ملخص
ترى الحكومة المغربية أن السلطة التنفيذية تتفاعل بشكل جدي وإيجابي مع أسئلة نواب البرلمان. فإلى أي مدى؟
كشف أول تقرير للمجتمع المدني في المغرب حول حصيلة رقابة البرلمان لأداء الحكومة، عن تراجع لافت في نجاعة دور المؤسسة التشريعية في مراقبة سياسات وعمل السلطة التنفيذية بالبلاد. واستند التقرير الحديث الذي أنجزته جمعية "سمسم - شراكة مواطنة" لإقرار هذا الوضع على منحنى الانخفاض البيّن في عدد الأسئلة المكتوبة التي يطرحها النواب على وزراء الحكومة، كما في تفاعل وأجوبة الوزراء على أسئلة البرلمانيين، مقارنة مع سنوات مضت من ولاية الحكومة الحالية.
ويرى مراقبون أن الضعف المسجل في الرقابة البرلمانية لأداء الحكومة له تبعات سياسية تتمثل في تفاقم ظاهرة العزوف السياسي للمواطنين، بينما يرى آخرون أنه لا يمكن قياس الرقابة البرلمانية فقط عن طريق الأسئلة من دون بحث كيفية ونجاعة الأسئلة المطروحة من قبل النواب.
"تراجع" في الرقابة والتفاعل
وتطرق التقرير المذكور إلى العمل الرقابي لمجلس النواب وتقييم أدائه خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية الـ 11، وتحديداً خلال الفترة بين الدورة الخريفية، أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والدورة الربيعية، أبريل (نيسان) 2024. ورصدت الدراسة ذاتها حصيلة الأسئلة الكتابية والشفوية التي تم تقديمها من قبل أعضاء البرلمان المغربي، كما سلطت الضوء على تفاعل الحكومة مع مختلف الأسئلة المطروحة تحت قبة مجلس النواب.
ووفق نتيجة الدراسة المعنية، بلغ عدد الأسئلة الكتابية التي طرحها البرلمانيون منذ بداية الولاية التشريعية 16563 سؤالاً كتابياً، أجابت الحكومة عن 11805 أسئلة منها، ولم تتم الإجابة عن 4928 سؤالاً، ما يفيد بأن نسبة إجابة الحكومة عن الأسئلة الكتابية هو 70.55 في المئة.
وخلال السنة التشريعية الأخيرة، يكمل التقرير عينه، طرح البرلمانيون 4356 سؤالاً كتابياً فقط، مقارنة مع السنة التشريعية السابقة التي شهدت طرح النواب 6563 سؤالاً.
والتراجع نفسه طرأ على تفاعل الحكومة مع أسئلة البرلمانيين الكتابية حول مواضيع تهم المواطن المغربي، إذ بلغت نسبة الإجابة 42.26 في المئة فقط مقارنة مع السنة التشريعية السابقة التي بلغت نسبة التجاوب فيها 64.96 في المئة.
الفصل 100
وسجل المصدر ذاته أنه بخلاف منطق الفصل 100 من الدستور المغربي المعدل لسنة 2011، فإن عدداً كبيراً من الأسئلة التي لم تجب عنها الحكومة تجاوزت 20 يوماً المنصوص عليها دستورياً. ويقول الفصل 100 من الدستور "تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة، وتدلي الحكومة بجوابها خلال الأيام الـ 20 الموالية لإحالة السؤال إليها". ووفق الفصل ذاته، "تُقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الأيام الـ 30 الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينص الفصل 101 من الدستور على جزء آخر من رقابة البرلمان على عمل الحكومة، ويورد أن "رئيس الحكومة يعرض أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من غالبية أعضاء مجلس المستشارين، وتُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
المقاربة النوعية
ويعلّق النائب البرلماني محد حنين على هذه الأرقام بقوله إن التقرير المذكور، على أهميته، اكتفى بالمقاربة الكمية لرقابة أعضاء مجلسي البرلمان على أداء أعضاء الحكومة، من دون الاهتمام بالمقاربة النوعية، ويشرح حنين أن "العبرة في هذا الموضوع تكون بطبيعة مواضيع الأسئلة المطروحة من قبل النواب، في أبعادها وراهنيتها، وليس في عدد الأسئلة المطروحة من كل حزب داخل كل جلسة أو كل دورة تشريعية".
وترى الحكومة، من جهتها، على لسان الناطق الرسمي باسمها مصطفى بايتاس، وهو وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان، أن السلطة التنفيذية تتفاعل بشكل جدي وإيجابي مع أسئلة نواب البرلمان. واستدل بايتاس بأن الحكومة أودعت 140 مشروع قانون لدى البرلمان، من بينها 34 مشروع قانون ظلّت قيد الدرس بعد اختتام الولاية التشريعية السابقة، مضيفاً أن البرلمان بمجلسيه معاً صادق بصفة نهائية على 117 قانوناً، من بينها 71 قانوناً بالإجماع و46 بالغالبية.
ووفق بايتاس أيضاً، فإن مجلسي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) يشتغلان معاً بدينامية واضحة، وإن هناك تجاوباً فعالاً يطبع علاقات الحكومة بالبرلمان بشأن مراقبة العمل الحكومي، وخصوصاً على مستوى الأسئلة البرلمانية، إذ أعربت الحكومة عن استعدادها للإجابة عن 1769 سؤالاً شفهياً آنياً، برمج مجلسا البرلمان منها 1269 سؤالاً شفهياً.
تداعيات سياسية
من جهته، سجّل أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية إدريس لكريني، ما سماها مفارقة واضحة تطبع الشأن السياسي في المغرب، إذ إن الدستور وفّر هامشاً كبيراً للمؤسسة البرلمانية من أجل ممارسة أدوراه التشريعية، وممارسة الرقابة على عمل الحكومة، وسنّ السياسات العمومية، غير أن البرلمان لا يحقق كل هذه الغايات المسطرة في الوثيقة الدستورية. وحمّل لكريني المسؤولية إلى الأحزاب السياسية التي أصبحت "تراهن على المقاعد بدل تكوين نخب مناضلة ومثقلة بهموم المواطن وأولويات المجتمع المغربي، وصارت تراهن بشكل كبير على الأعيان الذين ينقصهم في الغالب حسّ المسؤولية السياسية والحزبية"، واعتبر أن "هذا الواقع يفضي إلى هدر كبير على المستوى السياسي والاجتماعي للبلاد، مثل آليات ملتمس الرقابة ضد الحكومة التي لم يتم تحريكها بشكل فعال لمواجهة الإشكالات السياسية والمجتمعية في البلاد، من قبيل موجة الغلاء وندرة المياه، على رغم أن دستور 2011 أزاح مجموعة من القيود التي كانت تعيق هذه العملية في السابق". وتابع لكريني أن ضعف الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي له كلفة سياسية و"هذا الضعف يعتبر أحد العوامل التي تعمق ظاهرة العزوف السياسي بشكل عام وليس فقط العزوف الانتخابي، وتنفّر الشباب من العمل السياسي، وتفرز نوعاً من عدم الثقة بين المواطن والنخب السياسية عموماً والنخب البرلمانية بشكل خاص".