لم يكن أي من المرشحين المفترضين للانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر، بمعزل عن المعارك الافتراضية التي تُخاض على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستعرض الخصوم "أرشيفاً من تاريخ" أخصامهم، فيعرضون مقاطع فيديو لهم وهم يعلنون الولاء المطلق للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أو ينشرون صوراً تجمعهم بأحد رجال الأعمال المسجونين في قضايا فساد، إضافة إلى تسريبات صوتية لمكالمات هاتفية جرت بين سياسيين أو ناشطين وصحافيين مع وجوه تُصنَّف من ضمن رموز النظام المنهار.
وتتجاوز رؤية الجزائريين للانتخابات الرئاسية المقبلة المطالب المعهودة في الأنظمة الديمقراطية، فليس في اهتمامات المتابعين أولويات اجتماعية تتصل بمشكلات يعاني منها الجزائري في يومياته، من سكن وعمل وقدرة استهلاكية، بل يطرحون سؤالاً أوحد على كل مَن أطل برأسه مرشحاً مفترضاً لخلافة الرئيس المستقيل، وهو "ما علاقتك بنظام بوتفليقة؟".
وجعل الجواب عن هذا السؤال من مواقع التواصل الاجتماعي محطة ضخمة لـ"أرشيف المرشحين"، فالمنصات الرقمية باتت مجالاً لمعارك افتراضية، وقودها تصريحات ومواقف سابقة سواء كانت حديثة العهد مع نظام بوتفليقة أو قديمة، فالرجل حكم البلاد 20 سنة كاملة، فبات من النادر العثور على شخصية "غير متورطة" ولو بمصافحة مع بوتفليقة أو أي من الشخصيات التي أحاطت بحكمه حتى لو كان عمر المصافحة 20 سنة خلت.
وتنقسم "معركة فيسبوك" وهو الموقع الأكثر استخداماً في الجزائر، بين طرفين رئيسيين، الطرف الأول هو "الجيوش الإلكترونية" التي تناصر أحد المرشحين، بينما يتمثل الطرف الثاني برافضي إجراء الاستحقاق الرئاسي والمتمسكين بالحراك الشعبي الملتزمين شعار "لا للانتخابات".
أما المستوى الثاني من الخلافات فيدور بين أنصار الانتخابات أنفسهم، حيث يتبادلون الاتهامات الموثقة تحت شعار "هذا أرشيفكم"، حيث تتم مشاركة تسجيلات مصورة لمرشحين للرئاسة، يمجدون أحياناً فيها بوتفليقة أو يحلفون بأغلظ الإيمان بأنه الرجل المخلّص لأزمات البلاد حتى وهو يستعد للترشح لولاية خامسة.
"أسلحة غير تقليدية"
ولا تهم الفترة التي عمل فيها أي مرشح محتمل للرئاسة مع نظام بوتفليقة، بل وليس مهماً أيضاً عمر علاقته بالرئيس السابق، فعلي بن فليس "الخصم الأزلي" لبوتفليقة منذ عام 2004، متهم بدوره بأنه "أحد رموز النظام السابق"، على الرغم من تقلده مناصب عليا بتكليف من بوتفليقة ما بين العامين 1999 و2003، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بصور للرجل سواء جمعته ببوتفليقة أو بمدير ديوان الرئاسة الراحل العربي بلخير أو غيره.
أما الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي عزالدين ميهوبي، فأثار ترشحه المفترض موجة سخط كبيرة بحكم أنه تولى منصباً وزارياً في آخر حكومة قبل سقوط بوتفليقة. وميهوبي شاعر وكاتب محسوب على النظام السابق منذ تأسيس التجمع قبل ربع قرن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الإعلام خارج اللعبة
سهام الانتقادات التي توجه إلى الإعلام الجزائري بشكل مركّز، لا سيما من قبل الحراك الشعبي، حولت وسائط اجتماعية رقمية إلى البديل الأول عن الإعلام المحلي التقليدي الذي خرج من اللعبة الرئاسية والسياسية تماماً. وتتعرض القنوات التلفزيونية والصحف الجزائرية لسيل من النقد، إذ لم تعد تغطي مسيرات الجمعة بالشكل الكافي، في مقابل "تشجيعها" تنظيم الانتخابات الرئاسية بحجة أن "الحراك الشعبي لم يعد وطنياً كما كان في بداياته".
وفي تشخيص لهذا المشهد، قال الكاتب الصحافي جلال بوعاتي إن "مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى منصات لنشر الأخبار بالصورة والصوت، وأحياناً كثيرة إلى مصدر لمعلومات ذات قيمة أرشيفية، تثير الجدل وتضع له حداً إذا ما تعلق بقضية ذات اهتمام محلي واسع".
وشكّل هذا الخيار منعطفاً، اختار خلاله الرافضون إجراء الانتخابات، "اقتحام" منصات التواصل الاجتماعي، فيما برز طرف على الجهة المقابلة يبدو مسانداً بشدة لتلك الانتخابات ولخيارات المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى. وظهرت مصطلحات وأفكار حديثة العهد في الشارع الجزائري يقول خبراء سياسيون إنها خطيرة على مفهوم وحدة الجزائريين، إذ تصنّف المواطنين بين فئتين لا ثالث لهما، فإما يتبع المواطن الجزائري الـ"فرنكو علمانية" أو يكون "باديسي نوفمبري" (باديسي يُنسب إلى عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين، ونوفمبري أي المرتبط ببيان ثورة التحرير الجزائرية في 1 نوفمبر 1954 الذي نص على إنشاء دولة اجتماعية ضمن المبادئ الإسلامية)، وذلك بحسب موقفه من المشهد السياسي، فيُنسب إلى الفصيل الأول في حال كان ضد الرئاسيات، أو للفصيل الثاني إن كان مع إجرائها بالظروف الحالية.
واعتبر بوعاتي أن "الحراك الجزائري لم يكن استثناءً، إذ شكّل موقعا فيسبوك ويوتيوب وسيلةً سهلة والأكثر تأثيراً في اتجاهات الرأي لدى شرائح واسعة من المجتمع وبخاصة لدى المتظاهرين كل يوم جمعة، الذين يعترف جزء كبير منهم بأنهم خرجوا إلى الشارع للتظاهر بناءً على ما تلقوه من رسائل على فيسبوك من دون أن يتحققوا من صحتها".
ولفت بوعاتي إلى أن "وسائل الإعلام التقليدية تقف عاجزة تماماً عن مجاراة السيل الهائل للأخبار الصحيحة والكاذبة، وتجد نفسها مضطرة إلى التعامل معها بإعادة نشرها معززةً إياها بتعليقات وتصريحات المعنيين بالذكر فيها إما بالتأكيد أو النفي، لكن من دون أن يكون لذلك تأثير كبير لدى المتلقين والقراء، لأن النشر أو البث كثيراً ما يكون متأخراً زمنياً".