ملخص
انتشر سوريون في الساحات العامة بدمشق ومختلف المحافظات يجوبون الشوارع احتفالاً بسقوط نظام سياسي وحكم ناهز نصف قرن منذ تولي حافظ الأسد عام 1970 الحكم.
فجر الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تاريخ سيكون محفوراً في ذاكرة السوريين، فقد طوى رئيسهم بشار الأسد بعد فراراه خارج البلاد حقبة حكم دامت 24 عاماً ورثها عن أبيه الذي بقي جاثماً على صدورهم لثلاثة عقود خلت.
لحظة وصفها السوريون بـ"فجر الحرية" بعد عقود طويلة من الاستبداد والحكم السلطوي، وللمرة الأولى يعلو أزيز الرصاص في الساحات العامة والشوارع ممتزجاً مع أهازيج وشعارات النصر التي غمرت قلب العاصمة دمشق.
وليس بعيداً من السيف الدمشقي في ساحة الأمويين، هب المئات من أبناء سوريا مدعومين من الفصائل المسلحة والمعارضين للنظام في ساعات الصباح الأولى باقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون، ومن دون مقاومة وسط انسحابات من العسكريين وحامية المبنى الموجود قرب مبنى الأركان التابع لوزارة الدفاع حيث تخلص العسكريون من بزاتهم ورميت أرضاً وفروا بعيداً.
في هذا الوقت، وصلت مجموعات من قوات المعارضة إلى مبنى الإذاعة وتلت البيان رقم واحد، وسط انتشار واسع واقتحامات للسجون والمعتقلات حيث عمدت إلى فتحها وإطلاق المحتجزين.
أين الأسد؟
في غضون ذلك، تتحدث المعلومات الواردة حتى كتابة هذا التقرير عن عمليات بحث عن الرئيس السوري وسط أنباء ترجح سقوط الطائرة التي تقله بعدما كان يتجهز للسفر إلى دولة عربية، وأوضح المعارض السوري أيمن عبدالنور الذي يقيم في الولايات المتحدة لـ"اندبندنت عربية" أن عملية الهرب مخطط لها قبل أيام، وبحسب المعلومات المتوافرة جرى تنفيذ نقل الأغراض الثمينة، وأجليت الشخصيات المقربة عبر مطار دمشق حيث وصلت طائرة "إمبرير" إلى العاصمة أمس السبت وتوقفت لمدة 20 دقيقة ثم أقلعت من دمشق وغادرت الأجواء السورية من دون إشارة.
ويشرح عبدالنور في سياق تفاصيل عملية الإجلاء أنه بعد هبوط الطائرة أمس ثم إقلاعها ثانية عادت وهبطت بعدها ثلاث رحلات بالمسار نفسه.
وعن مصير الأسد، قال "شهدت الطائرة صعود شخصيات لكنه ليس معلوماً إذا كان صعد على متن آخر طائرة أو لا، وفي حال خروجه فمن الممكن أن يكون نجا بنفسه، وهناك مصادر تقول إنه في آخر دقيقة ولسبب طارئ لم يصعد إلى الطائرة وبقي ليصعد على متن أخرى، سقطت على الحدود اللبنانية".
وفي حين ليس من المعلوم ما إذا كانت هذه الطائرة تقل الرئيس السوري، ما زال مصيره وعائلته مجهولاً وتتضارب الأنباء عن هربه، لا سيما أن الطائرة التي كانت تقله اختفت عن أجهزة الرادار وربما أغلقت جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بها، من دون معرفة إلى أي جهة انتقل في ظل خضوع كامل مدينة دمشق للسيطرة وتسليم المؤسسات الحكومية.
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤول إسرائيلي لم يسمِّه أن الأسد هرب في منتصف الليل، تمهيداً للذهاب إلى روسيا.
إضعاف "محور المقاومة"
وانتشر سوريون في الساحات العامة بدمشق ومختلف المحافظات يجوبون الشوارع احتفالاً بسقوط نظام سياسي وحكم ناهز نصف قرن منذ تولي حافظ الأسد عام 1970 الحكم بانقلاب عسكري أطلق عليه "الحركة التصحيحية"، ثم تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم عام 2000 بعد تعديل الدستور السوري خلال جلسة برلمانية ليناسب عمره وترفيعه من عقيد إلى رتبة فريق ليتمكن من تسلم السلطتين العسكرية والسياسية.
وظلت الأمور في قبضة الأسد الابن حتى عام 2011، لتعاني البلاد فترة صراع مسلح بين الموالين لبشار والمعارضين له على خلفية احتجاجات شعبية انطلقت شرارتها من محافظة درعا جنوب البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى رئيس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات وعضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن عبدالعزيز محمد العنجري أن أميركا تنظر إلى سوريا ما بعد الأسد على أنها فرصة لإضعاف "محور المقاومة" وتعزيز أمن إسرائيل عبر التفتيت الداخلي ومنع نشوء دولة مركزية قوية.
وأضاف أن "واشنطن تسعى إلى إعادة ترتيب المنطقة بما يضمن بقاء إسرائيل لاعباً رئيساً، واللافت أن بعض دول الشرق الأوسط التي استمرت في دعم إسرائيل على رغم المجازر التي ارتكبها بنيامين نتنياهو والاستياء الشعبي العربي الواسع قد تكون على قائمة المستفيدين من هذه الترتيبات، إذ يتوقع أن تسعى واشنطن إلى مكافأتها سياسياً واقتصادياً لتعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية".
في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الأسد تخلى عن منصبه ووجه بنقل السلطة سلمياً بعد مفاوضات مع عدد من أطراف النزاع السوري، مضيفة "نتابع الأحداث المأسوية في سوريا بقلق بالغ، ونتيجة للمفاوضات بين بشار الأسد وعدد من أطراف النزاع المسلح، قرر الأسد ترك منصبه ووجه بنقل السلطة سلمياً وغادر البلاد"، وأكدت أن روسيا لم تشارك في هذه المفاوضات.
وناشدت جميع الأطراف المعنية الامتناع عن استخدام العنف وحل جميع قضايا الحكم في سوريا عبر الوسائل السياسية، موضحة أنها على اتصال مع جميع فصائل المعارضة السورية، ودعت إلى "احترام آراء جميع الأطياف العرقية والدينية في المجتمع السوري". وأعربت عن دعم موسكو "للجهود الرامية إلى عملية سياسية شاملة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي اتخذ بالإجماع".
وشهدت الساعات الأولى من إعلان البيان الأول للمعارضة رسائل من زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" الذي أعطى تعليماته بعدم التعرض للسلطات والمؤسسات الرسمية وعدم إطلاق الأعيرة النارية، في المقابل أعلن رئيس الوزراء في الحكومة السورية محمد غازي الجلالي جاهزيته لنقل السلطات إلى هيئة انتقالية من الفصائل المسلحة.
إزاء ذلك، أصدرت فصائل المعارضة بعد اقتحام سلمي لمبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين البيان رقم واحد وتضمن سقوط بشار الأسد وفراره خارج البلاد، تاركاً خلفه إرثاً من الدمار والمعاناة وجاء في البيان "إننا في هذا اليوم التاريخي، نعلن أن قوى الثورة والمعارضة تولت زمام الأمور في سوريا الحبيبة، ونؤكد التزامنا بناء دولة حرة، عادلة وديمقراطية، يتساوى فيها جميع المواطنين من دون تمييز".
وتعهدت الفصائل بالمحافظة على وحدة الأراضي السورية وسيادتها وحماية كل المواطنين وممتلكاتهم، بغض النظر عن انتماءاتهم والعمل على إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس من الحرية والعدالة علاوة على السعي إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وإعادة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم بأمان وكرامة، ومحاسبة كل من أجرم بحق الشعب السوري، وفقاً للقانون والعدالة.