Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موازنة 2025... "خطة سموتريتش" تغضب الوزراء والإسرائيليين

تضمنت تقليصات كبيرة في التعليم والصحة والمواصلات والخدمات الاجتماعية مقابل زيادة مخصصات الأمن

نسج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ميزانية 2025 لكنها قوبلت بغضب واسع (أ ف ب)

ملخص

صادقت الحكومة الإسرائيلية على موازنة هي الأكبر منذ 76 عاماً تبلغ 163 مليار دولار، وسط حال من الاحتقان والجدل، بخاصة بعد تضمنها تقليصات كبيرة في قطاعات التعليم والصحة والمواصلات والخدمات الاجتماعية مقابل زيادة مخصصات الأمن.

في خضم الحرب الأطول والأكثر كلفة في تاريخ إسرائيل، صادقت حكومة بنيامين نتنياهو على موازنة عام 2025 التي باتت الأكبر منذ 76 عاماً، إذ تبلغ 607 مليارات شيكل (163 مليار دولار)، وسط حال من الاحتقان والجدل في أوساط المجتمع الإسرائيلي المنهك اقتصادياً من الحرب منذ أكثر من عام، خصوصاً أن سلسلة من الخفوضات القاسية غير المسبوقة في الموازنة الجديدة التي خطها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لن تطاول فحسب موازنات التعليم والصحة والمواصلات، بل ستترافق مع ضربات اقتصادية تستهدف الشرائح الفقيرة والضعيفة، وأيضاً الشرائح الوسطى الدنيا، برفع الضرائب عليها، وتجميد المخصصات الاجتماعية وراتب الحد الأدنى.

وتشير تحركات حكومة نتنياهو إلى تراجع دخول كثيرين بآلاف الشواكل عام 2025، بل إن الأزمة الاقتصادية الجارفة التي تغرق فيها إسرائيل سترافقهم أعواماً عدة لتكون أطول من أي أزمة اقتصادية سابقة. لم لا وقد علموا أن ارتفاع مخصصات الأمن بما يعادل ستة مليارات دولار سيكون على حساب أعباء ضريبية جديدة ستترتب عليهم، في محاولة لخفض الإنفاق وكبح العجز في الموازنة الذي وصل الآن إلى 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعادل 167 مليار شيكل (45 مليار دولار)، خصوصاً مع استمرار نشر آلاف جنود الاحتياط على الجبهتين الشمالية والجنوبية واستبعاد آلاف العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل لأسباب أمنية.

وفقاً لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن الإنفاق الإسرائيلي على الحرب يبلغ نحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بكثير من النسبة ذاتها عام 2022 التي لم تتخطَّ 4.2 في المئة ومتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 1.7 في المئة. ويُعدّ الإنفاق على الحرب هو البند الأكبر، إذ يبلغ إجماليه 117 مليار شيكل (32 مليار دولار) وهو أعلى 80 في المئة من خطة ما قبل الحرب لعام 2024.

 

 

وأدى ذلك إلى خفض وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني مكانة إسرائيل درجتين إلى مستوى "بي أي أي1" من "أي 2" الذي يُعدّ أدنى مستوى لها على الإطلاق، قائلة إن الدافع الرئيس لخفض التصنيف الائتماني هو أن "الأخطار الجيوسياسية زادت بصورة كبيرة إلى مستويات عالية جداً، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية مادية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل على المديين القريب والبعيد"، مما يعني بحسب محللين أن جاذبية إسرائيل لإصدار أدوات دين خارجية سيكون مكلفاً، ويربك المستثمرين في الإقبال على شراء أدوات الدين، بسبب الأخطار المرتفعة التي تحيط بها.

الأمن أولاً

وبحسب الإعلام الإسرائيلي، تضمنت موازنة سموتريتش المثيرة للجدل، تخصيص 160 مليار شيكل (نحو 44 مليار دولار) كنفقات للأمن والحرب و44 مليار شيكل (11 مليار دولار تقريباً) للحاجات المدنية و20 مليار شيكل (5.5 مليار دولار تقريباً) لإعادة الإعمار. في حين سيتم تخصيص تسعة مليارات شيكل (2.4 مليار دولار) لجنود الاحتياط و10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار) للنازحين عن بلداتهم المحاذية للجبهة الجنوبية والجبهة الشمالية في البلاد. وسيتم أيضاً إنفاق 1.4 مليون شيكل (378 ألف دولار) على الرعاية الاجتماعية والصحية العقلية، وكذلك 16 مليار شيكل (4.3 مليار دولار) كتعويضات للشركات، وسيجري تخصيص مليار شيكل (270 مليون دولار) آخر لنمو قطاع التكنولوجيا الفائقة و2 مليار شيكل (540 مليون دولار) لدفع قطاع العقارات وملياري شيكل (540 مليون دولار) إضافية لتعزيز فرق الحراسة في البلدات وتعزيز الشرطة.

في المقابل، وجه سموتريتش ضربة اقتصادية كبيرة لقطاع الصحة، إذ قلصت موازنته بـ275 مليون شيكل (74 مليون دولار)، وأشار مسؤولون في الوزارة إلى أن أضراراً ستلحق بمجالات تطور الطفل وفحوص الرنين المغناطيسي وتقليص انتشار مرض السكري في المجتمع العربي، كما تقرر رفع ضريبة الصحة لمؤمني صناديق المرضى الذين لا يعملون، ومن دون استثناء الذين يتلقون مخصصات الإعاقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووصلت خطة التقشف التي أعدها سموتريتش لتطاول موازنة جهاز التعليم التي قلصها بـ400 مليون شيكل (108 ملايين دولار)، بينها 100 مليون شيكل (27 مليون دولار) من موازنة التعليم العالي التي يفترض أن تسهم في الأبحاث العلمية والأكاديمية التي من شأنها زيادة النمو الاقتصادي في المستقبل.

 وحذر رؤساء الجامعات الإسرائيلية الكبرى من أخطار هذا التقليص، موضحين أن الحكومة تعتزم تنفيذ تقليص آخر عام 2026، ولم يكتفِ وزير المالية الإسرائيلي بتلك التقليصات، بل قلص كذلك من موازنة وزارة المواصلات بـ769 مليون شيكل (208 ملايين دولار سنوياً) للأعوام الثلاثة المقبلة، وضمن ذلك تقليص الموازنة السنوية للشركات التي تنفذ مشاريع بنية تحتية مثل توسيع وتحسين وصيانة الشوارع، كما ستتأثر المواصلات العامة بتقليص موازنة الوزارة، وفي موازاة ذلك، يتوقع رفع رسوم ترخيص المركبات.

وتتضمن قائمة البنود التي قد تتعرض للتقليص والتقشف الشديد من الموازنة، خفض المزايا الضريبية على صناديق التدريب المتقدم والمعاشات التقاعدية وتجميد مخصصات الشيخوخة والإعاقة وزيادة ضرائب البلديات الكبرى (القدس وتل أبيب وحيفا) ورسوم بيع وشراء المساكن (الأرنونا) التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة 30 في المئة في مدفوعات هذه الضريبة من قبل الشركات والسكان. ولعل أكبر التحديات التي تواجه وزارة المالية الإسرائيلية لتوفير 40 مليار شيكل (10.75 مليار دولار) الحصول على موافقة على الضريبة على أرباح الشركات التي تظل غير موزعة (على المساهمين) لفترة طويلة من الزمن، وهذا الإجراء وحده من المفترض أن يدرّ إيرادات 10 مليارات شيكل (2.68 مليار دولار) عام 2025.

رفع الضرائب

على رغم ادعاء سموتريتش بأنه لن تكون هناك ضرائب جديدة، إلا أن واقع الإسرائيليين وما أثاروه من انتقادات واسعة النطاق خلال الحرب برهنا عكس ذلك، ورزمة من التعديلات المالية التي وضعت في الموازنة بقيمة 40 مليار شيكل (10.75 مليار دولار) وتشكل اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تتضمن في معظمها ضرائب جديدة، منها ارتفاع ضريبة القيمة المضافة (المشتريات) بواحد في المئة لتصبح في مطلع 2025 18 في المئة.

وبحسب التقديرات، فإن كل واحد في المئة من ضريبة المشتريات يعادل نحو ثمانية مليارات شيكل (2.16 مليار دولار) سنوياً، ولمنع تراجع مداخيل خزانة الضرائب بما بين ثلاثة مليارات إلى أربعة مليارات شيكل (810 مليارات دولار إلى 1.8 مليار)، أقر سموتريتش عدم تعديل تدريج ضريبة الدخل عام 2025 الذي عادة يتم تعديله بموجب نسبة الغلاء (التضخم) في السنة المنتهية التي ستكون بحسب التقديرات نحو ثلاثة في المئة.

 

 

تتبنى توقعات وزارة المالية الإسرائيلية، رفع معدل الضريبة الإضافية من ثلاثة إلى خمسة في المئة بما سيعود على الدولة بمليار شيكل (267 مليون دولار) عام 2025، و1.5 مليار شيكل (400.5 مليون دولار) سنوياً لاحقاً. وترجح الوزارة نفسها أن يضيف توسيع نطاق تطبيق الضريبة الإضافية على الاستثمارات العقارية 420 مليون شيكل (112.13 مليون دولار) إلى الإيرادات عام 2025، و510 ملايين شيكل (136.16 مليون دولار) أخرى عندما ينضج الإجراء بالكامل عام 2029، وفقاً لما أوردته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية.

وقالت وزارة المالية إن حزمة التدابير التي طرحتها وزارة المالية لتضييق العجز المالي في موازنة إسرائيل لعام 2025 غير كافية، على عكس إعلان سموتريتش الذي يأمل في الاقتراب قدر الإمكان من مستوى العجز المالي المخطط له بنسبة أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأوصت دائرة الموازنات في وزارة المالية في الماضي بإلغاء 10 وزارات وصفتها بأنها "غير ضرورية"، لكن لا يتوقع أن تنفذ الحكومة هذه التوصية، وفق ما ذكر محللون اقتصاديون.

وبحسب التقديرات، كل هذه الإجراءات ستنتقص من القدرة الشرائية عند الإسرائيليين بما لا يقل عن 20 مليار شيكل (5.4 مليار دولار)، قبل احتساب الغلاء المتوقع استمراره في العام المقبل، وإن كانت الأرقام تشير إلى أن تكون نسبة الغلاء نحو 2.5 في المئة وتضاف إلى كل هذا الفائدة البنكية العالية التي هي الآن بالمجمل ستة في المئة كفائدة أساسية، عدا النسب التي تضيفها البنوك إلى القروض والسحب الزائد. ووفقاً للحسابات، فإن كل واحد في المئة فائدة يعادل أكثر من خمسة مليارات شيكل سنوياً (1.3 مليار دولار). وكانت الفائدة الأساسية حتى أبريل (نيسان) من عام 2022، عند 1.6 في المئة.

وانتقد رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة يائير لبيد هذه الموازنة، قائلاً إنها "ستزيد إنفاق كل أسرة في إسرائيل بمقدار 20 ألف شيكل (نحو 5000 دولار) سنوياً".

غضب وتهديد

حزمة التدابير المالية التي طرحها وزير المالية الإسرائيلي لتضييق العجز المالي في الموازنة الجديدة لعام 2025 أثارت غضب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لدرجة أنه وصف سموتريتش بـ"المتغطرس والجاهل"، وعزت صحيفة "إسرائيل اليوم" استياء بن غفير من سموتريتش إلى تصريح أدلى به الأخير للصحافيين قبل أيام، انتقد خلاله مطالبة بن غفير بمضاعفة موازنة وزارة الأمن القومي إلى 20 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار)، واعتبر أن بن غفير يطالب بمضاعفة موازنة وزارته "من دون تحقيق أي نتائج".

ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استدعى الوزيرين إلى مكتبه من أجل حل الخلاف العلني بينهما، إلا أن بن غفير رئيس حزب "عوتسما يهوديت" وبعد فشل المفاوضات مع وزارة المالية حول مخصصات الأولى من موازنة عام 2025، هدد بأنه سيصوت ضد موازنة الدولة في الحكومة والكنيست.

وعلى رغم انتماء الوزيرين لأحزاب يمينية متطرفة، سجلا مواجهة حادة بينهما في وقت سابق على خلفية أزمة نقص الأماكن في السجون، حيث إن مطالب بن غفير خلال لقائه مع سموتريتش لتمويل خطة لبناء خمسة آلاف مكان احتجاز جديد في السجون الإسرائيلية قوبل بالرفض، ونقلت صحف إسرائيلية عن مصادر مطلعة أن نتنياهو أمر بإيجاد حل للبناء الفوري لـ470 مكان احتجاز في السجون، لكن مشكلة الموازنة لم يتم حلها.

 

 

إلى جانب بن غفير، أعلن نواب كتلة تحالف "يهدوت هتوراة" المتشدد أنهم سيمتنعون عن التصويت على الموازنة، حتى يتم تحقيق مطالبهم، ومن بينها تسوية أزمة موازنة التربية والتعليم الخاصة باليهود المتشددين دينياً "الحريديم". وقال الحزبان الدينيان اللذان يشغلان 18 مقعداً من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعداً الأسبوع الماضي، إنهما "لن يشاركا في التصويت في الجلسة العامة لحين موافقة الحكومة على حصول المعاهد الدينية التي تعمل بنظام تعليمي منفصل على المزايا نفسها التي تحصل عليها المدارس الحكومية، بخاصة برنامج الأفق الجديد الذي يزيد عدد الساعات الدراسية ويرفع بصورة حادة أجور المعلمين"، في حين أعلن وزير العمل يوآف بن تسور من حزب "شاس" الديني لـ"الحريديم" الشرقيين، رفضه تجميد راتب الحد الأدنى، خصوصاً أنه بحسب اتفاق سابق، يجب رفع راتب الحد الأدنى في رواتب أبريل 2025.

وأعلنت مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني) من جهتها اعتراضها على تجميد مخصصات الشرائح الفقيرة والضعيفة، ومن بينها المسنون، وأولئك من بينهم الذين يتلقون مخصصات لتكملة مدخولهم الشهري لرفعهم إلى فوق خط الفقر، ومخصصات ذوي الحاجات الخاصة والعاطلين من العمل، وقالت في بيان إن "على الحكومة أن تبحث عن تقليصات في مكان آخر، وليس لدى هذه الشرائح".

وفي وقت تشبّ الصراعات والخلافات داخل الحكومة حول الخفوضات في بنود الإنفاق المختلفة وتجميد الزيادات في الأجور وزيادة الضرائب والرسوم والتهديد بتأخير الموافقة على مشروع الموازنة في الكنيست لإسقاط الحكومة، أجاب سموتريتش رداً على الاتهامات الموجهة له ولاقتراحاته، أن هذه الموازنة "مسؤولة وشاملة، توزع العبء بين جميع مكونات المجتمع الإسرائيلي من دون إثقال قطاع أو آخر"، وفق رأيه. وفي حال عدم إقرار الموازنة بحلول الـ31 من مارس (آذار) 2025، فسيؤدي ذلك من الناحية الدستورية إلى حل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير