ملخص
أعلنت الأمم المتحدة أن غزة منطقة وباء خطرة، وحذرت من حدوث كارثة حقيقية بين سكان القطاع يمكن أن تنتشر بسرعة وسهولة بين دول العالم
قبل 25 عاماً تمكنت السلطات الفلسطينية من القضاء على أخطر مرض فيروسي في أراضيها، لكن بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة عاد شلل الأطفال وبدأ يتفشى بين صغار القطاع، إذ كان سفيان أول طفل تؤكد منظمة الصحة العالمية إصابته بهذا الوباء.
يبلغ الطفل 10 أشهر، وكان من المفترض أن يتلقى جرعة ضد شلل الأطفال، إذ تعتمد وزارة الصحة الفلسطينية بروتوكول منظمة الصحة العالمية في تطعيمات الرضع، ومن بينها شلل الأطفال الذي يجري التحصين منه بعد الولادة بنحو شهرين.
لكن بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على تدفق المساعدات الإنسانية والأدوية والبضائع لقطاع غزة، لم يحظَ الصغير سفيان بالتطعيم وأصيب بالوباء، وتحولت غزة إلى بؤرة أوبئة نتيجة عدم توافر اللقاحات واختلال برنامج التطعيمات المنتظم.
حقائق
عام 1988 كاد شلل الأطفال أن ينتهي من حول العالم بفضل الإجراءات التي اتبعتها الدول كافة لإنقاذ البشرية من هذا الوباء الخطر. وكان من المفترض بحسب منظمة الصحة العالمية استئصاله بصورة تامة بحلول عام 2026، لكن حدث ما هو غير متوقع.
فمن بين دول العالم كان شلل الأطفال يستوطن بلدين فقط وهما أفغانستان وباكستان، لكن بعد حرب القطاع، انضمت غزة إلى المناطق التي ينتشر فيها هذا الوباء، وأصبحت أخطر مدينة في العالم يمكن أن يتفشى فيها المرض بسرعة قياسية، بحسب أطباء.
يُعدّ شلل الأطفال مرضاً فيروسياً، أي أنه ينتقل بين الأشخاص بسهولة، ولا يلزم التلامس حتى يتفشى هذا الوباء، إذ يتميز بأنه شديد العدوى، ويغزو الميكروب الفيروسي الجهاز العصبي ويمكن أن يحدث شللاً تاماً في غضون ساعات.
ينتقل الفيروس عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسة عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة مثل المياه أو الأطعمة الملوثة، ويتكاثر في الأمعاء، أما أعراضه الأولية فهي الحمى والتعب والصداع والتقيّؤ وتصلب الرقبة والشعور بألم في الأطراف.
يصيب الكبار أيضاً
يصيب هذا الوباء الأطفال دون سن الخامسة بالدرجة الأولى، ولكنه يمكن أن يصيب أي شخص غير ملقح ضده بصرف النظر عن عمره، ولا يوجد علاج للوباء ولكن الوقاية منه ممكنة من خلال التطعيمات المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية.
تؤدي إصابة واحدة بشلل الأطفال إلى التفشي بين 200 شخص، وبالمجمل فإن 10 في المئة من المصابين بالشلل يلقون حتفهم بسبب توقف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها، ولهذا الوباء الخطر تداعيات مرعبة على سكان القطاع.
وبالفعل، أقلقت إصابة الطفل سفيان المجتمع الدولي، فيما بثت الرعب لدى جميع سكان غزة، إذ يؤشر تسجيل حالة واحدة بشلل الأطفال إلى تحول القطاع إلى بؤرة تفشي هذا الوباء ليس في حدود جغرافيا غزة فحسب، بل ممكن أن ينتقل كذلك إلى دول العالم، حتى في ظل القيود الصارمة والإغلاق المحكم على القطاع.
تفشٍّ بين دول العالم
يقول رئيس فريق الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية أياديل ساباربيكوف "ما دام أن هناك طفلاً واحداً مصاب بعدوى فيروس الشلل، فإن الأطفال في جميع البلدان معرضون لخطر الإصابة بالمرض".
ويضيف أن "الظروف في غزة تشكل خطراً على الأطفال وتخلق البيئة المثالية لانتشار شلل الأطفال، وقد يسفر الفشل في استئصال الوباء من غزة إلى تحول القطاع لبيئة ملائمة لانتشار العدوى وتفشيها في العالم".
لا مختبرات في غزة
بالصدفة فقط استنتجت وزارة الصحة الفلسطينية أن هناك احتمال وجود عدوى شلل الأطفال بين صغار غزة. ويقول مدير الرعاية الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية موسى عابد "وصل إلى مستشفيات القطاع ثلاثة أطفال يظهرون مؤشرات شلل رخو حاد في أطرافهم تحديداً الساقين، مباشرة أكد الأطباء أنها من الأعراض الشائعة لشلل الأطفال".
حملت منظمة الصحة العالمية عينات من براز الأطفال إلى المختبر الوطني الأردني لشلل الأطفال لتحليلها، يضيف عابد "فقد دمرت إسرائيل المختبر المركزي لوزارة الصحة في حربها على قطاع غزة، ولا توجد أجهزة تحليل متقدمة في القطاع، وهذا يؤشر إلى مدى انهيار منظومة الرعاية الصحية في غزة".
نقلت أيضاً منظمة الصحة العالمية عينات من مياه الصرف الصحي المنتشرة في شوارع غزة إلى المختبر الأردني، وبعد التحليل تبينت إصابة الصغير سفيان بالمرض، وانتشار الفيروس في ستة مواقع من مدينتي خان يونس ودير البلح.
فتاكة وسريعة
"سلالة فتاكة لمرض شلل الأطفال" هذا ما يقوله ساباربيكوف عن نتائج فحص العينات، ويشرح أنه "تم اكتشاف وجود الفيروس المسبب لشلل الأطفال من نوع CVPV2، وهذا هو النوع الثاني من العدوى، إن هذا الفيروس المتحور شديد الخطورة، يصيب وينتشر ويقتل بصورة سريعة".
وبعد ظهور النتائج، أعلنت الأمم المتحدة أن غزة منطقة وباء خطرة، وحذرت إسرائيل ودول العالم من حدوث كارثة حقيقية بين سكان القطاع يمكن أن تنتشر بسرعة وسهولة بين دول العالم.
وظهر شلل الأطفال في غزة نتيجة حرمان السكان من المياه الصالحة للاستخدام، وتدمير البنية التحتية للصرف الصحي وتكدس آلاف أطنان القمامة وانعدام الأمن الغذائي وتكدس السكان في أماكن النزوح القهري، وفق تقييم مديرية الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الفلسطينية.
ويقول مدير المديرية موسى عابد "تعمدت إسرائيل تفشي الوباء إذ منعت إدخال التطعيمات اللازمة، والمعدات المطلوبة لحل أزمة برك الصرف الصحي، وقيدت إدخال مياه صالحة للشرب وأطعمة صحية ونظيفة، مما يخلق بيئة خصبة لانتشار هذا الفيروس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بيئة النازحين
يتخوف سكان غزة من أن يحصد شلل الأطفال أضعاف أعداد الضحايا الذين سقطوا في الحرب، بخاصة في ظل الظروف المناسبة لذلك، إذ يعيش السكان في مدارس الإيواء، وكل مرفق تعليمي يحتمي فيه سبعة آلاف نازح يتشاركون الحمام نفسه وصنبور مياه واحد.
ويقول مصعب "الأوضاع في مدارس الإيواء مأسوية، فمياه الصرف الصحي والنفايات تنتشر في كل مكان داخل مراكز التعليم وخارجها، والأطفال ليست لديهم مناعة من جراء سوء التغذية، وأي فيروس يصيبهم يؤثر في حياتهم".
أما بقية النازحين، فإنهم يعيشون في معسكرات خيام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ومن داخل خيمتها تقول فريال "أدخل المرحاض نفسه الذي يدخله مئات النازحين، ولا توجد مياه في الحمام، وعندما أسير بين الخيام أقفز من فوق سيول المجاري وأتجنب الاقتراب من تلال النفايات في الشوارع، هذه البيئة مناسبة لكل أنواع الأمراض والفيروسات".
عمل البلديات متوقف
يقول منسق اتحاد بلديات قطاع غزة حسني مهنا "تسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تدمير وتضرر البنية التحتية لقطاع الصرف الصحي، بخاصة محطات الضخ والشبكات المنزلية والخطوط الناقلة، في ظل قطع إسرائيل إمدادات الوقود اللازم لتشغيل المضخات".
ويضيف أن "هذا الأمر أدى إلى طفح مياه الصرف الصحي في الشوارع والمناطق المنخفضة، وتسربها إلى شاطئ البحر في بعض المناطق، مما تسبب بكوارث بيئية وصحية خطرة".
هدنة إنسانية
وباء شلل الأطفال دفع الأمم المتحدة إلى المطالبة بهدنة إنسانية مدتها سبعة أيام من أجل تطعيم الصغار وتحصينهم، ويقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "ستعمل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ’يونيسيف‘ على تلقيح أكثر من 640 ألف طفل دون سن الـ10 ضد شلل الأطفال".
وعملية تحصين الصغار ستشارك فيها وزارة الصحة الفلسطينية، ويقول الوزير ماجد أبو رمضان "غزة بحاجة إلى 1.3 مليون جرعة من لقاح شلل الأطفال، لكن إسرائيل ترفض حتى اللحظة إدخال التطعيمات إلى القطاع".
إسرائيل ستنقذ غزة وجنودها
لكن منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان يقول "نهتم في الجانب الإنساني وسمحنا بنقل 1.6 مليون جرعة لقاح ضد شلل الأطفال عبر مطار بن غوريون".
وتخوف الجيش الإسرائيلي من انتشار الوباء وأعلن عن حملة تطعيم واسعة لجنوده الذين يحاربون حركة "حماس" في قطاع غزة، ضد شلل الأطفال. ويقول المتحدث العسكري نداف شوشاني "عثرنا على بقايا فيروس شلل الأطفال في غزة بعد أن أجرينا اختبارات على عينات أخذت من مناطق مختلفة من القطاع"، مضيفاً "قررنا تطعيم جميع القوات الأساسية والاحتياطية من أجل الحفاظ على صحة جنود الجيش والمواطنين الإسرائيليين".