Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أميركا مستعدة الآن لانتخاب امرأة لأعلى منصب؟

الصور النمطية والتحيزات الجنسية تهدد فرص وصول هاريس إلى البيت الأبيض

هاريس والمرشح لنائب الرئيس تيم والز يلوحان للمؤيدين أثناء مغادرتهما بعد إلقاء كلمة خلال تجمع انتخابي في أو كلير بولاية ويسكونسن، 7 أغسطس الحالي (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن الرجال يسيطرون غالباً على المجال السياسي لأن هناك افتراضاً أساساً بأنهم مؤهلون للترشح بسبب اعتقاد كثير من الناس أن أموراً مثل الكفاءة والطموح والحسم والثقة والشدة ترتبط بالسلوك الذكوري، ونتيجة لذلك يفترضون أن الرجال أكثر قدرة على الترشح والمنافسة والاستمرار.

خلال فبراير (شباط) الماضي وقبل أن تدعم بقوة الرئيس السابق دونالد ترمب توقعت المرشحة الجمهورية آنذاك نيكي هايلي أن تصبح للولايات المتحدة امرأة في المنصب الرئاسي هذا العام إما هي أو كامالا هاريس، مرجحة خروج الرئيس جو بايدن من السباق وهو ما تحقق بالفعل، فهل تتحقق بقية توقع هايلي؟ وهل أصبحت أميركا مستعدة الآن لتولي امرأة أعلى منصب مثلما فعل ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أم ستسهم الصور النمطية والتحيزات الجنسية في عرقلة وصول هاريس إلى البيت الأبيض؟

تحيزات جنسية

منذ خروج بايدن من السباق الرئاسي والتفاف الحزب الديمقراطي حول نائبته لتكون المرشحة البديلة واجهت هاريس سلسلة إهانات يرى فيها بعض الباحثين نوعاً من التحيزات الجنسية، فقد وصفها المرشح الجمهوري ترمب ونائبه جي دي فانس بأنها "مجنونة وغبية عنيدة وسلوكها كالقطط التي لا تنجب"، وواصل بعض الجمهوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي شن هجمات جنسية على هاريس في هذه الحملة الانتخابية، ففي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الثالث من يوليو (تموز) الماضي وصف جاكسون لاهمير رئيس مجموعة "قساوسة من أجل ترمب" هاريس بأنها "عاهرة"، مستوحياً الوصف من وسم لمجموعات من اليمين حملت عنوان "جو وهو"، وتعني (هو) اختصار اللغة الإنجليزية لكلمة "هوكر" بمعنى عاهرة.
ووصف القومي المسيحي "لانس والناو" خلال الـ22 من يوليو الماضي هاريس بأنها تمثل "روح إيزابل" وهو مفهوم ديني مسيحي يشير إلى الشر والخطر والنبوة الكاذبة. كما زعم محافظون آخرون أن هاريس شقت طريقها إلى القمة من طريق ممارسة الجنس، مشيرين إلى أن سبب نجاحها يعود إلى علاقة مبكرة كانت تربطها بويلي براون وهو سياسي ديمقراطي بارز من سان فرانسيسكو ومتحدث باسم جمعية ولاية كاليفورنيا.

لكن أستاذة الدراسات الآسيوية الأميركية في جامعة "كولورادو بولدر" جينيفر هو عدت أن "هذه القصص الزائفة عن الماضي الرومانسي لهاريس تتوافق مع الصور النمطية القديمة عن النساء السود باعتبارهن فاسقات، والتي ترجع جذورها إلى اغتصاب النساء السود من قبل مالكي العبيد البيض أثناء فترة العبودية قبل الحرب الأهلية الأميركية".
 

سؤال ضاغط

ووسط هذه الحملات الانتخابية الساخنة بدا أن إمكانية انتخاب هاريس ليس فقط باعتبارها تنتمي لأصول أفريقية وهندية وإنما أيضاً لكونها امرأة تثير قدراً من التوجس والشكوك لدى الأميركيين، وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً تكرر من قبل في انتخابات 2016 عندما نافس ترمب هيلاري كلينتون، أول امرأة تترشح للمنصب الرئاسي من حزب أساسي وهو، إذا كان بإمكان ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تختلف جغرافياً وسياسياً واجتماعياً مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفنلندا والهند، وباكستان وبنغلاديش وليبيريا والأرجنتين وبيرو وبربادوس وساموا انتخاب نساء في أعلى منصب سياسي، فلماذا لا تزال هذه القضية تشكل مشكلة في الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم؟ وإذا كان بإمكان المرأة أن تكون نائبة للرئيس الأميركي فهل يمكن أن تكون رئيسة أيضاً؟ أم إن الأميركيين ليسوا مستعدين حقاً لرئاسة امرأة؟
تضغط هذه الأسئلة حالياً في أوساط النخبة السياسية والثقافية بالولايات المتحدة التي تسعى لمعرفة الأسباب الحقيقية التي حالت دون تمكن المرأة من كسب ثقة الناخب الأميركي، في دولة تمكنت فيها المرأة بالفعل من تحقيق مكاسب سياسية عديدة وحققت أرقاماً غير مسبوقة في شغل مناصب منتخبة، إذ تشغل النساء 153 مقعداً في الكونغرس الأميركي بمجلسيه، ويشكلن 28 في المئة من ممثلي الشعب الأميركي في الكابيتول هيل بزيادة قدرها 59 في المئة عما كان عليه وضع النساء بالكونغرس قبل 10 أعوام وفقاً لمركز بيو للبحوث، كما تشغل 12 امرأة منصب الحاكم من بين 50 ولاية أميركية.
ومع ذلك فإن الدول التي واجهت فيها النساء حواجز اجتماعية وسياسية واقتصادية تمكنت المرأة فيها من الصعود إلى قمة السلطة، بل إن دولاً مثل الفيليبين والأرجنتين اعتلت فيها المرأة سدة الحكم أكثر من مرة، واليوم هناك نحو 100 امرأة تولت حكم بلادها في العصر الحديث، فيما لا تزال المرأة تكافح للوصول إلى البيت الأبيض من دون جدوى على مدى تاريخ الولايات المتحدة البالغ 248 عاماً.

مشكلة المرأة

وعلى رغم ظهور هاريس كثاني امرأة مرشحة للرئاسة من حزب رئيس بعد ترشيح هيلاري كلينتون عام 2016، لا تزال الأسئلة مستمرة حول ما إذا كانت النساء لائقات بالقيادة، وهو ما أشارت إليه بيانات مؤسسة "يوغوف" حول ما يمكن وصفه بمشكلة المرأة في الولايات المتحدة، ففي استطلاع للرأي أجرته يوغوف قبل أيام قال أكثر من نصف الأميركيين (54 في المئة) إن الولايات المتحدة مستعدة لانتخاب امرأة كرئيسة، وهو رقم أقل مقارنة مع الشهر الأول من حملة هيلاري كلينتون عام 2015 حين قال 63 في المئة من الأميركيين إن البلاد مستعدة لانتخاب امرأة لأعلى منصب.
ومع ذلك خسرت المرشحة الديمقراطية الانتخابات الرئاسية ضد دونالد ترمب وفقاً لأصوات المجمع الانتخابي، على رغم أنها حصلت على 3 ملايين صوت أكثر من ترمب في التصويت الشعبي على مستوى الولايات المتحدة، وربما لهذا يتصور الناخبون بعد هزيمة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 أن فوز امرأة في الانتخابات الرئاسية ضد ترمب سيكون أمراً عسيراً للغاية، وأن البلاد ببساطة ليست مستعدة لانتخاب رئيسة.
وتشير دراسات علمية إلى أن هناك نوعاً آخر من التحيز قد يكون له دور وهو ما يسمى "بالتحيز العملي"، أو "التحيز النفعي"، والذي يحدث عندما لا يصوت الأشخاص لمصلحة مرشحة يفضلونها خوفاً من صعوبة أو استحالة فوزها، فقط لأنهم يعتقدون أن الآخرين لن يدعموها، وقد تحاول وسائل الإعلام والنقاد السياسيون وحملات المعارضة استغلال تحيزات الناس بطبيعة الحال وإقناعهم بعدم التصويت لمصلحة امرأة، وهو أمر من الصعب على الناخب العادي أن يتجاهله.

لا مفاجآت

ولا ترى أستاذة العلوم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة ساوثهامبتون كارولين ليشت مفاجآت في شعور الأميركيين بثقة أقل في شأن هذه القضية، إذ تنسب ذلك إلى "الصور النمطية الجنسانية والسرديات على أساس النوع في التغطية الإعلامية، والتي تنعكس على آراء الناخبين أيضاً، فضلاً عن أن عدداً من الناخبين يربطون الوظيفة الرئاسية للولايات المتحدة بخصائص ذكورية نمطية مثل القوة والصلابة والحزم، وهذا يزيد من احتمالية مواجهة المرشحات لتغطية إعلامية سلبية وهجمات جنسية عند تطلعهن إلى هذا المنصب، إذ لا يزال عدد من الناس يربطون بين السمات الذكورية النمطية ووجهات نظرهم حول الرئيس المثالي أو يحملون ارتباطات نمطية وجنسانية حول قضايا السياسة".
وعلى سبيل المثال، غالباً ما ينظر إلى السياسة الخارجية والاقتصاد على أنهما من بين القضايا التي يكون الرجال أكثر ملاءمة للتعامل معها، وهو ما عكسته بيانات استطلاعات رأي "يوغوف" التي تشير إلى أن هاريس ينظر إليها على أنها أضعف من ترمب في القضايا الذكورية النمطية مثل السياسة الخارجية والتضخم والجريمة، لكن ينظر إليها أيضاً على أنها المرشحة الأقوى في قضايا أخرى مثل الإجهاض ومعالجة تغير المناخ وتحسين التعليم والرعاية الصحية.
وتقول الأستاذة في جامعة لويزيانا المتخصصة في علم النفس السياسي نيكول باور إن "الرجال يسيطرون غالباً على المجال السياسي لأن هناك افتراضاً أساساً بأنهم مؤهلون للترشح بسبب اعتقاد كثير من الناس أن أموراً مثل الكفاءة والطموح والحسم والثقة والشدة ترتبط بالسلوك الذكوري، ونتيجة لذلك يفترضون أن الرجال أكثر قدرة على الترشح والمنافسة والاستمرار، بينما ينتظرون من المرأة أن تكدح وتعمل بقوة حتى يؤخذ ترشحها على محمل الجد، مشيرة إلى أن القوالب النمطية في التفكير غالباً ما تكون كامنة في اللا وعي، ونادراً ما تظهر بالكامل في الخطاب السياسي للناس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مزايا للنساء

ومع ذلك، هناك صور نمطية من شأنها أن تفيد النساء ولكنها أشبه بسلاح ذي حدين، إذ ينظر إلى النساء باعتبارهن أكثر جدارة وخبرة في القضايا المرتبطة بالمرأة مثل الرعاية الصحية والاجتماعية ورعاية الأطفال وقضايا المرأة، لكن المرشحات سيستفدن فقط إذا ما كانت هذه القضايا تشكل أولوية للناخب، كما أن الناخبين ينظرون غالباً وبصورة نمطية إلى الرجال المرشحين باعتبارهم أفضل من النساء المرشحات في قضايا الاقتصاد والأمن القومي.
وفي الوقت نفسه، تلاحظ دراسات أكاديمية التعاطف مع النساء باعتبارهن أصدق من منافسيهن الرجال، وهي صفات يعدها معظم الناخبين ضرورة للسياسيين غير أن أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا بيركلي، سيسليا مو حذرت من أن "النظر إلى المرشحات من النساء على أنهن أكثر تحضراً وأخلاقاً يحمل مسؤولية أكبر على النساء المرشحات، لأنه يفتح مجالاً أوسع لخيبات الأمل مع كل اختبار في وقت لا يبدي الناخبون تسامحاً مع النساء بالقدر نفسه الذي يفعلونه مع الرجال، إذ يميل الناخبون إلى معاقبة المرأة المرشحة للانتخابات أكثر من الرجال وبخاصة إذا تعلق الأمر بالفضائح أو الهجمات السياسية، بسبب توقعاتهم المرتفعة بأن المرأة يجب أن تكون نزيهة وقادرة على إصدار الأحكام بصورة جيدة.

تأثير الولاء الحزبي

وبينما تشير دراسات عدة إلى أن النساء اللاتي تترشحن للمناصب القيادية عبر الانتخابات يجب أن تتغلبن على كثير من الصور النمطية والمعايير المزدوجة التي لا تواجه عادة خصومهن من الذكور، يتفق غالبية الباحثين على أن الانتماء الحزبي والتوجه السياسي يتغلبان في معظم الأحيان على تحيز الناخبين ضد النساء في المناصب القيادية، إذ يصطف الناخبون إلى جانب مرشح الحزب بصرف النظر عما إذا كان رجلاً أو امرأة.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة وسكنسون، كاثلين دولان إن "الناخبين يميلون إلى التقيد بالولاء الحزبي خلال التصويت في الانتخابات النهائية الرئاسية، وهو ما تم بالفعل خلال انتخابات عام 2016 حين حصلت كلينتون وللمرة الأولى في تاريخ الأمة الأميركية على غالبية الأصوات الشعبية، على رغم أنها لم تتمكن من الفوز بغالبية أصوات المجمع الانتخابي بما يمكنها من الفوز بالانتخابات".


الفرصة قائمة

ومع ذلك، فإن حصول هيلاري كلينتون على نحو 3 ملايين صوت أكثر من دونالد ترمب خلال عام 2016 يمنح الأمل لأنصار هاريس بإمكانية الفوز هذا العام، على ذات الخصم الذي يحاول الديمقراطيون وصفه بأنه يستمتع بإهانة النساء، على رغم أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن بعض المواقف المتحيزة ضد المرأة أسهمت جزئياً في اتخاذ بعض الناخبين قرارات التصويت لمصلحة ترمب بدلاً من كلينتون.
ويروج المتحمسون والمتحمسات لهاريس إلى خصائص إيجابية تتمتع بها النساء استناداً إلى ما اكتشفه بعض الباحثين بأن وجود النساء في أعلى المناصب يمكن أن يجلب وجهات نظر أكثر تنوعاً وأولويات سياسية جديدة، وأن النساء في السلطة يبنين مشاعر الثقة والشرعية في النظام السياسي، إذ يتمتع المواطنون باهتمام سياسي ومشاركة أكبر تحت القيادة النسائية، كما تقدم النساء في المناصب العليا نماذج يحتذى بها للجمهور.

السيدة الرئيسة

وتتضمن استطلاعات الرأي الأخيرة بيانات جديدة تظهر أن الناخبين الأميركيين ينظرون إلى هاريس على أنها مناظرة أقوى قليلاً من ترمب، ويعرب الناخبون الأصغر سناً عن حماستهم في شأن احتمال مناظرة هاريس وترمب، قائلين إنهم يتطلعون إلى رؤية هاريس تتفوق على ترمب.
وتراهن هاريس على الجيل الأصغر سناً ووسائل التواصل الاجتماعي اللذين يشكلان أهمية كبيرة لحملتها الانتخابية، إذ خلقت روايات إيجابية حولها من خلال الوسوم وفيديوهات المعجبين منذ أن أعلنت عن حملتها، وبعد أن لاحظت الزخم وإمكاناته انضمت هاريس رسمياً إلى "تيك توك" وهي تتمتع بأعلى معدلات التفضيل بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
ويكمن التحدي الكبير في التأطير النمطي الذي يستخدمه الخصوم وكيفية الرد عليه، وكما أظهرت الأبحاث فإن التغطية الإعلامية للمرشحات من المرجح أن تركز على حياتهن الشخصية أكثر من الرجال، وهو ما ينطبق أيضاً على الهجمات السياسية، ففي الأيام القليلة التي دخلت فيها هاريس إلى السباق، تضمنت الهجمات انتقاد خيارات حياتها الشخصية ومهاجمة أسرتها، والسخرية من اسمها باستخدام اسمها الأول فقط ونطقه بصورة خاطئة عمداً، وهو ما واجهته حملة هاريس بطريقة مناسبة تتمثل في معالجة التعليقات من دون ذكرها صراحة، وهي استراتيجية اتصال سياسية قوية في العصر الرقمي، أما بالنسبة للسخرية من اسمها فقد قدم زوج هاريس، دوغ إيمهوف أخباراً جيدة لترمب وأنصاره قائلاً "بعد الانتخابات، يمكنك فقط أن تناديها بالسيدة الرئيسة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير