Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرات "سلام السودان" تنتقل إلى الداخل... فهل ثمة نتيجة؟

زيارة لمجلس السلم الأفريقي إلى بورتسودان لبحث ترتيبات وقف الحرب والمبعوث الأميركي في الطريق والمعارك تستعر في الخرطوم ودارفور وسنار

لقاء مجلس السلم والأمن الأفريقي بالفريق البرهان (إعلام مجلس السيادة الانتقالي)

ملخص

هل تفلح خطوة نقل المساعي الدولية والإقليمية لوقف الحرب إلى داخل السودان في التعجيل بالسلام؟

وسط تصعيد عسكري متنامٍ وتوسع في جهات القتال الداخلي بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، وعلى رغم تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي قبل نحو ثلاثة أعوام، ابتدر مجلس السلم والأمن الأفريقي أحد أبرز أذرع الاتحاد، بزيارة إلى العاصمة السودانية الموقتة بورتسودان لبحث سبل وترتيبات وقف الحرب.

وفي إطار المساعي ذاتها تتنظر بورتسودان خلال الأيام القليلة المقبلة وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بريلييو، فهل تفلح خطوة نقل المساعي الدولية والإقليمية لوقف الحرب إلى داخل السودان في التعجيل بوقف الحرب؟

مشاورات مكثفة

أدخل وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي برئاسة محمد جاد سفير مصر لدى إثيوبيا، المندوب الدائم لدى الاتحاد الأفريقي، رئيس الدورة الحالية للمجلس عن هذا الشهر، في سلسلة لقاءات ومشاورات مكثفة لبحث الملفات المتعلقة بالحرب والأزمة الحالية في السودان، شملت رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وعدداً من القيادات السياسية والتنفيذية، واستمع إلى شرح حول الأوضاع الداخلية بالتركيز على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيات "الدعم السريع".

 

 

وقال بيان لمجلس السيادة إن البرهان أبلغ الوفد خلال لقائه به، تحفظه على توصيف الاتحاد الأفريقي لقرارات الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بأنها انقلاب، وأنه غير دقيق وينافي الحقائق، منتقداً تجاهل الاتحاد للأزمة التي يعيشها الشعب السوداني لعدم معرفته بحقيقة هذه الأزمة وأبعادها.

وأشار قائد الجيش وفق البيان، إلى أن السودان يتعرض لاحتلال واستعمار جديد، من قبل ميليشيات متمردة بمشاركة مرتزقة أجانب ومعاونة دول يعرفها الجميع، وأن العالم لم يحرك ساكناً وهو يشاهد الميليشيات تهاجم المدن الآمنة وتنهب وتنتهك حرمات المواطنين وأعراضهم.

واتهم البرهان، قوة سياسية داخلية لم يسمها بالسعي إلى العودة للحكم بأية طريقة قبل أن يعود المواطنون إلى منازلهم ومناطقهم المحتلة بواسطة الميليشيات.

وقف الحرب والانتقال

من جانبه قال رئيس الوفد السفير محمد جاد، إن اللقاء مع البرهان تطرق إلى ضرورة إيجاد البيئة اللازمة لاستعادة السودان لعضويته في الاتحاد الأفريقي، مؤكداً سعي مجلس السلم إلى إحلال السلام في السودان ووقف إطلاق النار ودعم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوداني.

ضم وفد مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، الذي وصل إلى مدينة بورتسودان أول من أمس الخميس، 15 عضواً من دول الاتحاد الأفريقي، بينهم مفوض السلم والأمن والشؤون السياسية، ومندوب الاتحاد الأفريقي لدى السودان السفير محمد بلعيش.

وفي بيان ختام زيارته من الأول إلى الرابع من أكتوبر الجاري، التي شملت أيضاً العاصمة المصرية القاهرة، جدد مجلس السلم دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التزام الاتحاد الأفريقي بتكثيف التعاون الوثيق مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين من أجل تحقيق وقف الحرب واستئناف الانتقال السياسي، وإسكات صوت البنادق في عموم أفريقيا وليس فقط في السودان.

معارك محتدمة

في الأثناء لا تزال المعارك العنيفة محتدمة بين الجيش والقوات المساندة له وقوات "الدعم السريع" في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور وولاية سنار، وسط أنباء عن تمكن الجيش من استرداد منطقة جبل موية الإستراتيجية والدود وقرية فنقوقة وسط البلاد.

وقالت مصادر ميدانية، إن الجيش يواصل تقدمه وسط الخرطوم وتمكن من تحرير مساحات وأحياء جديدة في مدينة الخرطوم بحري، وانفتح في محلية شرق النيل، فيما لا تزال قواته تحاصر مصفاة نفط الخرطوم بمنطقة الجيلي شمال العاصمة تمهيداً لتحريرها.

 

 

وأوضحت المصادر، أن الطيران الحربي يواصل قصفه لأهداف ومواقع عدة تابعة لـ"الدعم السريع" داخل وخارج العاصمة.

وفي دارفور أعلنت القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني بسط سيطرتها على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا وتشاد، واستيلاءها على قاعدة عسكرية تتبع لقوات "الدعم السريع" في ولاية شمال دارفور.

مزاعم متبادلة

وكشف المتحدث باسم القوات المشتركة أحمد حسين، عن أن القوات المشتركة دمرت كل القواعد والارتكازات الرئيسة لقوات "الدعم السريع" في الصحراء الكبرى، وحررت قاعدة "بئر مزة"، 28 كيلومتراً شمال مدينة كتم في دارفور، أكبر مركز لتجميع وتدريب مقاتلي "الدعم السريع" القادمين من الخارج، والمركز الرئيس للإمداد بالوقود والأسلحة عبر الحدود الشمالية الغربية.

من الجانب الآخر قالت قوات "الدعم" إن قواتها مستمرة في تمشيط مدينة الخرطوم بحري، وإن أكتوبر الجاري سيكون شهر الانتصارات والحسم. وبثت مقطع فيديو على موقعها في منصة "إكس" يظهر مجموعات من قواتها وهم يتجولون في شوارع المدينة ويشيرون إلى مواقع يزعمون أنها في قلب منطقتي الكدرو والحلفايا التي قال الجيش إنها تحررت. كما أعلنت قوات "الدعم السريع" تصديها لمحاولات الهجوم عليها في منطقة جبل موية، وإجبار قواتهم لقوة الجيش المهاجمة على التراجع وتكبيدها خسائر بشرية ومادية كبيرة.

بريلييو يدعو إلى التهدئة

من جهته وقبل وصوله المرتقب إلى مدينة بورتسودان، دعا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بريلييو، طرفي الحرب إلى اتخاذ خطوات فورية لوقف العنف الذي يهدد حياة المدنيين الأبرياء الذين يعانون تداعيات هذا الصراع.

وأوضح بريلييو في تغريدة على حسابه في منصة "إكس"، أن النزاع المستمر في كل من الخرطوم والفاشر ومناطق أخرى تصاعد بصورة مأسوية، مما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين وتدمير المنشآت الحيوية للبلاد.

وشدد بريلييو على أهمية الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، الذي يضمن حماية المدنيين ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، مطالباً جميع الأطراف المعنية بالعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق عبر رئيس حزب المؤتمر السوداني، القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، عمر الدقير، عن أمله في أن تكلل الجهود الجارية الآن بإعادة الطرفين للتفاوض وتيسير الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ومعالجة الكارثة الإنسانية وفتح الطريق أمام خيار الحل السياسي السلمي، وبخاصة بعد تصعيد المواجهات العسكرية بين الطرفين منذ أكثر من أسبوع وتسببها في تفاقم معاناة المدنيين وزيادة وتيرة الانتهاكات الواقعة عليهم.

يرى الدقير أن كلاً من زيارة مجلس السلم الأفريقي والزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي إلى بورتسودان تهدفان إلى إقناع قيادة الجيش بالعودة إلى طاولة المفاوضات بعد مقاطعتها لمنبر جنيف الذي دعت إليه الولايات المتحدة منتصف أغسطس (آب) الماضي.

وتابع "وفقاً لتصريحات رئيس مجلس السلم عن الدورة الحالية السفير جاد، فإن الزيارة تأتي في إطار جهود المجلس لإحلال السلام في السودان ووقف إطلاق النار ودعم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوداني، وبخاصة أنها تأتي عقب اجتماع المجلس الأخير في الـ25 من سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي عبر فيه عن قلقه البالغ إزاء تواصل القتال في السودان، وجدد دعوته إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وشكل فيه لجنة رئاسية بقيادة الرئيس الأوغندي للإسهام في الوصول إلى ذلك الهدف".

المدخل الصحيح

واستطرد الدقير "مع تقديرنا لكافة الجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى وقف الحرب، فإن حل الأزمة في السودان يبقى بالدرجة الأولى مسؤولية السودانيين أنفسهم، والواجب الوطني يحتم عليهم جميعاً إدراك أن واقع بلادهم الحالي لا يحتمل استمرار حال التشظي السياسي والاجتماعي الحالية"، مطالباً بتجاوز هذه الحال بأعجل ما يمكن لمعالجة الكارثة الإنسانية وإيقاف الانتهاكات، ومنع انزلاق البلاد لسيناريو التقسيم الذي تلوح نذره في الأفق لكل ذي بصيرة".

يرى رئيس حزب المؤتمر السوداني، أن المدخل الصحيح للحل يبدأ بهجران خطاب الكراهية والتوحش في العداء السياسي وتغليب لغة التصالح بين المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد من أجل خلق أوسع جبهة مدنية تعمل بقوة دفع وطني ذاتي لتوحيد إرادة السودانيين الغالبة في مواجهة دعاة استمرار الحرب.

 

 

ويضيف "كل ذلك بهدف بلورة مبادرة وطنية يتم من خلالها التواصل المباشر مع قيادتي الطرفين المتحاربين ومناقشتهما حول المستقبل بوضوح ومن دون مراوغة، بما يفضي لإسكات أصوات البنادق ويفتح الطريق لتوافق السودانيين مدنيين وعسكريين على عقد اجتماعي يطوي صفحة الحروب ويحقق السلام المستدام والعدالة والتعافي الوطني".

ويلفت القيادي بـ(تقدم)، إلى أن من شأن توافق السودانيين على عقد اجتماعي أن يضمن المحافظة على وحدة السودان وإنهاء حال تعدد الجيوش لمصلحة جيش قومي مهني واحد، ويحشد طاقات السودانيين لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية محررة من أخطاء الماضي وخيباته تسع جميع أهلها من دون تمييز، إلى جانب توفير شروط الحياة الكريمة لهم، وإقامة علاقات خارجية متوازنة على أساس تحقيق مصالح الشعب السوداني، وتسهم في ترسيخ السلم والأمن والتعاون الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي.

تفاهمات قريبة

على نحو متصل يرى أستاذ العلوم السياسية الزمزمي بشير، أن انتقال الجهود الإقليمية والدولية إلى مرحلة التشاور من الداخل من خلال زيارة مجلس السلم والأمن الأفريقي إلى بورتسودان ربما تجعل المجلس هو الأقرب في التوصل إلى تفاهمات مع قيادة الجيش ومجلس السيادة الانتقالي.

وأشار الزمزمي إلى أن الزيارة تأتي وقد تحول موقف الجيش الميداني من الضعف إلى القوة بتقدمه في كل من الخرطوم ودارفور والوسط وانفتاحه في جبهات عدة، مما قد يشجع قادته على العودة إلى التفاوض من موقع القوة.

 

 

وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن تسهم الزيارة بصورة أو بأخرى في رفع تجميد عضوية السودان بالاتحاد، إذ لم يعد مبرراً أن يحضر السودان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بينما تظل عضويته بالاتحاد الأفريقي مجمدة، لا سيما وهو عضو مؤسس للاتحاد (منظمة الوحدة الأفريقية) سابقاً.

يشير الأكاديمي إلى أن بروز بعض شواهد احتمالات تمدد الصراع وعدم الاستقرار متمثلة في مظاهر التوترات في كل من تشاد وإثيوبيا قد تكون أحد دوافع الاتحاد الأفريقي إلى تسريع خطوات إطفاء الحريق في السودان قبل أن يتسع انتشاره إقليمياً.

وأضاف أن "تطورات الصراع العربي-الإسرائيلي أدت إلى تراجع أولوية حرب السودان في حسابات السياسة الدولية، مما يزيد من أهمية الدور الأفريقي".

وحول حديث المبعوث الأميركي في شأن دراسة مقترح لإرسال قوة أفريقية لحماية المدنيين بالسودان، استبعد  بشير أن ترى هذه الخطوة النور لجهة عدم موافقة الحكومة السودانية، منوهاً إلى أن ما يقوم به المبعوث توم بريلييو أصبح أقرب إلى المجاملات والتطمينات السياسية للحلفاء على حد قوله.   

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، فشلت كل الجهود الدبلوماسية والمبادرات والوساطات الإقليمية والدولية والمحلية في وقف الحرب، بدءاً بمنبر جدة ومبادرتي الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، ومؤتمر قادة دول جوار السودان، وصولاً إلى فشل اجتماعات جنيف برعاية أميركية في أغسطس الماضي.

المزيد من متابعات