Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الجيش الوطني" الليبي يبدأ أولى مواجهاته الدامية في جنوب ليبيا

الأهالي ينتظرون انتصار "الجيش" للتحرر من سيطرة الميليشيات الأجنبية والمحلية.

قوات من "الجيش الوطني" على إحدى جبهات الجنوب (إندبندنت عربية)

تشهد المنطقة الجنوبية في ليبيا، حرباً ضروساً بين قوات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، ومجموعات مسلحة أجنبية عدة وكتائب محلية أخرى تتبع حكومة الوفاق الوطني (مقرها طرابلس ويرأسها فائز السراج). واندلعت هذه الاشتباكات بعد تحرك الجيش نحو جنوب البلاد في عملية أُطلق عليها اسم "عملية تحرير الجنوب"، ووصلت طلائعه إلى سبها عاصمة الإقليم في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي.

الجنوب الليبي... حروب متواصلة

وارتسم هذا المشهد بعد سنوات من الفوضى والانقسام التي شهدها إقليم فزان منذ عام 2011، فبعد نجاح الانتفاضة الليبية في إنهاء حكم العقيد معمر القذافي، اندلعت سلسلة حروب محلية بين قبائل الجنوب، ما أدى إلى تقسيم المنطقة إلى رُقع نفوذ تحْكُمُها مجموعات مسلحة ذات انتماءات قبلية، أو تشكيلات ذات توجه متطرف.

هذا التقسيم، أدى إلى اندلاع حروب بين المتصارعين على النفوذ في الجنوب، فنشبت حرب مارس (آذار) 2012 بين قبائل التبو وأولاد سليمان التي سقط فيها حوالي 70 قتيلاً، ثم حرب يناير 2014 بين القبيلتين ذاتهما أيضاً التي سقط فيها أكثر من 200 قتيل، وعدد كبير من الجرحى وخسائر مادية، إضافة إلى حروب التبو مع الطوارق في أوباري عام2015 وفي سبها عام2016، وحروب متصلة خاضتها قبيلة القذاذفة مع أولاد سليمان داخل مدينة سبها طوال السنين الماضية.

ومع انطلاق عملية الكرامة في مايو (أيار)2014، التي أعلنها المشير حفتر في شرق البلاد، إضافة إلى عملية "فجر ليبيا" في طرابلس، حدث الانقسام بين حكومتين تتنازعان على بسط نفوذهما على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الليبية.

جماعات مسلحة أجنبية ومتطرفة

هذه الحروب وما تلاها من الانقسام جعل الجنوب أكثر مناطق ليبيا هشاشةً، كما تركه هدفاً سهلاً للجماعات المتطرفة، فمع اتساع رقعته وقلّة عدد سكانه واختفاء معالم الدولة فيه، بات انتشار تلك الجماعات فيه سهلاً، فضلاً عن كون الجنوب يرتبط حدودياً بخمس دول أفريقية هي، مصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر، ما جعل منه ساحةً لجماعات مسلحة من تلك البلدان، اندفعت إليه طمعاً بتكوين ثروات من خلال الفوضى.

وشهدت الفترة اللاحقة لعام 2014، نمواً واضحاً للحركات المتشددة التي كانت تأتي إلى الجنوب هرباً من ضغط "الجيش الوطني" عليها في بنغازي ودرنة، فانتشرت في سبها وأوباري وغات ووادي الشاطئ، إلا أنها لم تزاول عملها داخله، بل كانت تتخذه مقراً لعمليات تستهدف بوابات الجيش أو مؤسسات الدولة في طرابلس.

أما الجماعات الأجنبية المسلحة، فاستغلت الفوضى لتتخذ لنفسها مناطق نفوذ في نقاط عدة أهمها، الجفرة وأم الأرانب، حيث بدأت خطف المسافرين بين المدن ومقايضتهم بفدية لا تقل قيمتها عادةً عن نصف مليون دولار. بعضهم كان ينجح في تأمين الفدية، وبعضهم الآخر لم يستطع، لتكون النتيجة ابناً أو شقيقاً جثةً هامدة.

دخول الجيش الوطني إلى الجنوب

وأثار الواقع المتفلت غضب الناس، وعلتْ أصوات تدعو "الجيش" إلى التدخل في المشهد مهما كان الثمن، وبذلك بدأت العملية العسكرية في عاصمة الجنوب سبها، التي لم تشهد أي مقاومة، بل سَلمتْ كُل الميليشيات المحلية مقراتها، حيث انتشر "الجيش" بسهولة في المدينة ومحيطها، وبدأت الحياة تدبُ من جديد في مطار سبها الدولي والقلعة التاريخية وغيرهما من معالم المدينة.

تحركت قوات الجيش في 31 يناير الماضي، باتجاه مدن جنوب سبها، حيث واجهت مجموعات مسلحة معادية، ووقع الاشتباك الأول في بلدة غدوة (60 كيلومتراً جنوب سبها). واستمر القتال يوماً كاملاً بين "الجيش" وهذه الجماعات، فسقط له أربعة قتلى وأكثر من 15 جريحاً وفق مصادر طبية في مركز سبها الطبي، بينما لم ترد أنباء عن سقوط قتلى أو جرحى في صفوف المسلحين.

ونجحت قوات "الجيش" مع صباح 1 فبراير (شباط) الحالي، في التقدم إلى ما بعد بلدة غدوة، ويُرجَح حدوث مواجهات جديدة في مدينة مرزق الواقِعة على بُعد 140 كيلومتراً جنوب غرب سبها.

وذكر مصدر عسكري لـ "اندبندنت عربية" أن "عملية الجيش في الجنوب ستتواصل حتى القضاء على كل الجماعات الإرهابية وعصابات الحرابة ومن في حُكْمِهَا"، ما يُنْذِرُ بحرب طويلة في ظل إصرار الجماعات المسلحة على مقاومة تمدد الجيش في مناطق نفوذها.

حكومة الوفاق لم تتخذ موقفاً

من جهة أخرى، لم تتعامل حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مع هذا الوضع، فهي فعلياً لا تملك قوات على الأرض في الجنوب تُمكِنُها من التأثير مباشرةً في مجريات الأحداث، وأقصى ما تستطيع فعله هو أن تمنح بعض الكتائب المحلية التي تُواجِه قوات حفتر "شرعية رسمية"، كي تظهر الحرب وقتذاك بين حكومة الوفاق (غرب) و"جيش الكرامة" التابع لمجلس النواب (شرق)، وهنا قد تختلط الأوراق دولياً ومحلياً وتصبح للحرب حسابات أخرى.

سيظل سكان الجنوب إلى حين حدوث ذلك أو عدمه، يترقبون ما ستنجلي عنه هذه الحرب، فانتصار "الجيش" في نظرهم، سيكون بمثابة الخلاص من ربقة المليشيات والمجموعات المسلحة التي عاثت فساداً وخراباً لسنين، أما انكساره فسيكون بدايةً لعهد جديد غامض لا يعرفون مصيرهم فيه.

المزيد من العالم العربي