ملخص
في ليلة حارة من أغسطس 1989 وقعت جريمة بدت غامضة ظاهرياً في أيامها الأولى، بعد العثور على الملياردير الكوبي خوسيه مينينديز وزوجته كيتي مقتولين في قصرهما الفاره في بيفرلي هيلز، في ما اتصل ابنهما الأكبر لايل بالشرطة عقب اكتشافه الجريمة وشقيقه الأصغر إيريك وقالا إنهما كانا في السينما وعادا ليجدا والديهما مقتولين.
يبدو أن حياة الأخوين مينينديز "أريك ولايل" وهما من أشهر المدانين بالقتل في تاريخ الولايات المتحدة ستظل دائماً مادة خصبة للدراما والتقلبات والمفاجآت القدرية. ومنذ عرض مسلسل "الوحوش" الذي يتناول قصة حياتهما وكيف أدينا في قتل والديهما وحكم عليهما بالسجن مدى الحياة من دون إمكانية الإفراج المشروط، أعادت الدراما تفاعل الملايين مع الأخوين اللذين سجنا في عمر 18 و21 سنة منذ نحو 35 عاماً وأثارت جدلاً واسعاً، بل وتزايد الاهتمام بالأدلة التي في صالح المتهمين.
الجدل المثار حالياً يرتبط بظهور أدلة جديدة في شأنها أن تسمح بإعادة محاكمة الأخوين المدانين بعد مطالبات مكثفة من الجمهور ومواقع التواصل الاجتماعي وعائلتهما بمنحهما فرصة جديدة وإطلاق سراحهما، بخاصة أن قضيتهما كانت بدافع التعرض للتحرش والاغتصاب من الأب، وحكم عليهما بأقصى عقوبة في وقت لم يعترف المجتمع بمدى وحشية ما تعرضا له والتأثيرات النفسية له.
ومسلسل "الوحوش" من بطولة خافيير بارديم الذي جسد دور الوالد خوسيه مينينديز، وكلوي سيفيني في دور الزوجة كيتي، وكوبر كوتش في دور إريك مينينديز، ونيكولاس ألكسندر شافيز في دور لايل مينينديز، وكتب العمل مؤلفا المسلسل الشهير "داهمر" ريان ميرفي وإيان برينان.
جريمة بيفرلي هيلز
في ليلة حارة من أغسطس (آب) عام 1989 وقعت جريمة بدت غامضة ظاهرياً في أيامها الأولى، بعد العثور على الملياردير الكوبي خوسيه مينينديز وزوجته كيتي مقتولين في قصرهما الفاره في بيفرلي هيلز، في ما اتصل ابنهما الأكبر لايل بالشرطة عقب اكتشافه الجريمة وشقيقه الأصغر إيريك وقالا إنهما كانا في السينما وعادا ليجدا والديهما مقتولين بغرفة المعيشة الرئيسة في القصر.
السلطات الأميركية كشفت عن أن خوسيه أصيب بست رصاصات بينما الزوجة كيتي بـ10 رصاصات في جريمة مروعة، لدرجة أن أجزاء من جسدي الأبوين كانت متناثرة في أرض الغرفة بصورة تثير الرعب، بحسب رجال الشرطة والمحققين.
ظن الشرطيون في البداية أن المافيا هي من نفذت الجريمة على خلفية خلافات للأب مع تلك العصابات وتورطه في أعمال غير مشروعة. واستبعدت السلطات وقتها لايل وأريك كمشتبه فيهما. لكن ما هي إلا أيام وبدأت الشرطة الشك في تورط الأخوين في الجريمة على رغم أنه لم يكن هناك أي أدلة تدعم هذا الاتجاه، إلا أن ما بدا غريباً المعنويات المرتفعة للشابين وإنفاقهما ببذخ أموالاً مبالغاً فيها بعد وفاة والديهما بأيام معدودة، واشتريا سيارات وساعات ومقتنيات في قائمة الرفاهيات تتعدى 700 ألف دولار، وكانا يمرحان ويلهوان بكل هدوء نفسي، وأقاما في أضخم فندق في المنطقة وقتها.
وكشفت الصدفة وحدها عن الدليل الدامغ الذي أحال الشقيقين على المحاكمة، حين صارح أريك ولايل معالجهما النفسي جيروم أوزيل بارتكابهما جريمة القتل، وشعر الطبيب بالرعب من خطورة الشقيقين ومدى ما وصلا إليه من خطر نفسي وإجرامي، فحاول حماية نفسه بالتسجيل لهما كإجراء طبيعي لأي مريض نفسي، ووعدهما بشرف المهنة أن هناك خصوصية حتمية تحمي هذه التسجيلات الخاصة بالجلسات ولا يمكن استخدامها تحت أي بند.
انتهاك السرية
لم يحتفظ المعالج النفسي بسر الأخوين كثيراً وسرعان ما حكى القصة لعشيقته كنوع من التأمين، وأخبرها عن أنه خبأ الشرائط المسجلة للقاتلين في أماكن محددة، لكن مع أول خلاف بين المعالج وعشيقته أبلغت على الفور السلطات في شأن جريمة الشقيقين ليجري اعتقالهما. وبعد محاكمة لايل وإريك في مقاطعة لوس أنجليس عام 1990 دينا بقتل والديهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن تعقدت الأمور الخاصة باستخدام هذه التسجيلات قبل إجراء المحاكمة بسبب احتمال انتهاك الأشرطة سرية الطبيب والمريض، واستمر الأمر قرابة العامين، وحكم القاضي المتخصص وقتها جيمس ألبريشت أن أشرطة المحادثات بين الأخوين والمعالج أدلة مقبولة، بخاصة أن المعالج ادعى منذ فترة أن لايل هدده وهذا ينتهك امتيازه كمريض وينتزع منه حق الخصوصية وعدم استخدام تسجيلاته مع الطبيب.
مفاجآت صادمة
المسلسل الذي أحدث ضجة فور عرضه في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي عبر منصة "نتفليكس" تناول كثيراً من المفاجآت التي جعلت العمل يفتح ملف القضية من جديد لمصلحة الأخوين القاتلين على رغم إدانتهما، خصوصاً بعد حديثهما عن أن والدهما الملياردير كان يعتدي عليهما جنسياً منذ طفولتهما.
واعترف الأخ الأكبر لايل أن والده اغتصبه في سن السادسة من عمره، وتعددت مرات التحرش والاغتصاب لدرجة حطمت طفولته، وهدده الأب بأن هذا سر عائلي وسيقتله إن أفصح عنه، ثم كانت المفاجأة الكبرى أن الأب فعل الجريمة نفسها مع الابن الأصغر أريك، واعتاد اغتصابه والانفراد به لممارسة الرذيلة معه حتى سن الـ18، أي قبل جريمة القتل بأيام، بل وأجبره على الكتمان بطريقة التهديد نفسها.
لم يتمكن أريك من الكتمان وصارح أخاه الذي شعر بصدمة كبيرة وذنب عظيم لأنه لم يحم أخاه الصغير من البطش الجنسي والانتهاك من قبل والده. والغريب في اعترافات الشقيقين أنهما صارحا والدتهما وأكدت علمها بما يحدث وعدم أهميته من وجهة نظرها، بخاصة أن هناك إجراءات يجب اتباعها من أجل تماسك واستقرار العائلة.
كانت المفاجآت مدوية ووقعت كالصاعقة على رأس الجميع، فاعترافات الأخوين وضعت القضية في منطقة تبرر في وجهة نظر بعض الناس جريمة القتل، ولكن الادعاء افترض كذب الاعترافات وأنها ملفقة، واتهم الشقيقين بالقتل من أجل المال والثروة التي تتجاوز ملايين الدولارات، لكن بعض أفراد عائلة القتيل وهم أقارب القتلة اعترفوا بأن الأب بالفعل كانت له تصرفات مريبة ومنها الانفراد بالطفلين أمام أقرانهم من العمر نفسه، وكان يبدو هناك كارثة تحدث وسط صمت الأم التي كانت تعمل على توفير الاختلاء بين الأب وأحد أطفالهما، ويبدو أنها كانت على علم بما يحدث بحسب شهادات الأقارب في المحكمة.
انقسام
وعلى رغم بشاعة الاعترافات انقسمت الآراء ما بين من اعتبر أن الأخوين لهما مبررهما وآخر رأى أن اغتصاب الرجل لا يعد تبريراً كافياً لقتله على يد ابنيه، وكان من الممكن ترك المنزل، ولكن الأخوين اعترفا أن الأب هددهما مراراً بالقتل في حالة إفشاء السر، وليلة الجريمة شعرا أنه يخطط لقتلهما بالفعل.
ولم تقتنع المحكمة بدفاع المتهمين بخاصة أن الجريمة مكتملة وتصنف من الدرجة الأولى بسبب التعمد وسبق الإصرار والترصد بعد شراء سلاحين للجريمة قبلها بأيام.
كانت المحكمة تذيع الجلسات عبر قناة خاصة ويتابع الملايين هذا الحدث الضخم، وتصدر أريك ولايل البرامج والفقرات والتحليلات سواء الإخبارية أو الفنية، ومعظم الرأي العام كان يراهما مجرمين ومدعيين قتلا والديهما بخسة وغدر وهما آمنان ويشاهدان التلفزيون بمنزلهما، وهذا جرم كبير بالآباء مهما كانت ادعاءات الاغتصاب المزعومة.
وهناك آراء أخرى صنفت الجريمة على أنها ليست قتلاً عمداً، بل دفاعاً عن النفس نظراً إلى جريمة الأب والأم جنسياً وإنسانياً في حق الشقيقين منذ طفولتهما. واستمرت المحاكمة نحو ثلاثة أعوام، ولم تتمكن هيئة المحلفين من التوصل إلى قرار بالإجماع.
وعام 1995 بدأت إعادة المحاكمة وسط ظروف مختلفة، إذ رفض إذاعة البث التلفزيوني للجلسات، وقررت المحكمة عدم استخدام معظم الأدلة المحيطة بالانتهاكات كدفاع، كما أزيل احتمال الدفاع عن النفس والقتل من دون تعمد، ولهذا دين إريك ولايل بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى. واختلف المحلفون على العقوبة بين السجن مدى الحياة من دون الإفراج المشروط أو عقوبة الإعدام، وانتهى الأمر بالعقوبة الأولى.
تفريق ورفض
استأنف إريك ولايل القرار مرات عدة منذ عام 1998 وحتى عام 2005 لكن كل الطلبات قوبلت بالرفض التام من كل المحاكم التي تم اللجوء إليها. وكان أكثر ما يؤلم الشقيقين هو تفريقهما، إذ قررت المحكمة إيداع كل منهما في سجن مختلف ودأبا على تقديم التماس متكرر حتى يجمعهما سجن واحد لكن من دون جدوى. وبعد سنوات طويلة تم قبول الالتماس عام 2018، ونقلا إلى الوحدة السكنية نفسها في إصلاحية ريتشارد ج دونوفان، بعد قضائهما أكثر من 20 عاماً مفترقين في سجون مختلفة.
تطور مفاجئ
استسلم الشقيقان لقدرهما بعد رفض عشرات الطلبات للاستئناف أو إعادة المحاكمة حتى ظهرت أدلة جديدة يبدو أنها ستقلب الأمور وقد تخرجهما من سجنهما، إذ ادعى المغني روي روسيلو عضو فرقة مينودو السابق أنه تم تخديره واغتصابه عندما كان مراهقاً على يد خوسيه مينينديز والد إريك ولايل، وكرر خوسيه الفعل في أكثر من مناسبة مع المطرب بحسب اعترافاته، وتم تضمين تلك الاتهامات في الالتماس المقدم إلى المحكمة العليا في مقاطعة لوس أنجليس.
وانضم إلى الوثائق التي تطالب بإعادة المحاكمة رسالة اكتشفت حديثاً كتبها إريك إلى ابن عمه آندي كانو، وكان يصف فيها قبل الجريمة بنحو ثمانية أشهر الاعتداء الجنسي عليه من والده، وهذا يشير إلى أن الادعاء بالاغتصاب ليس كاذباً.
العودة للأضواء
وبظهور الأدلة الجديدة والمسلسل الذي أثار موجة كبيرة من التعاطف مع الأخوين، وتخصيص الإعلامية أوبرا وينفري حلقة تضامنية مع الرجال ضحايا التحرش والاغتصاب، عادت قضية لايل وايريك للأضواء مرة أخرى، لدرجة أن هناك حملات مكثفة تطالب بالإفراج عنهما بعدما قضيا نحو 35 عاماً في السجن بتهمة القتل.
وتضامن عدد كبير من المشاهير إضافة إلى الجمهور مثل كيم كاردشيان وشقيقتها كلوي بل وزارت كيم الأخوين في محبسهما. وزاد من حملات الدعم فيلم وثائقي آخر جرى عرضه بعد المسلسل وتحدث فيه الشقيقان عن الجريمة وأسبابها. كما عرض الفيلم لقاءات مع محلفين وأشخاص حقيقيين عاصروا القضية، وانقسمت آراؤهم أيضاً بين العفو عن الشقيقين أو إدانتهما لباقي حياتهما.
وفي النهاية، اعتبر لايل وأريك الفيلم الوثائقي أكثر عدالة في طرح قضيتهما من المسلسل، إذ اتهم لايل منتج ومؤلف العمل بتقديم معلومات غير عادلة عنهما وعن أسباب الجريمة. وقال لايل في منشور على "فيسبوك"، "لا أستطيع أن أصدق أنهما فعلا ذلك عن قصد، وبقلب مثقل أقول، أعتقد أن رايان مورفي لا يمكن أن يكون ساذجاً وغير دقيق في ما يتعلق بحقائق حياتنا حتى يفعل ذلك من دون نية سيئة".