ملخص
يثير استحواذ الهيئة على مسيرات مخاوف دولية من امتلاك ما تصفهم بالتنظيمات المتشددة تكنولوجيا متطورة يمكن تحديثها واستخدامها في حروب مقبلة، على رغم أن كتيبة الشاهين ليست التجربة الأولى من نوعها بالمطلق، إذ سبق ذلك محاولات تنظيم "داعش" لامتلاك سلاح المسيرات عبر طائرات بدائية استخدمها في بعض معاركه في فترة سيطرته (2013 ـ 2019)، لكنه لم يمتلك المحرك النفاث لها.
للمرة الأولى في تاريخ الصراع السوري تتمكن المعارضة المسلحة من السيطرة على الجو في تطور لافت للنظر، يشير إلى تغيير طرق الصراع المسلح المندلع منذ عام 2013 ودخول الطائرات المسيرة بمختلف أصنافها، والاعتماد عليها بصورة أساسية في المعارك الأخيرة التي بدأت في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مما قلب موازين القوى.
ما يحدث على الأرض يشير إلى تبديل بالتكتيك العسكري لدى فصائل المعارضة من خلال طريقة الهجوم، ومن الواضح التطور الملاحظ في الأسلوب القتالي عن آخر معركة في عام 2019، حينها خسرت ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشرقي أمام تقدم الجيش النظامي وسيطرته على معرة النعمان وسراقب وخان شيخون، لكنها استحوذت عليهما من جديد في هذه المعارك الجارية حالياً، إذ تقدمت هيئة تحرير الشام والقوات المهاجمة نحو ريف حماة، وتخوض حالياً معارك ضارية على مشارف المدينة، وتعد الأعنف منذ بداية الهجوم.
والأسلوب التكتيكي الجديد لم يشمل العمليات الميدانية على الأرض فحسب بل في السماء، وبات لدى القوات المهاجمة الغطاء الجوي، مما مكنهم من تحقيق تقدم حتى الوصول إلى حلب، وأصبحت إحدى العوامل الرئيسة للقوة في ساحة المعركة الحديثة، وفي المقابل تشير الأنباء عن إسقاط عدد منها من القوات النظامية في ريف حماة أثناء الاشتباكات الحاصلة.
إلى ذلك استطاعت "كتيبة الشاهين"، الاسم الجديد في معركة حلب والمتخصصة في سلاح الطائرات المسيرة، أن تقلب معادلات القوة والسيطرة وفق ما يراه متابعون للأحداث الجارية في مدينة الشهباء، وظهرت لقطات مصورة لغرف عمليات "ردع العدوان" نشرتها على منصاتها لطائرة من دون طيار تحلق على علو منخفض تهاجم العربات والمدرعات، وتطلق القذائف على الجنود المنسحبين من المعركة أو المتحصنين بمواقعهم الأمامية أو خلف خطوط التماس، وطائرات انتحارية تنقض بسرعة على العربات والدبابات وتفجر نفسها على الفور بأي جسم يصطدم بها، بل وباتت سلاحاً للاغتيالات، ولا سيما العربات لشخصيات عسكرية في حماة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واشتهرت كتائب الشاهين الجوية بهذا المستوى العالي من الخبرة والدقة، بل هي المفاجأة غير المتوقعة من مستوى التفوق التكنولوجي الذي حصل عليه التنظيم المسلح، بعد أن كان يعتمد على الأسلحة الفردية والمتوسطة في معاركه قبل خمس سنوات.
وفي حين أصاب امتلاك هيئة تحرير الشام للمسيرات العالم بالدهشة مع تفاقم المخاوف من توسع امتلاكها الخبرات والقدرات التكنولوجية، ولا سيما سيطرتها على مطارات في حلب، منها مطار حلب الدولي ومطار كويرس العسكري وكتيبة دفاع جوي، وكشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن في حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن دعم دولي بمجال المسيرات، وقال "لدينا تقرير منشور منذ ثلاثة أشهر بوجود ضباط من أوروبا الشرقية دربوا كوادر من هيئة تحرير الشام على المسيرات، وكشف تفعيل قوتهم الصاروخية".
إزاء ذلك يثير استحواذ الهيئة على مسيرات مخاوف دولية من امتلاك ما تصفهم بالتنظيمات المتشددة تكنولوجيا متطورة يمكن تحديثها واستخدامها في حروب مقبلة، على رغم أن كتيبة الشاهين ليست التجربة الأولى من نوعها بالمطلق، إذ سبق ذلك محاولات تنظيم "داعش" لامتلاك سلاح المسيرات عبر طائرات بدائية استخدمها في بعض معاركه في فترة سيطرته (2013 ـ 2019)، لكنه لم يمتلك المحرك النفاث لها.
يقول المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد أحمد رحال إن الطائرات المسيرة حققت نتائج مبهرة وتفوقاً على قوات النظام، بل وخاضت معارك وهاجمت حتى الحوامات في المطارات وأحدثت فارقاً، بينما أشار في الوقت ذاته وعبر لقاء مصور إلى أن تلك المسيرات لم تحدث أي توازن في العمل الجوي، في حين الموقف الإقليمي والدولي سياسياً وعسكرياً يدعم العمليات التي تنفذ على الأرض.
وكانت روسيا حذرت من امتلاك الفصائل المسلحة لأكثر من 250 طائرة مسيرة متطورة في مقابل إرسال مقاتلين من الفصائل المسلحة إلى أوكرانيا، مع تصدي القوات السورية والروسية قبل عام لأسراب من الطائرات المسيرة فوق حلب، وعلى القواعد العسكرية ومنها قاعدة حميميم العسكرية، في المقابل يشير متخصصون إلى أن الدعم التقني والتكنولوجي الروسي والإيراني بطيء، مع ندرة أجهزة التشويش على الطائرات المسيرة وحاجة موسكو إليها في الحرب الأوكرانية.
ويدور الحديث عن امتلاك هيئة تحرير الشام بزعامة أبو محمد الجولاني لمعمل تصنيع طائرات من دون طيار يضم خبراء أجانب في ريف إدلب شمال غربي سوريا، وتطويرها بمحركات نفاثة وحمل قنابل متفجرة تمكنها من تنفيذ عمليات هجومية وانتحارية، وانتقلت الطائرات في المعارك والمناوشات التي تحدث بين القوات النظامية والمعارضة خلال السنوات الأخيرة من الرصد وتصوير المواقع والخرائط إلى العمل الهجومي المباشر، وهذا ما تسعى إليه ليس فقط "تحرير الشام"، بل أيضاً بقية الفصائل المسلحة ومنها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).