ملخص
في انتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة للتونسيين فإن رئيس الوزراء المعين حديثاً سيجد على طاولته كثيراً من الملفات الحساسة، على غرار أزمات المياه وعدم توافر المواد الأساس وغيرها، في وقت تكافح البلاد للخروج من أزمتها الاقتصادية.
أثارت إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد المفاجئة لرئيس الحكومة أحمد الحشاني تساؤلات حول خلفياتها، بخاصة أنها تأتي قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية التي يسعى سعيد خلالها إلى الفوز بولاية ثانية مدتها خمسة أعوام.
وعيّن سعيد وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، وهو إداري له خبرة واسعة في الصناديق الاجتماعية وإدارات أخرى، رئيساً للحكومة بدلاً من الحشاني، وهو متقاعد من البنك المركزي.
وقبل ساعات من تنحيته ظهر الحشاني في مقاطع فيديو تحدث خلالها عن إنجازات الحكومة التونسية في وقت يبدي فيه الرئيس التونسي سخطه تجاه تردي الأوضاع وتقاعس المسؤولين، مما أثار جدلاً حول هذا التباين في المواقف.
غياب الانسجام
وجاءت إقالة الحشاني بعد إتمامه عاماً على رأس الحكومة التونسية، إذ عُين في أغسطس (آب) عام 2023، وفي سياق مساعي سعيد إلى "تطهير الإدارة" وتنفيذ إصلاحات محددة، لكن بعد عام من إطلاق هذه الوعود لا تزال الأوضاع تراوح مكانها، إذ دخلت البلاد أتون أزمات حادة بدءاً من أزمتي المياه والكهرباء في كثير من المدن، وصولاً إلى ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد الأساس مثل الرز والسكر والزيت وغيرها.
وقال الناشط السياسي عبدالرزاق الخلولي إن "قرار إنهاء تكليف أحمد الحشاني برئاسة الحكومة كان يُطبخ منذ أشهر على نار هادئة، ورئيس الجمهورية لديه ثقافة الإنصات إلى مطالب الناس وغالبيتهم ليست راضية عن شخصية الحشاني، وهي شخصية ليست تكنوقراط ولا سياسية".
وأوضح الخلولي أن "إنهاء تكليف الحشاني لم يكن مفاجئاً، ومن بين الأسباب التي قادت إلى الإقالة مقاطع الفيديو التي بثها حول إنجازات حكومته وإعطائه صلاحيات أكثر مما تملك الحكومة، وبخاصة تضاربه مع الرئيس حول أزمة المياه"، مشدداً على أن "أكثر ما أثار حفيظة الرئيس سعيد هو تضارب الأقوال وغياب الانسجام، ولا سيما على مستوى أزمة المياه، فالرئيس منذ أسابيع قام بجولات في مناطق عدة وتحدث عن تعمد لقطع المياه، ولاحظ أن السدود فيها مياه لكن الحشاني أرجع المشكلة إلى الجفاف".
وأضاف الخلولي، "في المقابل فإن تكليف المدوري ليس من فراغ، وهو كفوء وجُرب في كثير من الوظائف قبل حتى أن يصبح وزيراً للشؤون الاجتماعية، وهو من الكفاءات المهمة سواء من حيث التكوين أو تجربته المهنية"، واستدرك "تبين أن الحشاني لم ينجح بالانسجام مع خيارات وسياسات رئيس الجمهورية، ولم يتمكن من التحكم في أعضاء الحكومة وغاب التضامن بين فريقه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غموض
قرار إقالة الحشاني وتعيين المدوري خلفاً له يأتي قبل أسابيع من انتخابات رئاسية من المرجح أن تشكل محطة حاسمة في سياق خلافات حادة بين السلطة في تونس ومعسكر المعارضة.
وقدم الرئيس سعيد ملف ترشحه إلى ولاية جديدة في وقت سابق قائلاً إنه "حظي بجمع أكثر من 240 ألف تزكية شعبية" بحسب تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلام محلية.
وقال الناشط السياسي التونسي فوزي عبدالرحمن إن "هناك غموضاً تاماً حول أسباب وخلفيات تعيين الحشاني على رأس الحكومة ثم إقالته، والمطلوب تفكيك منظومة الحكم لفهم الوضع، فمنظومة سعيد تتألف من الإدارة وبقية أجهزتها سواء القضاء أو الأمن أو غيرهما"، وتابع أن "قيس سعيد يحكم مع الإدارة، لكن ليس للإدارة حزب سياسي بخلاف ما كان سائداً قبل ثورة الـ 14 من يناير (كانون الثاني) 2011، فالرئيس يقيل وزيراً أتى به من الإدارة ويأتي بوزير جديد من الإدارة، لكن هذا لن يخلق أي تغيير لأن العقل الإداري المهيمن يرى أن الإدارة سلطة، وهي غير قابلة على سبيل المثال للرقمنة، والإدارة التونسية محافظة جداً إذ لا توجد أية نقاشات سواء على قانون الصرف أو غير ذلك".
ولفت إلى أن رئيس الجمهورية "يحكم مع الإدارة، ولذلك لن نرى أي تحسن أو تغيير بمجرد تغيير الوزراء، ولا توجد سياسة الآن، والرؤية الإستراتيجية والسياسات العمومية في نهاية المطاف هي تجسيد لسياسة ينفذها إداريون ومؤسسات وغير ذلك، لكن هؤلاء الإداريين وهذه المؤسسات لا يمكنهم رسم سياسات".
وختم عبدالرحمن، وهو وزير سابق، "ترسانة القوانين في تونس ظلت قوانين بالية لأنه لا توجد سياسة ترسم خطاً جديداً، لذلك لن يتغير شيء بتغيير الحشاني".
سد الشغور
وفيما لم تتضح بعد أولويات رئيس الحكومة الجديد، ناقش الرئيس سعيد مع المدوري سدّ الشغور في عدد من الوزارات، فضلاً عن التعديلات المرتقبة على الفريق الحكومي.
وكان رئيس الجمهورية أقال في وقت سابق عدداً من الوزراء، وسط ترقب ملء هذه المناصب خصوصاً في خضم المشكلات التي تعانيها البلاد.