارية من هامبرسايد إلى اليمن نظراً إلى حساسية الوضع الحالي"، كما جرى التواصل مع وزارة الخارجية البريطانية في شأن مدى ملاءمة زيارة السيد ميشر لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في ظل الظروف غير المستقرة، مع الإشارة إلى أهمية انتظار وضوح الأوضاع قبل اتخاذ أية خطوات دبلوماسية إضافية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير