ملخص
يعد ميشيل بارنييه وهو أكبر رئيس وزراء معين في فرنسا، سياسياً معتدلاً ومؤيداً بشدة للاتحاد الأوروبي، لكن خطاباته في السنوات الأخيرة اتسمت بالتشدد في محاولة للحصول على ترشيح من حزبه إلى الانتخابات الرئاسية في 2021 وهي محاولة لم تنجح.
أثار تعيين المفوض الأوروبي السابق، ميشيل بارنييه، رئيساً جديداً للوزراء في فرنسا بتكليف من الرئيس إيمانويل ماكرون، ردود فعل متباينة بين ترقب من التجمع الوطني اليميني المتطرف ورفض وتنديد من تحالف اليسار ما ينذر بتعمق الأزمة السياسية في البلاد، خصوصاً مع دعوات مكثفة إلى التظاهر غداً السبت.
لم يرق قرار الرئيس ماكرون تعيين بارنييه وهو محافظ لتحالف اليسار، الذي سارع إلى التلويح بحجب ثقة فوري عنه في الجمعية الوطنية، فيما قال التجمع الوطني إنه سينتظر خطاب رئيس الوزراء المعين حول السياسات العامة للدولة حتى يقرر في شأن دعمه من عدمه.
ويعد بارنييه وهو أكبر رئيس وزراء معين في فرنسا، سياسياً معتدلاً ومؤيداً بشدة للاتحاد الأوروبي، لكن خطاباته في السنوات الأخيرة اتسمت بالتشدد في محاولة للحصول على ترشيح من حزبه إلى الانتخابات الرئاسية في 2021 وهي محاولة لم تنجح.
وانتقد بارنييه، الذي يلقب بـ"السيد بريكست" بعد أن كان مفاوض الاتحاد الأوروبي من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشدة تفاقم الهجرة غير النظامية، إذ قال في وقت سابق إنها "خرجت عن السيطرة" ليتقاطع في ذلك مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.
مواجهة حجب الثقة
وتعاني فرنسا منذ يونيو (حزيران) الماضي من شلل سياسي فرضته نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا إليها الرئيس ماكرون عقب الانتخابات الأوروبية.
وسارع حزب "فرنسا الأبية" اليساري بزعامة جون لوك ميلونشون أمس الخميس إلى رفض قرار ماكرون. وقال في مقطع فيديو إن "الانتخابات سرقت من الفرنسيين، يجب أن تكون هناك أقوى تعبئة ممكنة غداً ضد انقلاب القوة الذي قام به رئيس الجمهورية".
وقالت الباحثة السياسية الفرنسية، سيلين بوري، إن "ميشيل بارنييه سيواجه بالفعل حجب الثقة من اليسار، لذلك أعتقد أن تعيينه لن ينهي الأزمة السياسية بل على العكس سيعمق المأزق السياسي في فرنسا".
وأكدت بوري في حديثها لـ "اندبندنت عربية" أن "هناك العديد من السيناريوهات التي ستعيش على وقعها فرنسا حال حدث حجب الثقة في الجمعية الوطنية تجاه ميشيل بارنييه، يبقى من أهمها أن الدولة ستدخل في حالة من الشلل والانسداد". وتابعت أن "هناك تداعيات في الأثناء ستكون على المدى الطويل مثل انعطافة فرنسا نحو اليمين من خلال تحالف يصب في مصلحة حزب التجمع الوطني. أي تحالف بين اليمين وماكرون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستنتجت بوري أن "فرنسا الآن تعيش على وضع سياسي يكرس عمل الرئيس ماكرون والسلطة التنفيذية في خضم توترات سياسية كبيرة".
لا خضوع
واستغرق ماكرون 60 يوماً في المشاورات من أجل تشكيل "حكومة جامعة"، وذلك من أجل العثور على شخص يمكنه الإفلات من محاولات حجب الثقة من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان)، بالتالي إنهاء واحدة من أخطر الأزمات السياسية التي عرفتها الجمهورية الفرنسية الخامسة.
وينقسم البرلمان في فرنسا بين ثلاث كتل، تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الذي يجمع الأحزاب اليسارية ويملك 193 مقعداً، يليه معسكر الرئاسة الذي فاز بـ160 مقعداً، والتجمع الوطني اليميني المتطرف الذي يملك 140 مقعداً. ولم يحصل أي من الكتل على الغالبية المطلقة التي تبلغ 289 مقعداً في المجلس الذي يتألف من 577 مقعداً. وأثار تعيين بارنييه غضب اليسار الذي كان يطالب برئاسة الحكومة.
وحول ما إذا سيتم إسقاط بارنييه، قال مدير معهد الأمن والاستشراف الأوروبي والباحث السياسي الفرنسي، إيمانويل ديبوي، إنه "أمر مستبعد... صحيح أن المادة 49 من الدستور تنص على منح إمكانية طرح حجب الثقة لأعضاء الجمعية الوطنية، وكل حزب يملك ما يعادل 58 مقعداً له الحق في طرح حجب الثقة على الحكومة، أي يجب أن يوقعه عشر أعضاء مجلس النواب، إلا أنه لكي يتم اعتماد طلب حجب الثقة، يجب أن يحصل على أصوات الغالبية المطلقة لأعضاء البرلمان، ويجب أن يحصل اقتراح سحب الثقة على 289 صوتاً من أصل 577 وهو رقم لا يمكن لتحالف اليسار تحقيقه إذ يملك فقط 193 نائباً".
اليمين المتطرف المستفيد
ويرى مراقبون وأوساط سياسية في فرنسا أن تعيين بارنييه لن ينهي الأزمة السياسية، لكنه يضع في المقابل مصيره كما مصير الرئيس ماكرون في يد اليمين المتطرف من خلال حزب التجمع الوطني.
وقالت لوسي كاستيتس التي كانت مرشحة اليسار لتولي منصب رئيسة وزراء إن "قرار ماكرون تعيين بارنييه جاء بعد تقديم تنازلات مسبقة للتجمع الوطني وهو أسوأ أمر، علاوة على أن قراره يخالف منطق مؤسساتنا".
ومن جانبه، قال الباحث السياسي طارق مامي إن "ماكرون حاصر نفسه ووضع نفسه في أيدي اليمين المتطرف الذي يهدد بالتصويت لمصلحة الرقابة ضد رئيس الوزراء الجديد وهو بذلك يخالف روح الدستور في فرنسا".
وذكر مامي أن "الأزمة السياسية ستستمر في فرنسا لأن هدف ماكرون ليس حلها بل ربح الوقت مع إمكانية تبدو كبيرة جداً لحل الجمعية الوطنية في يوليو (تموز) المقبل وهو يبعث برسائل من خلال ذلك مفادها أنه هو سيد الساعات وهو الذي يقرر وليس الحزب الفائز بالانتخابات".
وشدد الباحث السياسي على أن "ماكرون قد لا تكون لديه غالبية ضده، لكن ليست له أيضاً غالبية لمصلحته لذلك أعتقد أنه سيواصل العمل وإدارة الدولة من خلال المادة 94/3 من الدستور كما فعل تماماً عندما عين غابريال أتال وجعله رئيساً للوزراء لمدة عام ونصف العام.