ملخص
مراقبون قالوا إن العزوف هاجس بات يقلق السلطة بشدة، لا سيما في ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية الحالية وإن "ترقية الخطاب الانتخابي ضرورة لتجاوز الظاهرة لأن الشعب لم يعد يقبل ممارسات النظام السابق.
انطلقت الحملة الانتخابية لرئاسيات الجزائر المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، أول من أمس الخميس، وبدأت معها المخاوف من الفشل في دفع الناخبين إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة، لا سيما في ظل "التشكيك" الذي تحاول بعض الأطراف زرعه في أوساط الشارع بأن الموعد محسوم مسبقاً.
هواجس
وتثير نسبة المشاركة في الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية هاجساً لدى السلطة والأحزاب، على اعتبار أنها "البارومتر" الذي يقيس صدقية الاستحقاق، ومدى ثقة الشعب في مؤسساته، وحضوره في العملية السياسية، وما يزيد من المخاوف بلوغ نسب المشاركة في رئاسيات الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) 2019، نحو 39.93 في المئة، في حين بلغت في انتخابات 2014 نحو 51.7 في المئة، بينما بلغت النسبة في انتخابات 2020 الخاصة بالدستور 23.72 في المئة، وأما المتعلقة بالتشريعيات في 2021 فحققت 23.03 في المئة.
ومن أجل تجاوز التخوف من العزوف استبقت السلطة الأحداث بتنشيط مختلف مكونات المجتمع المدني عبر حملات توعوية بأهمية الاستحقاق، إذ أطلق المجلس الأعلى للشباب وهو هيئة رئاسية، مبادرة لحث الشباب على التسجيل في القوائم الانتخابية بهدف تشجيعهم على دخول الحياة السياسية والمشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية المقبلة من أجل إنجاح هذا الموعد المهم.
كما نظمت لقاءات افتراضية تفاعلية مع الشباب بعنوان "شباب الجزائر يتناظر لمستقبل واعد"، ترمي إلى تعزيز ثقافة الحوار والدخول في الشأن العام، وكذا صياغة تصور في شأن مختلف التدابير والإجراءات التي تصب في خدمة الشباب، كما انضم إلى هذه المبادرات "المرصد الوطني للمجتمع المدني" وهو هيئة رسمية، إلى جانب هيئات عدة من المجتمع المدني.
انتقادات
لكن وفي خضم التخوف من العزوف ظهر عامل جديد يحاول إفساد جهود السلطة والأحزاب المشاركة في رئاسيات السابع من سبتمبر المقبل، في رفع نسبة المشاركة إلى مستويات قياسية، بعد أن حررت شخصيات محسوبة على المعارضة رسالة انتقدت فيها بشدة الوضع العام في البلاد، ورسمت صورة سوداوية على جميع القطاعات وفي كل المجالات، وعدت أن الانتخابات الرئاسية المقبلة محسومة مسبقاً، أمام غياب التنافس الشفاف والنزيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي نفس الاتجاه، سارت راغبات في الترشح رفض ملفاتهن، إذ أشارت كل من لويزة حنون، وسعيدة نغزة، إلى أن ما يحيط بالاستحقاق لا يساعد على بسط النزاهة والصدقية، ويفرض الأمر الواقع بعيداً من أي تنافس نزيه بين المترشحين.
تشكيك
وتأتي انتقادات المترشح عن حركة المجتمع السلمي عبدالعالي حساني، لما عده تحيزاً من جانب الإعلام لمصلحة المترشح عبدالمجيد تبون، لتكشف عن بداية معركة، إذ شدد خلال تجمع انتخابي في محافظة تبسة، شرق الجزائر، أنه "يجب أن نخرج من إعلام لا يمارس العدل بين المترشحين، وهذه رسالتنا إلى وزير الإعلام"، في إشارة إلى منح مساحات إعلامية لقادة أحزاب داعمة للرئيس عبدالمجيد تبون بصورة مكثفة، عكس ما ينص عليه القانون الانتخابي الذي يفرض أن تكون أي مساحة إعلامية تمنح لقادة أحزاب داعمة لأي مترشح، ضمن حصة المترشح نفسه وليس خارجها.
وأضاف حساني، أن الحملة الانتخابية تحكمها ضوابط، ولا تسمح بممارسة الضجيج الإعلامي، ومثل هذه الممارسات تخلق حالة يأس لدى الناخبين بسبب كثرة البهرجة، و"نحن لا نريد إفشال الانتخابات ونريد مشاركة الناخبين بقوة"، مبرزاً أن "هناك ثلاثة مرشحين فقط، ويجب أن يحظى كل منهم بحقه في التغطية، وكل من يقوم بنشاط انتخابي لمصلحة مرشح معين، يجب أن يدخل في نصابه ولا يحجز له نصاب ومساحة إضافية، لأن ذلك ليس عادلاً".
ترقية الخطاب الانتخابي
وفي السياق يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية إبراهيم بادي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن العزوف هاجس بات يقلق السلطة بشدة، لا سيما في ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية الحالية، مشيراً إلى أن الرئيس تبون قام بجهود كبيرة في اتجاه إعادة الثقة للمواطنين في مؤسسات الدولة. وأوضح أن "ترقية الخطاب الانتخابي ضروري لتجاوز الظاهرة، لأن الشعب لم يعد يقبل ممارسات النظام السابق، إذ كان الاستهزاء والضحك على أذقان المواطنين سيد المشهد الانتخابي".
ويتابع بادي، في سياق حديثه عن اتهامات بغياب التنافس النزيه بين المترشحين، أن "الخطأ ليس من هذا المترشح أو ذاك، وإنما هناك دائماً من يرفع درجة الولاء دون طلب، وهو ما يفسد العملية الانتخابية ويزرع اليأس في نفوس الناخبين"، مشدداً على أهمية ظهور اللجنة المستقلة للانتخابات في مثل هذه الحالات لإعادة الأمور إلى نصابها والخروج من دائرة التشكيك في نزاهة الرئاسيات. وختم بأن قوة التنافس بين المترشحين الثلاثة وحدها من يدفع بالناخبين إلى صناديق الاقتراع ورفع نسبة المشاركة.
سلوك اجتماعي وسياسي
من جهته يرى الناشط السياسي عبدالكريم باعلي، في تصريح خاص، أن "ما يعاب على رئاسيات 2024، حملتها الانتخابية تأتي في عز الصيف إذ إن الجميع في عطلة، خصوصاً أن حرارة هذه السنة كانت قياسية، وهي فترة لا تشجع على حضور المهرجانات والتجمعات الدعائية، لا سيما بالمناطق الداخلية والجنوب"، مضيفاً أن كل محاولات السلطة والأحزاب على توفير ظروف ملائمة لمشاركة قياسية، تبقى رهينة ممارسات راقية بعيداً من "الفولكلور" الذي طبع انتخابات النظام السابق.
ويواصل باعلي، أن العزوف سلوك اجتماعي وسياسي معرقل للعملية السياسية وللترسيخ الديمقراطي، ومن أجل الوصول إلى مشاركة الجميع في العملية السياسية وجب الحد من مسببات العزوف بالتوجه للاهتمام بنوعية التعليم والحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، والتمتع بكل الحقوق السياسية في ظل التنوع والاختلاف ضمن الوحدة الوطنية، مع ضمان فصل حقيقي بين السلطات، وتحول الإعلام فعلاً إلى سلطة رابعة يخضع لقوانين الجمهورية لا إلى أهواء الحكومات والعصب ومصالحها الضيقة والظرفية. وختم بأن "هناك عزوفاً انتقامياً ناتجاً من تراكمات سابقة، وهو ما يستدعي معالجة أسبابه للخروج من هذا الضيق، كما هناك نفور سياسي جراء تهميش حكومي استهدف فئات واسعة من المجتمع".