لم يلقَ لبنان يوماً اهتماماً دولياً اقتصادياً مثل الذي يحظى به في هذه المرحلة الدقيقة التي تخطت عناوينها الاقتصادية العناوينَ السياسية... ولو أن السياسة في لبنان تبقى أُمّ العلل.
تسعة أشهر عرقلت فيها السياسةُ تشكيلَ حكومة في بلد يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين مقابل الناتج المحلي. وهي نسبة مرشحة للارتفاع، وقد تضع لبنان في أعلى ترتيب المديونية. وهنا المخاطر أعلى.
فالدولة في لبنان تنفق من دون حسيب أو رقيب. ويُتوقع أن يبلغ العجز للعام 2018، 6 مليارات دولار. أما الدين فيلامس الـ 84 مليار دولار.
الدين المتضخم، الذي ترافق مع تراجع النمو وغياب السلطة التنفيذية، أضاف أعباءً إلى مالية الدولة، فارتفعت الفوائد وزادت المخاطر وبادرت وكالة موديز إلى خفض تصنيف لبنان من B- إلى. Caa1 وخفضت وكالات التصنيف الأخرى النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. ولم تعد سندات الدولة المعنونة بالدولار تلقى إقبالاً في ظل تراجع أسعارها وارتفاع فوائدها وكلفة التأمين عليها، ما يرتب اعباء إضافية على الخزينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مؤتمر سيدر
لم يتأخر الدعم الدولي، وشكّل مؤتمر "سيدر" طوق النجاة الأبرز بعدما اعتاد لبنان التأجيل والتمديد والتعطيل، ما استنزف قدراته الداخلية.
وكانت العاصمة الفرنسية استضافت في أبريل (نيسان) 2018 مؤتمراً دولياً لدعم لبنان (سيدر). وحصلت بيروت خلاله على تعهدات بتقديم قروض تبلغ 10.2 مليار دولار تقريباً، إضافة إلى مِنح ومساعدات مقدارها 860 مليون دولار. وشاركت في المؤتمر 50 دولة ومؤسسة مالية عالمية، أصدرت في ختامه بياناً يؤكد دعمها إقتصاد لبنان واستقراره السياسي.
سندات الخزينة المعنونة بالدولار، والتي كانت الأكثر تأثراً بالأزمة، ارتفعت وفق الآجال بين 4 و5 في المئة، وتراجعت كلفة التأمين على الدين. ويُتوقع أن يتراجع في هذه المرحلة الطلب على الدولار الذي شكّل ضغوطاً على العملة المحلية في المرحلة الماضية في ظل حملة ممنهجة تحذر من تراجع سعر الصرف واجهها مصرف لبنان باحتياطيات بالعملات الأجنبية لامست الـ40 مليار دولار.
فأموال مؤتمر سيدر المهمة لدفع النمو من خلال تمويل مشاريع للبنى التحتية، مهمة أيضاً لعودة الاستثمارات والتدفقات النقدية إلى الداخل اللبناني، ولكنها مشروطة باصلاحات هيكلية ومالية قبل الحصول على الأموال مع رقابة على حسن سير العمل خلال تنفيذ المشاريع.
الاصلاحات المطلوبة
لعل أبرز الاصلاحات المطلوبة هي:
- إعادة التوازن إلى المالية العامة، أي الحد من العجز والانفاق وتعزيز الايرادات.
- العمل على خفض العجز من 10.5 في المئة من الناتج إلى حدود 5 في المئة من الناتج خلال 5 سنوات.
- إصلاح الكهرباء التي تستنزف مالية الدولة بملياري دولار سنوياً، ليتخطى العجز الذي تسببه تراكمياً الـ34 مليار دولار.
- مكافحة الفساد المستشري، الذي تقدَّر كلفته المباشرة وغير المباشرة بنحو 10 مليارات دولار سنوياً ما يوازي 10 في المئة تقريباً من إجمالي الناتج المحلي.
- إصلاح الجمارك والتهرب الضريبي الذي يكبد الدولة حوالي 4 مليارات دولار سنوياً.
- تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
- تحسين الحوكمة والمساءلة في المالية العامة.
- تطبيق اللامركزية الادارية.
- تحديث قواعد استدراج العروض.
ملفات ملحة
أما الملفات الملحة فهي كثيرة، ومنها:
- إقرار موازنة للعام 2019 لضبط انتظام مالية الدولة والحد من الانفاق المتمادي باعتمادات خاصة.
- حل معضلة النفايات.
- تلوث الأنهر الذي يهدد الزراعة.
- إصلاح جذري لملف الكهرباء.
- معالجة أزمة اللجوء السوري.
- إقرار خطة مستدامة لملف الاسكان.
- إصلاح البنى التحتية المتهاوية.
- تحديث القوانين التي يعود بعضها إلى أكثر من ربع قرن لجذب الاستثمارات.
- إعادة هيكلة القطاع العام لتحسين انتاجيته.
- وضع خطط لدعم القطاعات المنتجة، والحد من التهريب ودعم الانتاج الوطني.
- ترشيد الانفاق للحد من العجز المتضخم.
واللائحة تطول، فورشة العمل المطلوبة هائلة، ويمر اقتصاد لبنان بحالة تشبه الركود التضخمي الناتج من الأوضاع السياسية التي تضرب ثقة المستثمرين والمستهلكين.
ومع إعلان ولادة الحكومة تنفس اللبنانيون الصعداء، ورحب المجتمع العربي والدولي، وطويت 9 أشهر صعبة اقتصادياً في بلد وصلت البطالة فيه إلى 35 في المئة ضمن فئة الشباب.