ملخص
يخشى المراقبون في الولايات المتحدة الأميركية من أن يزداد عدد أحكام الإعدام المنفذة داخل البلاد في حال فاز الرئيس دونالد ترمب بولاية رئاسية أخرى.
يمتد سجل دونالد ترمب في تبني عقوبة الإعدام واستغلالها كأداة سياسية في القضايا العرقية لأعوام طويلة، إذ برز اسمه على المستوى الوطني عندما نشر إعلاناً على صفحة كاملة في صحيفة "نيويورك تايمز" مطالباً بإعادة فرض عقوبة الإعدام داخل نيويورك، وذلك في أعقاب قضية عرفت باسم "مجموعة سنترال بارك الخمسة" اتهم فيها خمسة أشخاص باغتصاب امرأة بوحشية أثناء ممارستها رياضة الجري.
ودين خمسة مراهقين من الأقليات بناء على اعترافات انتزعت منهم قسراً دون أدلة حسية، ليُبرأوا لاحقاً بفضل الأدلة الجينية، إلا أن الرئيس السابق دونالد ترمب رفض الاعتذار عن موقفه، بل أشار في المناظرة الرئاسية الأخيرة إلى وجود سرديتين عن الحادثة، وذكر خطأً أن الضحية توفيت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بداية هذا العام، دعا دونالد ترمب إلى إعادة فرض عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات، مؤكداً أن "المشكلة لن تحل من دون تطبيق عقوبة الإعدام"، وأشاد بسرعة تطبيق الصين لهذه العقوبة على جرائم مماثلة وذلك عقب محاكمات سريعة.
وأشار إلى أن الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة مارك ميلي ارتكب ما وصفه بخيانة تستوجب حكم الإعدام. واستمر في تكرار دعوته لتطبيق هذه العقوبة على كل مهاجر يقتل أميركياً، بما في ذلك خلال تجمع حاشد داخل "ماديسون سكوير غاردن" أقيم أخيراً بنيويورك.
لم يكن هذا مجرد خطاب انتخابي بالنسبة إلى أتباع حركة "ماغا". إذا فاز ترمب ستشكل ولايته الأولى إنذاراً لما سيحدث لاحقاً. فخلال الأيام الأخيرة من عام 2020، صادق ترمب على تنفيذ عدد كبير من أحكام الإعدام، إذ شهد ذلك العام تنفيذ أكبر حصيلة إعدامات منذ عام 1896 خلال عهد الرئيس غروفر كليفلاند الثاني.
وبلغ عدد أحكام الإعدام خلال الأشهر الأخيرة 13 حكماً، وبذلك أُنهي تعليق لتنفيذ العقوبات الفيدرالية استمر لأكثر من 40 عاماً، شهدت خلالها البلاد إدارات جمهورية وديمقراطية على حد سواء.
ومن المحتمل أن يسعى ترمب إلى التفوق في كليفلاند إذا فاز بولاية رئاسية ثانية، إذ تتضمن خطة "مشروع 2025" المكونة من 900 صفحة توصية بأن تبذل إدارة ترمب كل ما بوسعها لتحقيق "العدالة النهائية" لـ44 سجيناً حالياً في طابور الإعدام الفيدرالي، والمقصود بذلك تنفيذ أحكام الإعدام في حقهم جميعاً.
وكان ترمب أنكر أية صلة بـ"مشروع 2025"، إلا أن سجله في هذا الشأن واضح لا يخفى على أحد. فنفذت إدارته في البداية أحكام إعدام بحق ستة رجال بيض ورجل من السكان الأصليين، فيما كان سبعة من آخر ثمانية أشخاص أعدموا من ذوي البشرة السوداء (والثامن امرأة مصابة بإعاقة ذهنية).
وحصل عديد من السجناء على قرارات تأجيل من محاكم أدنى، لكن ألغيت هذه القرارات بسرعة من قبل المحكمة العليا التي كان يسيطر عليها ترمب، والتي أظهرت عدم تسامح ينم عن غضب إزاء أي تأخير في تنفيذ الأحكام.
ومن بين السجناء المتبقين في طابور الإعدام الفيدرالي اليوم، يمثل 56 في المئة منهم من أصول أفريقية أو لاتينية أو آسيوية. وفي هذا الصدد، أصدرت منظمة "ريبريف" التي أترأسها في الولايات المتحدة أخيراً تحليلاً شاملاً لكل حالة إعدام فاشلة منذ إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، والتي غالباً ما أدت إلى وفيات طويلة ومؤلمة.
وبلغ مجموع هذه الإدانات 73 حالة وهو عدد مرتفع بحد ذاته، لكن عدد ذوي البشرة السوداء الذين تعرضوا لهذه الحالات بلغ ضعف عدد البيض. وحتى خلال لحظاتهم الأخيرة واجه المدانون السود التمييز العنصري الذي يخيم على "آلات الموت"، كما وصفها القاضي بلاكمون عام 1994 عندما رفض تأييد أية أحكام إعدام أخرى، بينما ليس لدى المحكمة العليا الراهنة أية تحفظات في شأن ذلك.
ويدعو "مشروع 2025" إلى إفراغ سجون الإعدام الفيدرالية عبر توسيع نطاق تطبيقها لتشمل جرائم أخرى، متجاوزاً القيود الدستورية، بل ويوصي بأن تسعى وزارة العدل إلى فرض عقوبة الإعدام على "الجرائم المنطبقة -وبخاصة البشعة التي تتضمن العنف والاعتداء الجنسي على الأطفال- إلى أن يقر الكونغرس تشريعاً مخالفاً".
وفي قرار صدر عام 2008 قضت المحكمة العليا الأميركية بأن عقوبة الإعدام لا تطبق إلا في جرائم القتل، حتى في الحالات الأكثر فظاعة. ففي قضية "كينيدي ضد لويزيانا" أكدت المحكمة -وإن كانت محافظة نسبياً- على عدم دستورية عقوبة الإعدام في الجرائم التي لا تسفر عن القتل، بما في ذلك حالات الاعتداء على الأطفال، وذلك بموجب التعديلين الثامن والـ14 للدستور الأميركي.
ويتبع مشروع 2025 استراتيجية إدارة ترمب ويدعو المحكمة العليا إلى الاستفادة من غالبيتها الجديدة لإبطال القرارات التي لا تتماشى مع توجهاتها. ويشمل هذا التوجه المطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم غير القاتلة، مما يفتح الباب أمام نزاع قانوني جديد شبيه بقضية "دوبس" التي أسفرت عن إلغاء قرار "رو ضد وايد" في شأن الإجهاض، لكن هذه المرة يرتبط بعقوبة الإعدام.
إن منع ترمب من تولي فترة رئاسية ثانية سيسهم بصورة مباشرة في الحفاظ على حياة 44 فرداً مدانين بأحكام إعدام وكذلك الحد من توسيع نطاق عقوبة الإعدام الفيدرالية، ولكن بإمكان بايدن اتخاذ خطوة فعالة الآن، وعدم انتظار حدوث تغيرات على المشهد السياسي الأميركي، والمبادرة بتخفيف تلك الأحكام إلى السجن المؤبد.
وأوضح ترمب في ما يخص مؤيديه ووعوده لمثيري الشغب في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن أية قرارات رئاسية تصدر بخصوص العفو وتخفيف العقوبات تكون نهائية ولا يمكن التراجع عنها. وينبغي على بايدن تسخير سلطته وصلاحياته لإنقاذ الأرواح والحد من السياسات العنصرية البائسة لعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة.
إريك لويس محام في مجال حقوق الإنسان وعضو في مجلس إدارة صحيفة "اندبندنت".
© The Independent