ملخص
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من دخول عامها الثاني، يخشى الباحثون والأطباء والمستشفيات الإسرائيلية أن تؤدي مواقف الأوساط الدولية إلى الإضرار بأبحاثهم وعملهم في الخارج، ومنعهم من التطور المهني ونشر إنجازاتهم الطبية، بل الإضرار في وقت لاحق بالبحث الطبي في إسرائيل ككل.
في أبريل (نيسان) الماضي، استطاع أطباء إسرائيليون في مستشفى "بيلنسون" بمدينة بيتاح تكفا استبدال عظم في جمجمة جندي جُرح في الحرب في غزة بعظم اصطناعي تم تصنيعه بواسطة آلة طباعة ثلاثية الأبعاد، مما اعتبر إنجازاً طبياً عظيماً في خضم الحرب من شأنه تعزيز إسرائيل ومكانتها في العالم. إلا أن الأشهر التي تلت بدء الحرب واتسع فيها الدعم العالمي لعزلها، أخذت الأمور منحنيات مغايرة تماماً يمكن أن تكون في الواقع نقطة تحول بالنسبة إلى الأطباء والباحثين الإسرائيليين، خصوصاً أن مستشفى "شيبا" ومركز "سوارسكي" (إبخيلوف) الرائدين في مجال البحوث الطبية أعلنا عن حدوث انخفاض كبير بنسبة الثلث في عدد التوجهات والتعاون الدولي مقارنة بالعام الماضي، بسبب أن بعض الشركات العالمية وشركات الأدوية والأبحاث والمؤسسات الأكاديمية طلبت إلغاء التعاون مع إسرائيل أو تم منع منسقي الأبحاث من القدوم إلى إسرائيل لإجراء تجارب بسبب الوضع الأمني.
وبحسب مركز تل أبيب الطبي، انخفضت طلبات التعاون البحثي الدولي خلال العام الحالي، مقارنة بعامي 2022 و2023، بنسبة 10 في المئة، وأكدت بيانات مستشفى "شيبا" الأكبر في إسرائيل والشريك الأبرز للأبحاث الدولية أن المستشفيات الإسرائيلية تلقت من خلال اتفاقات التعاون البحثي عام 2021 ما مجموعه 822 مليون شيكل (نحو 205 ملايين دولار).
ووفقاً لمؤشر الابتكار العالمي (WIPO) تحتل إسرائيل المرتبة السادسة في المؤشر العالمي للابتكار في الرعاية الصحية والأولى في آسيا، وتشمل الأبحاث الطبية الأكثر شيوعاً التي يتم تطويرها في مستشفيات إسرائيلية، علاج أمراض السرطان وزرع الأعضاء وعمليات القلب المتنوعة وعلاجات الخصوبة وعمليات العظام المعقدة. وخلال الأعوام الأخيرة، طوّر باحثون إسرائيليون علاجاً جينياً جديداً باسم CAR T-cell الذي تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA)، مما مكنها من إحداث طفرة في عالم الأورام، إذ أصبحت الخلايا المناعية للمريض تنتج الأجسام المضادة التي تدمر الخلايا السرطانية. وتمكّن باحثون إسرائيليون كذلك من بناء برنامج إشعاعي فريد باستخدام اشعاعات معقدة والذكاء الاصطناعي لعلاج أورام الـ"ساركوما" التي يصعب علاجها، وتُعتبر أوراماً عدوانية ومقاومة للعلاج الإشعاعي والعلاج الكيماوي، وتعرَّف على أنها غير جراحية إذا كانت مرتبطة بالأعضاء الحيوية أو الأعصاب أو الأوعية الدموية. وبحسب ما ذكرت جامعة تل أبيب، طوّر باحثون إسرائيليون أخيراً طريقة جديدة تجعل الخلايا السرطانية تنتج سموماً ذاتياً ثم "تنتحر"، ووفقاً للدراسة التي نُشرت في مجلة "ثيرانوستيكس" شفّر الباحثون الإسرائيليون و"للمرة الأولى في العالم" مادة سامة تنتجها البكتيريا إلى جزيئات الحمض النووي الريبي المرسال (الرنا) وأوصلوا هذه الجسيمات مباشرة إلى الخلايا السرطانية.
انخفاض كبير
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من دخول عامها الثاني، يخشى الباحثون والأطباء والمستشفيات الإسرائيلية أن تؤدي مواقف الأوساط الدولية إلى الإضرار بأبحاثهم وعملهم في الخارج، ومنعهم من التطور المهني ونشر إنجازاتهم الطبية، بل الإضرار في وقت لاحق بالبحث الطبي في إسرائيل ككل، ضمن عزلة دولية غير مسبوقة دخلتها تل أبيب برفضها موقف معظم بلدان العالم المطالبة بوقف إطلاق النار بصورة فورية وإنهاء الحرب. ويدرك كبار العلماء والمسؤولون في عالم الأبحاث في إسرائيل أن ظاهرة المقاطعة التي بدأت قبل عام وصلت اليوم إلى حقبة جديدة، يُنبَذ فيها الباحثون الإسرائيليون حول العالم ويتزايد الرفض الدولي لهم، مما يعرض الأبحاث والإيرادات الإسرائيلية للخطر، وأصبح الوصول إلى المختبرات والبنية التحتية البحثية في أوروبا الآن محدوداً أكثر بالنسبة إلى الإسرائيليين، إذ تؤثر المقاطعة في المقام الأول، ولكن ليس حصراً، في الأبحاث في مجالات الطب والأحياء والفيزياء والفضاء وعلوم الكمبيوتر. وبحسب ما قاله مدير قسم الأورام في مستشفى "إيخيلوف"، رئيس كلية الطب بجامعة تل أبيب عيدو وولف لموقع "واينت" الإسرائيلي، فإن الخطر خصوصاً "يكمن في آثار المقاطعة سواء كانت مخفية أو لا على الطب والصناعات الدوائية وصحة المرضى في إسرائيل"، وأعرب عن قلقه "من مشكلات كبيرة إذا توقف المستثمرون الدوليون عن الاستثمار في التكنولوجيا الطبية والتكنولوجيا الحيوية الإسرائيلية"، وأشار إلى أنه حتى وقت قصير "بدأت شركات الأدوية التي تتعاون عادة مع العلماء الإسرائيليين وتتنافس على تسجيل المرضى الإسرائيليين في التجارب السريرية، باختلاق الأعذار لعدم القيام بذلك"، مما أكده رئيس لجنة "هلسنكي" التي توافق على طلبات الباحثين والشركات والمؤسسات الأكاديمية لإجراء تجارب أو دراسات طبية في إسرائيل جوزيف بيكيل حين قال إن "طلبات الشركات الدولية إجراء الاختبارات والتجارب بالتعاون مع المستشفيات في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة تشهد انخفاضاً كبيراً". في حين أوضحت رئيسة منظمة Science Abroad التي تساعد علماء إسرائيل على العمل في دول أجنبية ريفكا كارمي أن هناك "مقاطعة سرية تشمل رفض قبول منشورات الباحثين الإسرائيليين وتحكيمها، أو رفض عروض حضور مؤتمرات في إسرائيل أو وقف دعوة الباحثين الإسرائيليين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضرار مهنية
وأورد تقرير لصحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية أن الباحثين في إسرائيل يواجهون "ضرراً مهنياً في العثور على مؤسسة بحثية في الخارج تقبلهم للتدريب الداخلي ونشر مقالات مشتركة مع باحثين في الخارج والكتابة لمجلات رائدة وتقديم طلبات المنح للجامعات الكبرى".
وقالت عضو الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم راشيل ألترمان إن فرص قبول الإسرائيليين للحصول على درجة الدكتوراه في الخارج انخفضت بنسبة 10 في المئة، مشيرة إلى أن على الحكومة الإسرائيلية "تبني استراتيجية للتعامل مع هذه الأزمة وتوقع الأزمة المقبلة".
وبيّن تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، بعدما جمعت إفادات أكثر من 60 باحثاً إسرائيلياً، أن علماء وأطباء ورؤساء جامعات بلّغوا عن إلغاء دعوات للمؤتمرات والمحاضرات ووقف التعاون البحثي وإلغاء نشر المقالات العلمية والطبية ورفض المشاركة في إجراءات ترقية محاضرين إسرائيليين، وكذلك مقاطعة لمؤسسات أكاديمية بأكملها.
ووفقاً لاستطلاع نشرته "أكاديمية الشباب الوطنية" فإن عشرات الباحثين الإسرائيليين تعرضوا لشطب أسمائهم من مقالات مشتركة مع محاضرين حول العالم، وعدم قبول طلباتهم للحصول على تمويل بحثي. وبحسب موقع "زمان يسرائيل"، فإن المقاطعة واسعة النطاق ستلحق ضرراً جسيماً بصورة غير مباشرة بالتكنولوجيا المتقدمة وبمجال الطب والبحوث العلمية والعلوم التي تعتبرها إسرائيل مزايا قوة وهيمنة وتفوّق عالمي. ووصلت نسبة الإنفاق القومي على الأبحاث والتطوير والتنمية المعرفية والثقافية في إسرائيل إلى 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل نحو 13 مليار دولار. ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي، وصل الإنفاق على الأبحاث للفرد الواحد عام 2015 إلى 1537 دولاراً الذي يُعتبر من بين أعلى المعدلات في منظمة التعاون والتنمية (OECD)، وبحسب "الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم"، فإن واحداً في المئة من الأوراق والمقالات البحثية المنشورة في العالم هي من إنتاج باحثين إسرائيليين وأن إسرائيل تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم في نسبة الأوراق البحثية المنشورة مقارنة بعدد السكان.
موجة عارمة
على رغم أن أعواماً من الحملات المؤيدة للفلسطينيين، والداعية إلى المقاطعة العالمية لإسرائيل لم تجد سوى دعماً محدوداً، لكن وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن مقاطعة إسرائيل تمتد إلى زوايا جديدة في المجتمع من شأنها "أن تغير الحياة المهنية للإسرائيليين وتضر بالشركات وتؤثر في اقتصاد دولة يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، تعتمد على التعاون الدولي ودعم الدفاع والتجارة والبحث العلمي".
ودعت لجان دولية وأكاديمية بحثية إلى تعليق مشاركة إسرائيل في برامج البحث والتعليم على مستوى أوروبا، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على تمويل الاتحاد الأوروبي، مما يراه باحثون إسرائيليون بمثابة ضربة هائلة لقدرة بلادهم على إجراء البحث العلمي الأكاديمي". وبحسب الصحيفة، فإن الإسرائيليين "لم يعودوا موضع ترحيب في كثير من الجامعات الأوروبية، بما في ذلك المشاركة في التعاون العلمي، وأصبحت مشاركتهم في المؤسسات الثقافية والمعارض الدفاعية من المحرمات بصورة متزايدة".
وأكدت "هآرتس" أن إسرائيل تتعرّض لـموجة عارمة من القرارات الأوروبية التي ستضر بالاقتصاد وبمكانتها، وتتعرّض كذلك "بصورة شبه يومية" منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لقرارات خارجية أدت إلى تآكل فكرة أنها "جاذبة للاستثمارات العالمية".
وأكدت الصحيفة في مارس (آذار) الماضي أن جامعة "أوسلو ميتروبوليتان" أوقفت التبادل الطلابي مع إسرائيل وأن إحدى لجان جامعة "خنت" البلجيكية قررت كذلك تعليق مشاريع يشارك فيها باحثون إسرائيليون، كما قرر مجلس إدارة جامعة تورينو الإيطالية مقاطعة الجامعات الإسرائيلية عموماً، ويقول رئيس جامعة تل أبيب آرييل بورات إن هذا العداء جعل الباحثين الإسرائيليين يخشون على فرصهم في الحصول على منح تقدمها صناديق دولية لتمويل الأبحاث ويترددون في الانضمام إلى مشاريع تعاون دولية.