ملخص
فرض الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى خفض النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة
لم تعد الصين المصدر الرئيس لواردات الولايات المتحدة، إذ حلت المكسيك مكانها العام الماضي، وبدأ هذا التحول الجذري عام 2018، عندما وقع ترمب مجموعة من الرسوم الجمركية على عديد من الواردات الصينية خلال فترة ولايته الأولى وتعهد فرض جولة جديدة من الرسوم الجمركية بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2025، لكن الرسوم الجمركية لم تبطئ الطلب الأميركي على السلع الأجنبية، إذ يجد عديد من المنتجات طرقاً جديدة لدخول البلاد. ووفقاً لتحليل لبيانات التجارة الدولية الصادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي، بلغت واردات الولايات المتحدة من السلع 3.1 تريليون دولار عام 2023، مقارنة بـ2.3 تريليون دولار عام 2017.
وكانت أشباه الموصلات وحقائب اليد الجلدية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من بين أبرز الواردات الصينية التي تأثرت بصورة كبيرة بالرسوم الجمركية، وفي العام الماضي انخفضت قيمة تلك الواردات الصينية بنسبة 35 في المئة في المتوسط مقارنة بعام 2017، وانتقلت شركات كبيرة وصغيرة من الإنتاج في الصين إلى مراكز تصنيع أخرى مثل المكسيك وفيتنام وتايوان وماليزيا.
وفي العام الماضي شكلت المنتجات القادمة من الصين 14 في المئة فقط من إجمالي الواردات الأميركية، وهي النسبة الأدنى منذ ما يقارب عقدين، ومع ذلك فإن عديداً من السلع القادمة من المصانع في المكسيك وفيتنام لا تزال تحوي مكونات مصدرها الصين.
32 مليار دولار عام 2023
وفي عام 2023 استوردت الولايات المتحدة هواتف ذكية بقيمة مليارات الدولارات من الهند وكوريا الجنوبية وفيتنام بزيادة بلغت 42 في المئة مقارنة بما كانت عليه قبل ست سنوات، وارتفعت قيمة أجهزة الكمبيوتر المحمولة والألواح الإلكترونية المستوردة من فيتنام وتايوان إلى جانب رقائق الذاكرة المستخدمة في ألعاب الفيديو أو تعدين العملات الرقمية.
وغيرت الرسوم الجمركية مسار التجارة، ففي عام 2017 شحنت خزائن خشبية بقيمة 1.3 مليار دولار من الصين إلى الولايات المتحدة، لكن هذا الرقم تراجع بصورة كبيرة ليصل إلى 26 مليون دولار فقط العام الماضي، على رغم استمرار زيادة إجمالي واردات الخزائن الخشبية التي تأتي الآن في الغالب من فيتنام.
ويبدو أن الشركات التي تستورد الألعاب والمعدات الرياضية وأجهزة ألعاب الفيديو لا تزال تعتمد على مورديها في الصين بفضل المزايا العميقة لسلاسل التوريد هناك، إذ بلغت قيمة واردات هذه السلع من الصين 32 مليار دولار عام 2023 بزيادة 24 في المئة مقارنة بعام 2017.
وشهدت بعض المنتجات، بما في ذلك بطاريات الليثيوم - أيون وأجهزة ألعاب الفيديو طفرة في الواردات منذ عام 2017، فما يزيد على 70 في المئة من هذه الواردات لا تزال تأتي من الصين حتى عام 2023.
رسوم جمركية على الصين وارتفاع التضخم الأميركي
قد تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية تقارب 40 في المئة على الواردات من الصين أوائل العام المقبل، مما قد يؤدي إلى خفض النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.
ووفقاً لاستطلاع أجرته وكالة "رويترز" من المتوقع أن يتجنب الرئيس الأميركي المنتخب بدء ولايته بفرض رسوم شاملة بنسبة 60 في المئة على السلع الصينية. ومن المقرر أن يتولى دونالد ترمب منصبه في يناير المقبل بعد فوزه الكاسح في الانتخابات التي جرت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
وتعهد ترمب خلال حملته الانتخابية فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الصينية كجزء من حزمة إجراءات تجارية تحت شعار "أميركا أولاً"، مما أثار قلقاً في بكين وزاد من الأخطار على نمو الاقتصاد الصيني.
ولا تقتصر المخاوف على ارتفاع معدلات الرسوم الجمركية المهددة التي تفوق بكثير نسبة 7.5 في المئة إلى 25 في المئة التي فرضها خلال ولايته الأولى، بل إن الاقتصاد الصيني بات في وضع أكثر هشاشة بسبب الركود المطول في قطاع العقارات، وأخطار الديون، وضعف الطلب المحلي.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "رويترز" أن غالبية كبيرة داخل الصين وخارجها تتوقع أن يفرض ترمب الرسوم الجمركية بحلول أوائل العام المقبل، مع تقدير وسطي يبلغ 38 في المئة وتوقعات تراوح ما بين 15 في المئة و60 في المئة.
مع ذلك قال معظم الاقتصاديين إنهم لا يتوقعون فرض رسوم شاملة بنسبة 60 في المئة على السلع الصينية في أوائل عام 2025، إذ قد يؤدي ذلك إلى تسريع معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة.
وقال كبير الاقتصاديين في بنك" أي أن زد"، "نتوقع أن تعيد الإدارة الأميركية الجديدة خطة ترمب الأصلية التي طبقت خلال ولايته الأولى"، مقدراً أن متوسط الرسوم الجمركية على السلع الصينية قد يرتفع بنسبة تراوح ما بين 32 و37 في المئة.
ويواجه صانعو السياسات في الصين الذين عززوا التحفيز الاقتصادي لدفع النمو منذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي ضغوطاً متزايدة في العام المقبل لتحفيز الطلب المحلي لتعويض الانخفاض المتوقع في الصادرات، الذي يعد أحد المحركات الرئيسة للنمو هذا العام، وفقاً للمحللين.
التأثير المحتمل في الصين
وفي ما يتعلق بالتأثير المحتمل في الصين توقع الاستطلاع أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني عام 2025 بمقدار يراوح ما بين 0.5 و1.0 نقطة مئوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الحالي حافظ معظم الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع على توقعاتهم للنمو لهذا العام وعام 2025، إذ توقعوا أن يكون النمو بنسبة 4.8 في المئة و4.5 في المئة على التوالي، وهو ما يتماشى مع التوقعات قبل الانتخابات الأميركية. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو بصورة أكبر ليصل إلى 4.2 في المئة عام 2026، ويترقب الاقتصاديون سياسات إدارة ترمب التجارية تجاه الصين التي قد تؤدي إلى تخفيضات محتملة في توقعاتهم.
وقال كبير الاقتصاديين في الصين لدى بنك "دي بي أس" مو جي لـ"رويترز"، "ستظل الصادرات ركيزة أساسية للنمو مع استمرار الطلب العالمي على رغم أن الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة قد تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى نقطة مئوية". وأضاف، "سيظل الاستهلاك ضعيفاً بسبب التأثيرات المرتبطة بتراجع أسعار العقارات وارتفاع معدلات البطالة، وعلى رغم تأخر الاستثمار الخاص، فإن استثمارات البنية التحتية ستدفع إلى انتعاش معتدل في استثمار الأصول الثابتة".
وقالت غالبية كبيرة من الاقتصاديين (19 من أصل 23 مشاركاً في الاستطلاع) إن التدابير الأخيرة للتحفيز المالي والنقدي التي أعلنتها الحكومة الصينية لم يكن لها تأثير كبير في الاقتصاد، وأن مزيداً من التحفيز ضروري، في حين قال أربعة فقط إن هذه التدابير ستسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
وتأمل السلطات الصينية في أن تساعد دفعة التحفيز التي كشف عنها في أواخر سبتمبر الماضي في تحقيق الهدف الحكومي للنمو البالغ نحو خمسة في المئة هذا العام. ووفقاً للمحللين من المرجح أن تكشف الصين عن تدابير تحفيزية جديدة في الأسابيع المقبلة للمساعدة في تخفيف تأثير التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، إذ يتوقعون أن يستمر مسار تباطؤ الاقتصاد على رغم الدعم السياسي.