ملخص
بحلول سبتمبر (أيلول) 1993 أكد العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز أن التهديد العراقي "انتهى". ورغم التهدئة مع العراق فإن السعودية لم تكن متحمسة لمصالحة غير ناضجة مع الدول والأطراف التي دعمت صدام حسين في حرب الخليج الثانية
في الحلقتين السابقتين استعرضنا تحذيرات السعودية في الأشهر الأولى عام 1993 من خطر الترسانة الصاروخية التي يملكها صدام حسين، إلا أنه بحلول سبتمبر (أيلول) 1993 أكد العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز أن التهديد العراقي "انتهى". ومع ذلك ظل احتمال المصالحة مع صدام ضئيلاً. ووفق محاضر الاجتماعات السعودية - البريطانية قال الملك فهد إن أقرب حلفاء صدام داخل نظامه لم يدعموا أفعاله، ولكن بقاءه في السلطة يذكر بالمثل الشعبي الذي استشهد به الملك لوصف صدام، "عمر الشقي بقي".
وفي حين تراجع التهديد العراقي تزايدت التهديدات الإيرانية للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، مما جعل التنسيق الأمني والعسكري بينهم ضرورة ملحة. وتزامنت التهديدات الإيرانية مع زيارة وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد إلى السعودية في التاسع من سبتمبر 1993، إذ التقى الملك فهد بن عبدالعزيز لنحو ثلاث ساعات، منها ساعة على انفراد مع الملك ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ناقشوا خلالها التهديد الذي تشكله إيران على الخليج وأهمية التعاون الأمني الخليجي من خلال التنسيق بين الجيوش الوطنية.
تشكيل قوة موحدة
سأل وزير الخارجية البريطاني عن آفاق التعاون الأمني الخليجي في ضوء التهديد الإيراني المتزايد، فأكد الملك فهد أهمية وجود قوة جاهزة لردع التهديدات الخارجية. وكان سلطان عمان قابوس بن سعيد اقترح إنشاء قوة موحدة يبلغ قوامها نحو 100 ألف جندي، إلا أن ذلك ينطوي على مشكلات تنفيذية وتكلفة كبيرة. أيدت السعودية أن تقوي كل دولة قواتها الوطنية الخاصة، مع إمكانية تأسيس قيادة مشتركة لقوة موحدة مكونة من كتائب من كل دولة خليجية.
وبحسب الوثائق البريطانية، لم تكن السعودية في حاجة ملحة إلى شركائها في مجلس التعاون إلا على المستوى التنظيمي، لكنها حثت شركاءها في مجلس التعاون على شراء المعدات العسكرية البريطانية والأميركية لأنها الأفضل ولضمان التوافق والتكامل العسكري بين دول المجلس. ولم تصر السعودية على أن تكون القيادة المشتركة متمركزة في بلادها، على رغم أنها تمتلك أقوى جيش وقوات جوية ومجهزة تجهيزاً جيداً.
وبدا الملك فهد حريصاً على تأكيد أن بلاده لا تملك أية طموحات إقليمية واستفاض متحدثاً عن أسباب عدم امتلاكها أية مطامع في دول أخرى، ومنها حجمها ووفرة النفط والمعادن لديها، مشيراً إلى أنها كثيراً ما أرادت استقرار الخليج، وسعت دائماً إلى حل النزاعات الحدودية مع جيرانها.
من جانبه أكد وزير الخارجية البريطاني للملك فهد أنه يدرك أولويات السعودية وليس لديه شك حيال حسن نيتها، وأن بريطانيا حريصة على تعزيز قدرات دول الخليج ضد التهديدات الخارجية.
تراخي الموقف الخليجي
نتبين من الوثائق البريطانية المفرج عنها أخيراً أن لندن شعرت بتراخي موقف بعض دول مجلس التعاون تجاه العراق وإيران مع نهاية عام 1993. وفي برقية مرسلة من السفارة البريطانية لدى السعودية في الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) تطرق السفير ديفيد غور بوث إلى مخاوف بلاده من تباين مواقف دول الخليج، وتحديداً الليونة التي أظهرتها بعض الدول تجاه نظام صدام حسين.
وكتب السفير، "أخبرت الأمير سعود أننا نشعر بالقلق مما يبدو أنه اختلافات متزايدة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي حول العلاقات مع العراق، بما في ذلك قضية الحدود المهمة. ويبدو أن قطر وعمان على وجه الخصوص تعملان على تخفيف مواقفهما. وكان هذا مقلقاً بصورة خاصة نظراً إلى عضوية عمان الوشيكة في مجلس الأمن".
وتعمقت هذه المخاوف بعد زيارة رئيس الأركان القطري إلى العراق، وقدمت الدوحة لتهدئة المخاوف تبريراً بأن الزيارة ليست سياسية، وإنما رحلة صيد. كتب السفير أن ذلك التبرير كان "موضع شك" لديهم ولدى الرياض، مشيراً إلى أن "السعودية تفهم أهمية الصيد للقطريين، ولكن من الواضح أن هذه الزيارة كانت لها أبعاد سياسية".
وفي ضوء ذلك أكد الأمير سعود الفيصل أن العراق وقضية الحدود ستكونان من القضايا الرئيسة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، وستتم على وجه الخصوص مناقشة زيارة رئيس الأركان القطري إلى العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما يتعلق بالسياسة العمانية أكد وزير الخارجية السعودي أن عمان أعلنت علنا أنها ملتزمة قرارات مجلس التعاون ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان آخرها في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وقد التزمت مراراً وتكراراً بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وستفعل ذلك مرة أخرى.
موقف السعودية من المصالحة العربية
على رغم التهدئة مع العراق فإن السعودية لم تكن متحمسة لمصالحة غير ناضجة مع الدول والأطراف التي دعمت صدام حسين في حرب الخليج الثانية، ففي اجتماع بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونظيره البريطاني، أكد الأمير سعود تأييده للمصالحة، لكنه أراد أن تعرب تلك الأطراف عن ندمها وتعترف بأخطائها، وإيجاد أساس للمصالحة يمنع اندلاع حرب مشابهة.
وقال وزير الخارجية البريطاني إن العاهل الأردني الملك حسين كان يبحث بوضوح عن المساعدة، وقد أعطاه رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد انطباعاً قوياً حول إحراز تقدم في المصالحة بين الدول العربية من دون الخروج عن المسار مع شركائه في مجلس التعاون. في المقابل أكد الأمير سعود أنه يؤيد المصالحة، لكنه لا يريد تكرر الصراع، والسؤال الذي يطرح نفسه على أي أساس تحدث المصالحة وصدام حسين لا يزال حاكماً للعراق؟
وأوردت الوثيقة البريطانية أنه "كانت هناك حاجة إلى تغيير في المواقف من جانب أولئك الذين دعموا صدام حسين في الحرب في حين لم يظهر الأردن إشارات بأنه يضع أية حدود على السلوك العراقي، إذ كانت بعثات العراق الرسمية نشطة، وسفارتها لدى عمان تعمل بكامل طاقتها، وواصلت وسائل الإعلام الأردنية حشد الرأي العام ضد دول الخليج".
وأقرت بريطانيا بأن تعبير الندم يجب أن يأتي من تلك الدول، وليس من دول الخليج التي كانت ضحية لحرب الخليج الثانية، وأشارت إلى أن الرياض لم تحاول منع أعضاء مجلس التعاون الآخرين من التعاون مع الأردن.
قلق من مغازلات خليجية لإيران
عندما وصل وزير الدولة للصناعة الدفاعية البريطاني جوناثان أيتكين إلى جدة، كان بحوزته معلومات استخباراتية توضح تزايد التهديد الإيراني على دول الخليج، على أمل أن يعرضها على الملك فهد عندما يلتقيه في مساء يوم الـ15 من ديسمبر. عقد الاجتماع واستمر لمدة ساعتين بحضور السفير البريطاني ومستشار الملك المقرب إبراهيم العنقري.
ولم يكن العاهل السعودي في حاجة إلى معلومات إضافية ليستشعر الخطر الإيراني، إذ كان مقتنعاً بأن النظام الحالي في إيران يشكل تهديداً لدول الخليج وشعوبها، ولن يسمح باستقرار المنطقة. وبخلاف ادعاءات الإيرانيين، بدا واضحاً أنه لا مجال لأن يزور الملك طهران أو يستقبل هاشمي رفسنجاني في السعودية. وأعرب الملك فهد عن قلقه في شأن مغازلة قطر لإيران وإلى حد أقل العراق، وعودة الاحتكاكات الحدودية بين السعودية من جهة وقطر والإمارات من جهة أخرى.
وأوردت الوثيقة البريطانية أن "القطريين أخطأوا عندما تصوروا أن التودد إلى إيران من شأنه أن يعود عليهم بالفائدة"، وكان (الملك فهد) يأمل في أن نستخدم اتصالاتنا مع القطريين لإيصال هذه الرسالة، إذ اختاروا دائماً تفسيرها بصورة خاطئة عندما تأتي من السعودية".
وأبدى العاهل السعودي أسفه لسلوك قطر في ملف الحدود مع السعودية، بعدما كان يعتقد أنه قد حسم هذه المسألة شخصياً مع الأمير العام الماضي، ولكن القطريين رفضوا المضي قدماً في ترسيم الحدود. وعلى نحو مماثل، كانت الحدود مع الإمارات تنظمها الاتفاق الحدودية التي أبرمت في عهد الملك فيصل والشيخ زايد، وكل ما كان مطلوباً هو الالتزام بها، كما التزم السلطان قابوس بالاتفاقات الحدودية بين السعودية وعمان.
وفي نهاية اللقاء تطرق العاهل السعودي إلى البوسنة، معرباً عن أمله في أن تواصل المملكة المتحدة الضغط من أجل التوصل إلى نوع من الحل العادل الذي ضغط علي عزت بيغوفيتش لقبوله، وقال "أنا لا أميل إلى أي من الاتجاهين، ولكن لا بد أن تكون هناك تسوية عادلة". وأعرب الملك فهد عن قلقه في شأن الوضع في روسيا بعد الانتخابات، في حين أوضخ أيتكين أن روسيا ستظل غير مستقرة، وقد يكون هناك تمرد قومي، وهذا هو السبب في أننا طلبنا مزيداً من الدبابات. وكان الملك يأمل في أن يتوصل يلتسين إلى تسوية مع جيرينوفسكي.
وبعث رئيس الوزراء البريطاني رسالة إلى الملك فهد بعيد زيارة وزير خارجيته، وأوضح فيها أن المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أسفرت عن أنباء طيبة، لكن لا تزال الحرب في البوسنة تسبب قلقاً للجميع، مؤكداً التزام بلاده السعي إلى تحقيق السلام الدائم من خلال المفاوضات مع العمل على حماية المدنيين من ويلات الحرب. وأعرب ميجور عن تقديره للدعم السعودي فينقل المرضى من سراييفو إلى المملكة المتحدة.