Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

35 عاما على سقوط جدار برلين... ما السرديات التي أحاطت به؟

الأساطير التي تخلقها الأنظمة السلطوية لتبرير خطوات متطرفة

مقطع من الجدار في يومنا الحالي وتظهر عليه رسم قبلة بريجنيف وهونيكر الشهيرة والتعليق عليها "إلهي! ساعدني على النجاة من هذا الحب القاتل" (أ ب)

ملخص

في 1961، أقامت ألمانيا الشرقية جدار برلين لوقف هجرة الملايين للغرب لكنها بررت الخطوة بسرديات متطرفة مثل ضرورة الحماية من هجوم غربي وشيك ودفاعاً ضد الفاشية، واحتفلت به على أنه أعطى دفعاً لجمهورية ألمانيا الديمقراطية

في 15 يونيو (حزيران) 1961 قال زعيم ألمانيا الشرقية فالتر أولبريشت، "لا أحد لديه نية إقامة جدار"، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه، باشرت حكومة جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) بفصل برلين الغربية عن محيطها الشرقي، وبين عشية وضحاها فُرقت عائلات وأصدقاء عن بعضهم البعض بأسلاك شائكة وأبراج مراقبة وجدران.

لقد رافق إنشاء جدار برلين واستمر معه لسنوات عديدة سرديات حاولت بأي طريقة التبرير لهذا البناء المخالف للقيم الإنسانية المعتادة. وليس غريباً على الأنظمة الاستبدادية أن نتشر دعاية تخدم أهدافها الفئوية لتُخضع شعبها وتجعله مع الوقت مقتنعاً بأقصى الخطوات أو القرارات أو المشاريع تطرفاً.

التصويت بالأقدام

منذ إعلان قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) عام 1949 وبحلول نهاية الخمسينيات وجدت حكومة ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفياتي أنفسهما في مأزق بسبب وصول أعداد المهاجرين من برلين وألمانيا الشرقيتين إلى القسم الغربي من برلين إلى أرقام مهولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما كان الستار الحديدي منغلقاً تماماً على كامل الحدود بين الكتلة الشرقية والدول الغربية فإن حدود برلين الداخلية بين القسم السوفياتي والقسم الغربي بقيت مفتوحة تماماً وهي النقطة الرئيسة لهجرة الجماعية من الشرق إلى الغرب، إذ إن الانتقال إلى برلين الغربية يضعك فعلياً في الفلك الغربي.

والأسباب الدافعة إلى ذلك كثيرة، إذ بعد خطتين خماسيتين في ألمانيا الشرقية وخطة مارشال في القسم الغربي، كان واضحاً تقدم الأخيرة بحسب جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الفارق يمكن تلمسه من بيانات واتجاهات الهجرة.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه منذ إعلان قيام ألمانيا الغربية وحتى 13 أغسطس 1961، فر ما يقدر بنحو 3.7 مليون شخص إلى القسم الغربي (أكثر من 200 ألف شخص في عام 1961 وحده)، وأنه ما بين عامي 1950 و1959، انخفض عدد سكان ألمانيا الشرقية وبرلين الشرقية من 18.4 مليون إلى 17.3 مليون.

وتكشف الإحصاءات أن نحو 50 في المئة من الأشخاص الذين فروا كانوا دون سن الـ25، وهو ما أطلق عليه الإعلام الغربي "التصويت بالأقدام" (مقتبساً بشكل ساخر عبارة تُنسب إلى لينين)، ومثل هذا إحراجاً كبيراً وتهديداً شخصياً لأولبريشت وقيادة الحزب الشيوعي الألماني.

إذاً نحن أمام اختبار اجتماعي واقعي، ها هي ألمانيا، ذات الشعب الواحد واللغة الواحدة تُقسم إلى بلدين هما تحت نظامين متناقضين تماماً. وفي هذه الحالة، يمكن اعتبار اتجاه هجرة المواطن الألماني زئبقاً معيارياً يدلنا على النظام الأفضل.

في هذه الظروف، وفي أي ظروف عموماً، لا يمكن لأي جدار عازل إلا أن يدين الطرف الذي قام بتشييده. وفي هذه اللحظة، يعتمد النظام السلطوي على سرديات تخلق واقعاً موازياً يبرر هذه الخطوة.

جدار برلين "المناهض للفاشية"

وبحسب وثائق أرشيفية صادرة عن راديو أوروبا الحرة والعائدة لتاريخ 12 أغسطس (آب) 1981، تزامناً مع احتفالات 20 عاماً على تشييد الجدار، فإن السردية الرسمية الذي اعتمدها الحزب الشيوعي الألماني (الشرقي) كانت تقوم على الآتي، "في أوائل ستينيات القرن الـ20، خططت ألمانيا الغربية علناً لتدمير الاشتراكية في ألمانيا الشرقية وضم أراضيها إليها... وبدأ الغرب في التخطيط لعمل عسكري مباشر للإطاحة بالدولة الألمانية الشرقية".

وادعت أن برلين الغربية نظراً لموقعها في قلب ألمانيا الشرقية هي بؤرة للجواسيس ومركزاً للتآمر الرأسمالي. وهنا لا بد من التذكير بأن الجدار (بعكس ما قد يتخيله البعض) كان يلف دورة كاملة حول برلين الغريبة، أي فعلياً مطوقاً ومعزلاً القسم الغربي عن باقي ألمانيا الشرقية.

وتكمل الوثيقة "وعلى هذه الخلفية، طالب الشعب الألماني الشرقي باتخاذ تدابير دفاعية. فخطط الحزب الاشتراكي الألماني [الشيوعي]، بدعم أخوي من ’حلف وارسو‘، ونفذ تدابير سريعة وسرية في الوقت المناسب لتأمين الدولة الألمانية الشرقية. ولقد أدى هذا التحرك إلى إدراك القوى الغربية الثلاث [فرنسا وبريطانيا وأميركا] أن مصالح جمهورية ألمانيا الاتحادية [ألمانيا الغربية] ليست مصالحها بالكامل، ولا تستحق المخاطرة بالسلام من أجلها. وبذلك، حصلت جمهورية ألمانيا الديمقراطية على حقوقها كدولة ذات سيادة".

لا يمكن لأي جدار عازل إلا أن يدين الطرف الذي قام بتشييده

كما هي الحال لدى عديد من الأنظمة السلطوية تركن السرديات المماثلة إلى التهديد بوجود عدو خارجي متربص بأهل البلد، وبوجود مؤامرات مستمرة للقضاء على النظام "الديمقراطي" الذي يبنيه المواطنون بسواعدهم، وطبعاً بأن الخطوة هذه تمثل مصلحة البلاد التي تقوم بخدمتها القيادة الحكيمة للنظام الاستبدادي.

دولة ما وراء الجدار

من مفارقة الأمر أن الجدار مثّل بالفعل اللحظة التأسيسية لدولة ألمانية شرقية قابلة للحياة. فقط بعد وقف حق الهجرة، وهو، بكل الأحوال، حق لم يتمتع به أي شعب آخر في الكتلة الشرقية، وفرض الانفصال التام للشعب الألماني، تمكنت جمهورية ألمانيا الديمقراطية من المضي قدماً بتطبيق الخطط الاشتراكية، وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات الاقتصادية والتي جعلت منها ربما الدولة الأكثر تقدماً في الكتلة الشرقية إن لم نأخذ يوغوسلافيا في الحسبان كون الأخيرة اتخذت مساراً منفصلاً عن إرشادات موسكو.

ويُقال، إن الجدار وضع حداً للصداع الذي كانت تسببه مشكلة برلين الغربية للسوفيات والكرملين، إذ خلال المؤتمر السادس لحزب الوحدة الاشتراكي الألماني في يناير (كانون الثاني) 1962، أوضح نيكيتا خروتشوف للألمان الشرقيين، بما في ذلك أولبريشت، أن عليهم أن يكونوا راضين عما حققوه وألا يفكروا في تحدي الغرب بالقوة.

الجدار لم يمنع الألمانيين الشرقيين من الحلم بالغرب والسعي للهروب إليه، إذ في 22 أغسطس، بعد أيام فقط من مد الأسلاك الشائكة، سقطت أولى الضحايا إيدا سيكمان التي قفزت من نافذتها المطلة على القسم الغربي، في حين أردي غونتر ليتفين بعدها بيومين من قبل حرس الحدود.

وخلال السنوات الـ28 (من عام 1961 إلى حين سقوطه في 1989) قتل ما لا يقل عن 140 شخصاً أثناء محاولتهم الهرب عبر تحصينات الجدار، بينما تمكن أكثر من 5 آلاف شخص من عبوره بنجاح. وبحسب مؤسسة "جدار برلين" الألمانية، في المجمل "توفي ما لا يقل عن 251 عابراً أثناء أو بعد عبور نقاط التفتيش عند معابر برلين الحدودية، بما فيها عن طريق الخطأ أو انتحاراً. كما عانى عدد غير معروف من الناس وماتوا بسبب الاحباط واليأس اللذين تسبب فيهما جدار برلين".

وربما لا شيء يلخص معنى الجدار أكثر من كلمات الرئيس الأميركي جون كينيدي الشهيرة قرب الجدار (1963) حيث قال، "هناك من يقول إن الشيوعية هي المستقبل، دعهم يأتون إلى برلين. وهناك من يقول إننا في أوروبا وفي أماكن أخرى نستطيع التعاون مع الشيوعيين، دعهم يأتون إلى برلين. إن الحرية تواجه عديداً من الصعوبات والديمقراطية ليست مثالية، ولكننا لم نضطر قط إلى بناء جدار لحبس شعبنا في الداخل ومنعه من المغادرة".

المزيد من ثقافة