ملخص
كلفة علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين تصل قيمتها إلى نحو 2.2 مليار دولار سنوياً في حين تبلغ إيرادات التبغ سنوياً نحو 1.2 مليار دولار
بعد كثير من حملات التوعية ومراقبة الأماكن العامة قررت الحكومة الأردنية مواجهة الزيادة المستمرة في أعداد المدخنين برفع أسعار السجائر بأنواعها في محاولة منها للتغلب على آفة صحية طاولت نحو نصف الأردنيين ذكوراً وإناثاً، لكن مراقبين يتهمونها بممارسة الجباية.
ففيما أثمرت الجهود العالمية التي بذلت في الحد من التدخين، شهد الأردن زيادة مطّردة قاربت نسبة الـ50 في المئة، ووسط تحذيرات أطلقها متخصصون من تزايد أخطار السيجارة الإلكترونية وتحولها إلى مشهد مألوف بين أيدي الشباب والطلاب والأطفال والنساء، ثمة مخاوف من تسويق هذه السجائر كبديل للسجائر التقليدية.
وتحظر التعليمات والقوانين الأردنية بيع مستلزمات ومشتقات التبغ لمن هم دون سن الـ 18، وتحظر كذلك التدخين في الأماكن العامة والجامعات والمؤسسات الرسمية وأماكن العمل وفقاً لقانون الصحة العامة، إلا أن تطبيق هذه التعليمات بصورة جدية يحتاج إلى بيروقراطية لتنفيذه.
ضريبة على الدخان
وأصدرت الحكومة الأردنية ضريبة خاصة على الدخان بشقيه التقليدي والإلكتروني، وبرر وزير الاتصال الحكومي مهند مبيضين رفع سعر "باكيت" الدخان 10 قروش (15 سنتاً) إضافة إلى فرض ضريبة بنسبة 100 في المئة على المعسل، بهدف إقناع المواطن بضرورة الابتعاد من التدخين، وتماشياً مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين بجميع أشكاله، والحد من انتشاره المتسارع بالوسائل الإلكترونية لدى جميع الأفراد، خصوصاً فئة الأطفال.
ومنذ أعوام تعاظمت مشكلة التدخين في الأردن صحياً واجتماعياً بصورة مقلقة، استدعت تدخلاً حكومياً بعدما أظهرت بيانات صحية ارتفاع أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وأمراض الرئة ومشكلات أخرى، لا سيما في الخصوبة وزيادة خطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي.
وتؤكد دراسة صادرة عن البنك الدولي أن نصف المدخنين الحاليين حاولوا التوقف عن التدخين في الأشهر الـ12 الماضية، وتلقى 50 في المئة من البالغين معلومات عن مكافحة التدخين، لكن كل ذلك لم يفلح في كبح جماح الانفلات الذي تشهده سوق "التبغ" المتعاظمة يوماً بعد آخر.
كارثة صحية
وقال وزير الصحة فراس هواري إن كلفة علاج السرطان في الأردن سنوياً تبلغ 350 مليون دينار (493 مليون دولار)، مضيفاً أنه يتم تسجيل ثمانية آلاف إصابة بالسرطان سنوياً، بخاصة أن التدخين في مقدمة الأسباب لزيادة الإصابات بالسرطان في البلاد، متوقعاً تجاوز أرقام هذه الإصابات بنحو 50 في المئة خلال أعوام.
ومن بين المؤشرات المقلقة التي تحدث عنها وزير الصحة الأردني ارتفاع نسبة السيدات المدخنات إلى أكثر من الضعف بين 2004 و2019، إضافة إلى زيادة عدد إصابات السيدات بالسرطان بنسب واضحة خلال الأعوام الأخيرة، إذ إن نحو 40 في المئة من أنواع الإصابة بالسرطان سببها التدخين.
وبصورة أوضح، تفيد الإحصاءات الرسمية بأن ثمة 166 إصابة بالسرطان لكل 100 ألف بين الذكور، مقابل 149 إصابة للإناث لكل 100 ألف.
ويؤكد هواري أن نسب التدخين في الأردن خرجت عن السيطرة، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عدة من بينها رفع أسعار الدخان وإغلاق نحو 15 في المئة من محال بيع السجائر التي كانت مواقعها قريبة من المدارس، فضلاً عن بدء برامج للكشف المبكر وعلاج المدمنين على التبغ في عيادات متخصصة أسهمت في إقلاع نحو 27 في المئة من الأشخاص عن التدخين.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة الأردنية إلى أن المملكة هي الأولى في استهلاك الفرد للسجائر على مستوى العالم، وفق التعريف العالمي الذي يعتبر أن المدخن الشره هو الذي يستهلك 15 سيجارة وما فوق يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انفلات سوق السجائر الإلكترونية
وما بين السجائر التقليدية والإلكترونية والمعسل، تتغير أنماط التدخين وتوزيعها الجغرافي في الأردن يومياً، لكن ثمة انفلاتاً في سوق بيع منتجات السجائر الإلكترونية على نحو دفع مؤسسة "الحسين للسرطان" إلى التحذير من تبعاته التي قد تخلق أجيالاً جديدة من المدخنين في المملكة.
ويرصد المركز وفق دراسة حديثه له ارتفاع انتشار السجائر الإلكترونية بين الطلاب في الجامعات والمدارس، بعدما أصبح بيعها متوافراً وسهلاً وفي كل مكان منذ ترخيصها رسمياً عام 2019، بحجة أنها بديلة للسجائر التقليدية وأقل ضرراً، في حين أنها ووفقاً لمتخصصين تتضمن مركبات إضافية بعضها سامة أو مسرطنة لأن تسخين السائل الموجود في السجائر الإلكترونية ينتج مكونات متعددة (إضافة إلى النيكوتين) كالنيتروزامينات والألدهيدات والمعادن والمركبات العضوية المتطايرة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات.
أما الخطر الأكبر من السجائر الإلكترونية على فئة الشباب بحسب دراسة أجراها مركز "الحسين للسرطان"، فيتعلق بتأثيرات صحية أخرى غير مألوفة كنوبات الصرع والتسبب بالإجهاد والقلق والمشكلات النفسية، بخاصة بين فئة الشباب الذين اتسموا بسلوك غريب كالاستهلاك المزدوج الذي يجمع ما بين سجائر التبغ التقليدية والسجائر الإلكترونية معاً.
جباية أم حماية؟
بلغة الأرقام تبدو المشكلة معقدة ومتفاقمة مع بلوغ عدد المدخنين نحو 66 في المئة من الرجال و13 في المئة من النساء، بينما يستخدم 25 في المئة من المراهقين في الفئة العمرية بين 13 و15 سنة السجائر بانتظام.
لكن قرار الحكومة برفع أسعار الدخان على رغم المبررات الصحية التي ساقتها، لم يرُق لكثير من الأردنيين الذين اعتبروا القرار مجرد محاولة لسد العجز المالي للحكومة.
ووفق رصد قامت به "اندبندنت عربية"، رفعت عمان أسعار السجائر مرات عدة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وبررت ذلك بالحد من التدخين، إضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية.
وعلى سبيل المثال في 2017، تم رفع الضريبة الخاصة على السجائر نحو دولار و70 سنتاً، مما أثار ردود فعل متباينة بين المواطنين.
وفي 2022، استجابت الحكومة لدعوة منظمة الصحة العالمية في الأردن إلى زيادة أسعار التبغ كوسيلة لتقليل عدد المدخنين، واعتبر اقتصاديون أن هذه الزيادة كفيلة برفع الإيرادات الحكومية وتعويض كلفة علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين التي تصل قيمتها الى نحو 2.2 مليار دولار سنوياً، في حين تبلغ إيرادات التبغ سنوياً نحو 1.2 مليار دولار.
وتكشف ورقة "اقتصاديات التدخين" التي أعلنت في المنتدى الاقتصادي الأردني عن أن "متوسط إنفاق الأردنيين على منتجات التبغ يأتي كثاني أعلى بند بعد اللحوم والدواجن".
الورقة ذاتها تشير إلى أن متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على منتجات التبغ والسجائر يبلغ قرابة 760 دولاراً، ويمثل 13.5 في المئة من إجمالي إنفاقها على الغذاء.
فيما يؤكد المجلس الأعلى للسكان أن اتجاهات تعاطي التبغ في الأردن تشمل حتى الفقراء الذين ينفقون على السجائر ما مقداره 25 مرة أكثر مما ينفقون على الصحة، و10 مرات أكثر مما ينفقون على التعليم و1.5 مرة أكثر مما ينفقون على الطعام.