ملخص
فرضت عمليات الاغتيال الأخيرة، التي تمارسها إسرائيل، أسئلة ملحة حول جدواها، ومدى قدرتها على تفكيك تنظيمات لديها قدرة على استعادة صفوفها سريعاً، بخاصة أنه على مدى عقود أفضت اغتيالات قادة بارزين مثل الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي في "حماس"، وعباس الموسوي في "حزب الله"، إلى صعود قادة آخرين مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل وحسن نصر الله. هؤلاء القادة الجدد لم يكونوا أقل تشدداً من أسلافهم، بل اتسموا بمواقف أكثر صلابة تجاه إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول فعالية سلاح الاغتيال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
على مدى الأيام الماضية تفاعل مسؤولون إسرائيليون، بخاصة المحسوبون على اليمين المتطرف، مع عمليات اغتيال طاولت رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، في أثناء إقامته بطهران، والقيادي في "حزب الله" فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية لبيروت، ومحمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، إثر غارات بخان يونس، معتبرين أنها "ضربة موجعة" لخصومهم.
وسارع عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى الاحتفاء باستهداف هنية، للترويج لهزيمة "حماس" في حرب غزة، على رغم توجيهات مكتب نتنياهو لوزراء الحكومة بـ"عدم التعليق" على عملية الاغتيال.
وفرضت عمليات الاغتيال الأخيرة، التي تمارسها إسرائيل، أسئلة ملحة حول جدواها، ومدى قدرتها على تفكيك تنظيمات لديها قدرة على استعادة صفوفها سريعاً، بخاصة أنه على مدى عقود أفضت اغتيالات قادة بارزين مثل الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي في "حماس"، وعباس الموسوي في "حزب الله"، إلى صعود قادة آخرين مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل وحسن نصرالله. هؤلاء القادة الجدد لم يكونوا أقل تشدداً من أسلافهم، بل اتسموا بمواقف أكثر صلابة تجاه إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول فعالية سلاح الاغتيال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
ورأى مراقبون وخبراء في شؤون الحركات المتطرفة أن الاغتيالات غالباً ما أدت إلى صعود أجيال جديدة "أكثر ميلاً" إلى استخدام العنف، تغذيهم فكرة الانتقام والثأر لقادتهم. معتبرين أن هذه الحركات "تحسن استخدام مقتل القادة في جذب مزيد من المتعاطفين، وتوسيع قواعدها".
أجيال متعاقبة تميل إلى العنف
يقول الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي أحمد سلطان إن اغتيال القادة "تأثيره موقت" في التنظيمات والحركات المسلحة، ويسهم في صناعة أجيال "محملة بالثأر للقادة المقتولين"، إذ تعيد هذه الحركات بناء هياكلها سريعاً. وعزا ذلك إلى امتلاكها بناءً مؤسسياً تنظيمياً معقداً يجمع بين المركزية واللامركزية مثلما الحال في حركة "حماس" و"حزب الله"، بحيث "لا يؤثر استهداف قادتها عليها من الناحية العملياتية".
وبحسب سلطان، هذه الجماعات والحركات والتنظيمات الإسلامية المسلحة تمتلك لوائح ونظماً وآليات لتصعيد القادة، ولا تتعثر حين تفقد قادة الصف الأول، فعمليات الاغتيال التي تستهدف القادة "لا يمكن أن تؤدي إلى تعطيل المشروع".
ما قاله سلطان يتوافق مع إعلان حركة "حماس" السبت أنها تمتلك أنظمة ولوائح مكنتها من اختيار بدائل للقادة الذين قتلوا على مدى العقود الماضية. مشيرة إلى إجراء عملية تشاور واسعة لاختيار رئيس جديد لها. وحول مدى تأثر الهيكل التنظيمي للحركة باغتيال هنية أكدت أن لديها آليات فعالة لاستمرار مسيرة المقاومة حتى في أصعب الظروف. مضيفة "اغتيال هنية سيلهب نار المقاومة ويزيدها اشتعالاً وتصاعداً".
وهدد "حزب الله" إسرائيل برد انتقامي غير متوقع، وفقاً للبعثة الدائمة الإيرانية لدى الأمم المتحدة التي قالت إن رد "حزب الله" على اغتيال إسرائيل لأحد كبار قادته فؤاد شكر، قد يؤدي إلى قيام إيران بمهاجمة أهداف مدنية وعسكرية أوسع وأعمق داخل إسرائيل.
وبحسب ما ذكرته شبكة "سي بي أس" الأميركية نقلاً عن متحدث باسم البعثة يتوقع أن يختار "حزب الله" في رده أهدافاً أوسع وأعمق، وألا يقتصر الرد على الأهداف والوسائل العسكرية فحسب.
اغتيال قادة أم أفكار؟
واتجهت إسرائيل أخيراً إلى تنفيذ عمليات اغتيال لقادة بارزين في حركة "حماس"، حظيت بصدى وتأثير واسع على المستوى الدعائي السياسي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، وقال الجيش الخميس الماضي إن غارة شنتها طائرات حربية على خان يونس جنوب قطاع غزة في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي أسفرت عن مقتله.
وكان الضيف الرجل الأول على رأس قائمة المطلوبين من إسرائيل، ويتهم بأنه العقل المدبر لأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وجاء تأكيد نجاح العملية بعد يوم واحد من اغتيال هنية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في هجوم بالعاصمة الإيرانية طهران.
وبحسب سلطان المؤشرات في الميدان تقول إن منظومة القيادة والسيطرة لدى "حماس" "ما زالت فاعلة" على رغم أن هذه الحرب قتل فيها كبار قادة الجناح العسكري لـ"حماس"، إلا أنها تمكنت من تصعيد قيادات أخرى، ودربت كوادر بسرعة فائقة، واستبدلت قادة وهي في حرب شاملة ومحاصرة من جميع الاتجاهات.
وعلى رغم امتلاك عديد من الشخصيات المستهدفة داخل حركة "حماس" كاريزما وأدواراً فاعلة داخل الحركة، شدد سلطان على أن الواقع العملياتي أثبت أنه "لا يمكن" القضاء على أي "تنظيم باغتيال قادته". مستعيداً وقائع من أرشيف ممتلئ لأميركا في التعامل مع تنظيمات متطرفة بأسلحة الاغتيال.
توسع التنظيمات
وأظهرت شواهد سابقة إخفاق سياسة اغتيال قادة الجماعات والحركات الإسلامية في وأد أي حركة أو تنظيم متطرف، إذ تمكنت هذه التنظيمات من استعادة قواها، والتوسع في أعمال العنف، ولم تثمر الاستهدافات إلا عن "نصر موقت" أو تغير في صورة ومنهج القادة الجدد.
وبالعودة إلى بداية الألفية الثالثة، عندما قتل أبو مصعب الزرقاوي في 2006 حل محله أبو حمزة المهاجر، الذي اختير لاحقاً وزيراً للحرب في تنظيم "داعش"، ونائباً لأبو عمر البغدادي في التنظيم ذاته بالعراق. وعندما أعلنت القوات الأميركية والعراقية مقتل أبو حمزة المهاجر وعمر البغدادي في أبريل (نيسان) 2010، ظهرت ملامح "داعش" باختيار أبو بكر البغدادي خليفة له.
ويقول سلطان لـ"اندبندنت عربية" إنه في وقت ظهر فيه التنظيم "شبه متفكك" جاء البغدادي، ليؤسس دولة سريعاً ممتدة بين العراق وسوريا، ووسع التنظيم، وكان كل جيل "أشرس من الذي سبقه، معتمداً على شخصيات كاريزمية جديدة".
وفقاً للباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي فإن قادة الحركات الإسلامية الجدد يتجهون إلى تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها من سبقوهم إلى القيادة، لافتاً إلى أن هذه التنظيمات لديها مبدأ خاص أنه من غير الممكن أن يمر مقتل قائد كبير بسلاسة. مستعيداً تجربة "حماس" عقب اغتيال الشيخ أحمد ياسين وتولي عبدالعزيز الرنتيسي خلفاً له.
وعندما لم ترد الحركة بقوة تتناسب مع عملية اغتيال ياسين جرى استهداف الرنتيسي وفقاً لسلطان، الذي أوضح أن هذه الواقعة تعلمت منها جميع التنظيمات الإسلامية المسلحة أن عدم الرد يعني أنها "عاجزة عن حماية التنظيم والجماعة، وباتت ضمن أدبيات التنظيمات". وأضاف "لا يوجد تنظيم إسلامي انتهى بمقتل قادته إلا حالة واحدة متمثلة في جماعة التكفير والهجرة التي انتهت كفكرة بإعدام مؤسسها شكري مصطفى، نظراً إلى أنها كانت نخبوية للغاية، لذا عندما غاب مؤسسها انتهت الجماعة". ومضى قائلاً "محصلة الاستراتيجية المسماة أميركياً بقطع رأس القيادة واغتيال مؤسسي تنظيمات العمل المسلح أسهمت أحياناً في الحد من قدرات التنظيم، لكنها لم تقض على أي تنظيم من التنظيمات المسلحة". واستفاض بالقول "هم قتلوا رجلاً كان كل هدفه أن يقتل، لأنه يعد أن القتل نصر، ويحظى برمزية عند الجماعات الإسلامية ككل أن هذا القائد شهيد".
استقطاب المتعاطفين
على مدى عقود سابقة أظهرت الاستراتيجية فشلها في القضاء على الجماعات المتطرفة، بخاصة أنها أسست على أيديولوجية متماسكة يصعب معها أن ينفرط عقدها بقتل قيادتها، كما تعد بعض التنظيمات الإسلامية مقتل القادة "دليلاً على صدق أيديولوجيتها وصحة طريقها"، مثلما كان يصدر تنظيم "داعش" في إعلامه الخاص شعارات منها "صدق دعوتنا باستشهاد قادتنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتفق الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة أحمد بان مع الرأي السابق، إذ يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن استهداف رأس التنظيم يمكن أن "يفت في معنويات التنظيم، لكنه يعزز أيضاً حالة الانتقام داخل الصفوف، ويدفع الحركة إلى أن تكون أكثر تشدداً وتطرفاً، وأقل ميلاً إلى التفاعل مع أي حوار".
وأوضح بان أن الرصاصة التي تنطلق لتنال من رأس أي تنظيم رسالة بأن "الطرف الآخر لا يؤمن بالحوار، وإدراكها أن القوة وسلاح الاغتيال والتصفية سبيله لحيازة النصر وتحقيق الأهداف، لذا تتعزز سردية العنف وعدم قبول التفاوض والحوار داخل هذه الحركات نتيجة هذه السياسة".
ومن ضمن الأمثلة التي ساقها خبير شؤون الحركات المتطرفة لإثبات فرضيته، قوله "فور اغتيال حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان ظهرت قيادة بدت ظاهرياً محسوبة على الحالة المدنية في شخص حسن الهضيبي، إلا أن التنظيم تورط في أعمال عنف واسعة منذ لحظة الاغتيال". وأضاف "رصاصة الاغتيال حفزت لدى الإخوان حالة الميل إلى العنف داخل التنظيم، وهو نفس ما جرى في عديد من التنظيمات الأخرى". وفي ما يتعلق باستخدام هذا السلاح في حرب غزة، قال إن إسرائيل قائمة على فكرة الاغتيال منذ النشأة، وليس مستغرباً أن تغتال حركات "المقاومة" داخله، إذ يترك لديها صورة انتصار يمكن تسويقه للرأي العام.
ترميم الصفوف
ووفق الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب فإن استخدام هذا السلاح "هو اغتيال للأشخاص لا الفكرة، ودائماً ما لا يؤتي ثماره، وغالباً هذه التنظيمات يكون لديها أشخاص يتمتعون بالكفاءة في الصفوف الأولى والثانية والثالثة، ويؤدي القادة الجدد مهامهم في إطار الفكرة المطروحة".
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" أشار أديب إلى أنه إذا أرادت الولايات المتحدة أو إسرائيل القضاء على جماعة أو تنظيم عليها أن "تفكك الأفكار المؤسسة لهذه التنظيمات، وأن تواجه هذه الحركات وتبطل مفعولها، لكن التعامل بسلاح الاغتيال قد يؤثر مرحلياً أو بصورة موقتة في قوة التنظيم، لكنه لا يقضي عليه".
ويرى الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي أن ما حدث لـ"حماس" في الخامس من يناير (كانون الثاني) 1996 عندما اغتيل يحيى عياش وكان مسؤولاً لكتائب عز الدين القسام "لم يتأثر الجناح العسكري وبقيت حركة ’حماس‘ متماسكة وأتى من أضاف إليها". مضيفاً "كان عبدالعزيز الرنتيسي مسؤولاً عن المكتب السياسي لحركة ’حماس‘ وأحمد ياسين الرجل الأول في الحركة قتل الاثنان، ولم يختف التنظيم، لوجود بدائل مثل خالد مشعل وخليل الحية ونزار أبو رمضان".
ويعود أديب ويشير إلى أن سلاح الاغتيال قد يدفع التنظيمات إلى أن تكون أكثر تطرفاً نتيجة اغتيال شخصيات بارزة بداخلها، لكن في الغالب "هدفه دعائي، لمحاولة إثبات أن التنظيم بات ضعيفاً، وقتل بن لادن والبغدادي وما زال تنظيما ’قاعدة الجهاد‘ و’داعش‘ باقيين، واغتيل حسن البنا وما زالت جماعة الإخوان باقية، واغتيل أبو بكر البغدادي وما أطلق عليهم خلفاء تنظيم ’داعش‘ وما زال التنظيم باقياً ويؤثر في أمن وسلم العالم".