Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المنصوري يعود من الفضاء...والعين على مشروع عربي مشترك في السماء

العرب سجلوا حضوراً وزخماً في الألفية الجديدة بين أمم الأرض المولعة بقرع أبواب السماء

بعودة رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري من رحلته نحو المحطة الدولية، يكون العرب سجلوا حضوراً وزخماً في الألفية الجديدة بين أمم الأرض المولعة بقرع أبواب السماء.

وإذا ما أضيف المنصوري إلى السعودي الأمير سلطان بن سلمان في 1985م والسوري محمد فارس في 1987م يكون لدى العرب ركْب من رواد الفضاء، جميعهم ملؤوا أمتهم لحظات الصعود والهبوط شغفاً بالطيران في الجو، الذي ظلت المناهج في دولة مثل السعودية ترسخ في أذهان التلاميذ أسبقية العرب لبداياته الأولى، فكانت من جُمل كتاب خط النسخ الخالدة "أول من بدأ الطيران في الجو المهندس العربي العباس بن فرناس". وهو أندلسي عاش في زمن الأمويين بالأندلس في بدايات القرن التاسع الميلادي.

المهمة الأكبر تبدأ بعد الهبوط؟

لكن سوى ذلك الشغف والتغني بأمجاد الفضاء، لا يزال النقد الذاتي يتردد عربيا "وماذا بعد"؟ ولذلك أعلنت كل من السعودية والإمارات برامج فضائية استراتيجية، تتجاوز دهشة الصعود فوق الغلاف الجو، إلى الاستثمار  في أبحاث الفضاء وأقماره الاصطناعية، للأغراض المدنية والعسكرية والمناخية.

وتقول الإمارات، إنها أسست برنامجاً لرواد الفضاء، تأتي رحلة المنصوري في سياقه وليست هي النهاية، وأنها أطلقت المهمة ضمن برنامج الإمارات الوطني للفضاء "بهدف تدريب وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين وإرسالهم إلى الفضاء للقيام بمهام علمية مختلفة، ويمثل هزاع المنصوري وسلطان النيادي الدفعة الأولى للبرنامج من أصل 4022 متقدماً، وتدربا على مهمة الانطلاق الى محطة الفضاء الدولية في 25 سبتمبر (أيلول) 2019 في مركز يوري غاغارين لتدريب رواد الفضاء في موسكو بموجب اتفاقية ما بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس). هزاع المنصوري هو رائد الفضاء الأساسي لهذه المهمة، بينما سلطان المنصوري هو البديل للمهمة".

وفي مناسبة صعود المنصوري بوصفه أول رائد فضاء عربي يتجه إلى المحطة الدولية، أعلن الإماراتيون أن أهداف البرنامج الاستراتيجية أبعد، إذ تروم بناء اقتصاد قائم على المعرفة والبحث العلمي، والمساهمة في بعثات استكشاف الفضاء العالمية من خلال تطوير وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين، إلى جانب "تحفيز وإلهام الأجيال الشابة على الاهتمام بدراسة مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتشجيع ثقافة البحث العلمي، والاستكشاف والابتكار، فضلاً عن ترسيخ مكانة دولة الإمارات كشريك عالمي في رحلات الفضاء المأهولة".

"عيون على الأرض"

فيما أسست مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية السعودية هي الأخرى برامج عدة للفضاء في البلاد، من أهمها نظام "عيون على الأرض"، كما أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أشرف على إطلاق القمر الاصطناعي السعودي الأول في المدار الثابت على ارتفاع عال جداً، بعد إطلاق 15 قمراً اصطناعياً في المدارات القريبة من الأرض في سنوات مضت.

ويهدف مشروع (SGS-1) الذي جاء القمر ضمنه وهو الذي حمل أيقونة "فوق هام السحب"، إلى تقديم منظومة اتصالات آمنة للجهات الأمنية والعسكرية على نطاق Ka على المدار 39 درجة شرقاً.

ويحوي القمر مثلما تقول المدينة "حمولة متعددة الحزم منها حزمتان متحركتان توفر سعة تتعدى 34 قيقا بت في الثانية، وبعمر افتراضي يبلغ 15 سنة، وتشمل تغطيته الاتصالية منطقة الجزيرة العربية وشمال أفريقيا وأجزاء كبيرة من جنوب أوروبا".

لكن القمر الذي أطلق بتعاون مع فرنسا هذه المرة، ليس المشروع الوحيد، إذ يأتي ضمن منظومة أخرى، بينها على سبيل المثال، نظام "عيون على الأرض" الذي ترجح مدينة التقنية بلوغه مرحلته النهائية في غضون أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل.

مراقبة سعودية للبراكين والفيضانات

وهو عبارة عن منصة عبر بوابة ناسا الإلكترونية "تقوم بتمثيل مذهل ومفهوم لبيانات عالمية مناخية يتم الحصول عليها في وقت شبه فعلي عن طريق أسطول وكالة الفضاء الأمريكية (NASA). "عيون على الأرض" يقوم بعرض العلامات الحيوية لكوكبنا، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، وتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ومستوى أوزون القطب الجنوبي. يتيح التطبيق تتبع حركة المياه في جميع أنحاء العالم باستخدام خريطة الجاذبية من الأقمار الصناعية (Grace). حيث يمكن عن طريق خريطة درجة حرارة سطح الأرض التحقق من درجات الحرارة العالمية وسخونة وبرودة المناطق على الأرض. وبالتحقق من أول أكسيد الكربون بالإمكان تتبع الاندلاع البركاني، وحرائق الغابات. يهدف البرنامج إلى تقديم نظام لعلوم الأرض والفضاء".

وتقوم استراتيجية المدينة بشكل عام على "نقل التقنيات المتعددة في مجال الفضاء وتوطينها، وذلك من خلال معهد بحوث الفضاء والطيران ومراكزها الوطنية المتخصصة في مجالات تقنيات الطيران والأقمار الصناعيّة والمحرّكات النفّاثة والفلك والجيوديسيا والملاحة، من خلال إجراء البحوث والدراسات، وتطوير التطبيقات المختلفة والمشروعات التي تصب في مجال الفضاء ومنها الدراسات الفلكيّة ودراسة النشاط الشمسي ومراقبته، والتداخل بين الرياح الشمسيّة والغلاف المغناطيسي الأرضي، وتأثيرات العواصف المغناطيسيّة على الاتصالات وشبكة الكهرباء وأنظمة تحديد المواقع الجغرافيّة".

أم الدنيا "أم الفضاء" 

ولدى جمهورية مصر العربية برنامج تقول هي الأخرى طموح في مجالات عدة، إذ كانت أم الفضاء أيضاً عربياً مثلما تعرف بأنها "أم الدنيا"  بوصفها أول دولة عربية حسب احصاءاتها تدخل مجال الفضاء من بوابة الاتصالات، منذ 1998م لدى إطلاقها مشروعها الأول "نايل سات".

ويهدف برنامج الفضاء المصري إلى تطوير استخدامات تكنولوجيا الفضاء، واكتساب وتوطين تكنولوجيا صناعة الفضاء، حيث تطمح إلى إقامة مركز لتجميع وصناعة الأقمار الصناعية على أرضها، بمساعدة صينية. وأعلنت الجهات المعنية في الدولة قبل نحو عامين أنه تم الاتفاق على تصنيع أول قمر مصري، 2019، بالتعاون مع الصين، وأن القاهرة هي الأخرى ستطلق قمرا صناعيا باسم "مصر سات 2" خلال 2021-2022. يأتي ذلك في وقت صادق فيه البرلمان على مشروع قانون مقدم من الحكومة لإنشاء "وكالة فضاء" مصرية.

أما دول المغرب العربي الكبرى المغرب والجزائر فإنهما أيضا تتسابقان في إطلاق الأقمار والإنفاق على الأبحاث، لكن من دون تنسيق بسبب التوتر الممتد في العلاقات السياسية بين البلدين.

ماذا عن وكالة فضاء عربية؟

وفي حين تعد كلفة التقنيات الفضائية عالية، والحاجة إليها ملحة يرى مختصون في علوم الفضاء العرب مثل المصري الدكتور عمر فكري ان التسابق العالمي حول الريادة في المهمات الفضائية ذات الجدوى الكبرى، تحتم على الدول العربية إحياء تعاونها في إطلاق مشروع عرب سات، لإنشاء وكالة فضاء عربية موحدة مثل ما فعل الأوروبيون، تحت مظلة جامعة الدول العربية.

ويفاخر عرب كثر بعلمائهم في مجال الفضاء خصوصا اولئك الذين حظوا باستقطاب أشهر وكالات الفضاء في العالم "ناسا"، وكان من أشهرهم قديما العالم المصري فاروق الباز، وحديثا المغربي كمال الودغيري صاحب مهمة الهبوط على المريخ، إذ شارك في المهمة عام 2014 على سطح الكوكب الأحمر، وكان من ضمن فريق إنزال المركبة الفضائية، وفي الوكالة مغربيتان غيره، كما تتحدث تقديرات لعدد ممن عملوا في ناسا مجتمعين من العرب، بنحو 20 شخصاً، من أصل ما يزيد عن 17 ألف عالم وموظف في الوكالة من مختلف الأعراق والجنسيات.

ويعزز أهمية العمل العربي المشترك في هذا الحقل تكاليف المهمات الفضائية الباهظة مهما بدت بسيطة، ناهيك عن بناء المحطات الروسية القديمة والدولية الحالية التي صعد إليها الرائد الإماراتي، بما يجعل التعاون خيار لا مفر منه، فالشراكة هي طبيعة هذا النوع من الأعمال الصعبة، فالمحطة الدولية على سبيل المثال شارك في بنائها 15 دولة بتكلفة إجمالية بلغت 100 مليار دولار في مهمة استدعت 136رحلة فضائية حسب أرقام مركز الفضاء الإماراتي، واستقبلت حتى الآن 200 رائد فضاء، وهي التي تبعد عن الأرض 400 كيلو متر.

وربما كانت  القناعة بضرورة التعاون في هذا الحقل، بين الأسباب التي دفعت المجلس السعودي الإماراتي إلى " اعتماد الفضاء كقطاع محوري للتعاون عبر تأسيس قاعدة للبحث والتطوير الفضائي، بما يخدم أهداف المجلس ومصالح البلدين الشقيقين، ويسهم في الوقت ذاته بالمشاركة الفعلية في الجهود الدولية لاستكشاف الفضاء الخارجي، وتشجيع وتطوير استخدام العلوم والتقنيات الفضائية، بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد الوطني من خلال قطاع فضائي مشترك ومتطور".

الوعي الشعبي و"ناسا بالعربي"

ومع أن التعاون العربي في المجال الفضائي بدأ مبكراً من خلال "منظمة الاتصالات الفضائية العربية" المعروفة اختصاراً بـ"عرب سات" تحت مظلة جامعة الدول العربية، التي تملك السعودية والكويت فيها الحصة الأكبر، إلا أن الزخم الشعبي الذي أحدثته رحلات رواد الفضاء العرب ابتداء بالأمير سلطان بن سلمان مروراً بالسوري محمد فارس وانتهاء بنجم الألفية الجديدة هزاع المنصوري، يمكن أن تعيد الشغف بعلوم الفضاء إلى ذروته.

وكان شبان عرب متطوعون أطلقوا مبادرات عبر منصة سموها "ناسا بالعربي" منذ 2013، قالوا إن نطاقها اتسع "بجهود مجموعة من المتطوعين الذين يجمعهم إيمان عميق بأهمية العلم والعمل التطوعي ودورهما في تمكين المجتمعات والنهوض بها وتطويرها، وقاموا بنشر وترجمة حوالي 4000 مقال في مجالات علمية مختلفة، أسهم فيها ما يزيد عن 250 متطوعاً ومتطوعة مؤهلين للقيام بالأدوار الموكلة إليهم في المبادرة كلّ حسب موقعه وتخصصه".

وحاولت " ناسا بالعربي" أن تسهم في تأصيل الوعي بأهمية العلم بوصفه العامل الأكثر أهمية في تطوّر الشعوب ورفع مستوى وعيها والارتقاء بها، وإزاء ذلك فإنّ أهدافنا ترتبط على نحو جذري برؤى طموحة عن مستقبل مشرق أساسه العلم بما يوفره من فرص للتفوّق والتطوّر في مختلف مجالات الحياة، كما يقول مؤسسوها.

 ولخصوا أهدافهم في "تعزيز الوعي بقيمة العلم وأهميته على نحو يسهم في بناء مجتمع مؤمن بأهمية البحث العلمي. رفد المحتوى الرقمي العربي بموادّ علمية منتقاة بعناية من أفضل المجلات والمواقع العلمية المرموقة. خلق بيئة إلكترونية تمنح الناطقين بالعربية فضاءً واسعا لمواكبة أبرز المستجدات والأحداث العلمية، وتوفّر لهم فرصةً للاطلاع على آخر البحوث والدراسات في مجالات متنوعة. توفير مادة علمية قيّمة وموثوقة المصدر للطلاب والمختصين في مختلف المجالات العلمية".

هكذا أصاب طيار"اف16" عواطف العرب

أما الرائد هزاع المنصوري بفضل تقدم وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، يتوقع الإماراتيون أن تحقق رحلته صدى أشمل من سابقاتها العربية، وتعود بمزيد من الإلهام أكثر على مواطني العرب والمسلمين في أرجاء المعمورة.

وبين الأساليب التي وظفها رائد الفضاء الاماراتي في جذب أنظار الخليجيين وحبس أنفاس العرب والمسلمين إليه، تركيزه على نقاط تلامس الشغاف من قلوبهم أثناء تصويره محطات جولاته الفضائية، فمرة غرد بصورة لمكة المكرمة يتوسطها المسجد الحرام ودرة تاجه الكعبة المعظمة عند الملايين، وسط تفاعل كبير من متابعي رحلته. وهكذا عرف المنصوري ابن الـ35 كيف يثير عواطف قومه العرب، فوثق لحظات تثير اهتمامهم، فأصبح النقاش يدور حول صلاته ومصحفه، ولبسه الوطني، كما صور الإمارات العربية من الجو، وشمال افريقيا الذي يضم الشطر الآخر من العرب، مركزاً على مصر ونيلها من الفضاء الذي بدا خطاً ينساب نحو البحر بهدوء وحياة.

ولم يفت هزاع وهو طيار "اف16" الذي يعرف كيف يصيب الأهداف من أي نوع ربط تحقيق أمنيته بملهمة العرب منذ القدم "الصحراء ونجومها" فتناول صحراء الربع الخالي قائلاً "من هنا بدأ كل شي، من كثبان ليوا في الربع الخالي. نظرت للغيوم وحلمت بأن أصبح طياراً، ونظرت للنجوم وحلمت بأن أصبح رائد فضاء. واليوم أنظر إليك يا وطني من الطرف الآخر وأحلم أن أعود إليك لأقبل ترابك الطاهر بعد أن شارفت المهمة على الإنتهاء. حلم بدأ من الصحراء أعانق به الآن الفضاء".

ومثلما وظف الرائد السعودي قبله ابن سلمان جماهيريته في إنشاء واحة للعلوم وشجع على نشر مراكز تروّج لثقافة الفضاء والأفلاك بين الناشئة في مدن سعودية عدة، سيقوم المنصوري ومن خلفه الإمارات بتوظيف نجوميته في بث روح الإيجابية بين الشبان الخليجيين والعرب، في وقت يسود فيه الإحباط أقطاراً عربية عدة، جراء المحن والحروب والأزمات الاقتصادية والحرائق السياسية.

المزيد من الأخبار