ملخص
آلية بيع السوريين كهرباء إضافية خارج منظومة وزارة الكهرباء والإنتاج الغازي والنفطي المحرك للمحطات الحرارية هيمنت على يوميات الناس، الذين يشترون الكهرباء بطرق مختلفة وبأسعار باهظة من قطاعات خاصة غير مرخصة.
أوضحت الحرب السورية أن واحداً من أبرز وأسرع طرق كسب المال هو "الاستثمار بالضوء"، سواء كان ذلك الاستثمار جماعياً أم فردياً، بتدخل حكومي ظاهر أم مبطن، وبهيمنة واسعة لذوي النفوذ في صورة الاستثمار الأوسع أو بالاستثمارات الصغرى التي يشغلها أفراد غير مرعيين رسمياً ليتناولوا كعكتهم الصغرى وحيدين، تاركين كعكات مدن كاملة لمستويات أعلى تتقاسم فيها الأرباح كيفما تشاء.
آلية بيع السوريين كهرباء إضافية خارج منظومة وزارة الكهرباء والإنتاج الغازي والنفطي المحرك للمحطات الحرارية هيمنت على يوميات الناس، إذ يشترون الكهرباء بطرق مختلفة من قطاعات خاصة غير مرخصة، لأن كهرباء الدولة تنقطع في عموم المحافظات ما بين 18 و22 ساعة يومياً، تاركة لهم بضعة أنصاف متفرقة من الساعات ليتنعموا بالتيار.
في دمشق وحمص وحلب والساحل وبقية المدن تقطع الكهرباء لمدة ست ساعات تقريباً بحسب حجم التوريدات التي تتلقاها الحكومة من حلفائها وفق الإعلانات الرسمية للجهات المعنية، وتلك التوريدات بالطبع يجري دفع ثمنها بالدولار.
تجار الضوء
بدأت منظومة الكهرباء تنهار مع توالي أشهر الحرب، ولم تعد تغذي المنازل والمنشآت والمحال وغيرها بصورة مستمرة، فقد بدأ الانقطاع في بداية الحرب بساعتين في اليوم، ثم أربع، ثم 10، إلى أن وصل ذروته التي بلغت 22 ساعة. أمام ذلك الواقع الذي نشب سريعاً واتضحت معه ملامح الدمار الواسع القادم استفاق السوريون على شيء لم يعرفوه مسبقاً وهو "البطاريات والليدات".
وهم بالتأكيد عرفوا البطارية مسبقاً من خلال بطاريات السيارات وغيرها، لكنهم لم يعهدوها مجتمعة مع "الليدات" لمنح الضوء، وعليه خاض "حيتان" الاقتصاد في مراحل الحرب المبكرة رحلة سباق محمومة نحو استيراد ملايين البطاريات، بل والطلب من دول المنشأ أن تصنع لهم بطاريات بقياسات وأحجام مختلفة، وصارت هناك بطاريات من قياس 9 و14 و16 و22 و24 و38 و30 و35 و38 و45 و50 و55 و100 و200 و400، إلخ، ولكل بطارية سعرها، وأبرز دول المنشأ كانت الهند وفيتنام وماليزيا والصين.
وجد السوريون أنفسهم فجأة غارقين في شراء البطاريات من الأسواق لإنارة منازلهم، رفقة أشرطة "الليدات" التي تعلق على الجدران وتوصل مع البطاريات لتمنح إنارة معقولة، وفي السنوات الأولى كانت كل البطاريات التي تستورد من النوع السائل الرديء الذي يهلك بعد فترة زمنية قصيرة للغاية، ثم بعيد عام 2018 بدأ استيراد بطاريات أغلى ثمناً وأكثر ديمومة من أنواع "جيل - أنبوبية"، وفي العامين الأخيرين بدأ استيراد بطاريات نوع "ليثيوم" التي يراوح سعرها ما بين ألف و5 آلاف دولار بحسب استطاعتها.
تهيمن عملياً بطاريات "الجيل" حالياً على الأسواق واستخدامات الناس في منازلهم لجودتها التي تم إثباتها مع الوقت، وسعر قياس 14 أمبيراً الصغيرة منها نحو 30 دولاراً، أما قياس 50 أمبيراً فنحو 100 دولار، وهذه البطارية يجب أن يشترى معها شاحن أيضاً يتفاوت سعره، وبالمجمل فهي قادرة على تشغيل خمسة أمتار من الليدات ليوم بحاله إذا كانت مشحونة بالكامل.
بعد اشتداد العقوبات الغربية المعنية بالاستيراد عام 2020 بدأ السوريون يمتهنون بأنفسهم تصنيع تلك البطاريات ومحاولة تقليد الأساس، نجحوا في بعض الإصدارات وأخفقوا في أخرى، لكنهم بالمطلق أصبحوا ضليعين في أكثر شيء يباع ويشترى حتى إنه ليس مستغرباً أن يقال ما من بيت في سوريا قاطبة ليس فيه "البطارية الحلم".
في خضم كل ذلك لم تتدخل الحكومات السورية المتعاقبة بصورة أكثر من شكلية وفي مفاصل غير مهمة نسبياً، تاركة السوق مفتوحة و"الباب على الغارب" من دون أن تفكر في إدخال ذلك المنتج ضمن سياستها الاستراتيجية سوى في مراحل لاحقة شملت حيزاً ضيقاً جداً من هذه السوق المترامية الأطراف.
الضوء أولاً
أنس جمران صاحب محال لبيع البطاريات في سوق الكهرباء بدمشق، وهو واحد من أكبر الأسواق المتخصصة في سوريا، الذي يعج بمئات المحال التي تبيع المنتجات ذاتها، وتبدو أيضاً متفقة في وضع التسعيرة، وعلى منع التنافس داخل السوق بخصوص البطاريات في الأقل.
يقول أنس "أحياناً يجيء زبون بملابس مهترئة، وآخر فقير، وسيدة عجوز، وغيرهم، كلهم يشترون البطاريات، من الواضح والبديهي جداً أن الناس اليوم تستطيع تأجيل مؤونة الشتاء لكنها لا تستطيع العيش في العتمة، ويمكنها تأجيل شراء ملابس وكل شيء تقريباً، ولكنها لا يمكن أن تتعايش مع الظلام منذ السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً".
ويتابع "هذا عدا عن أن البطاريات لا تستخدم فقط للإنارة، بل ولتشغيل المراوح، وشحن الهاتف المحمول، والحواسب، وعشرات الأغراض الأخرى. ومع تطور أنواع وإمكانات البطاريات ومنظومات الإضاءة صارت هناك بطاريات تتبع منظومة تشغيلية قوامها طاقة الشمس، وتتمكن من تشغيل مكيف وغسالة وحتى براد".
على رغم ذلك يؤكد أنس أن معظم زبائنه من الفقراء الذين يريدون بطاريات للإنارة فحسب، أو يريدون استبدال بطارياتهم التالفة أو محاولة إصلاحها.
قبل أعوام قليلة نشبت ثورة جديدة في عالم الإضاءة والاستفادة من الموارد الطبيعية المتجددة عبر استخدام ألواح الطاقة الشمسية وفق منظومة كاملة تتضافر فيها جهود الألواح مع التمديدات والقواطع والكابلات والبطاريات لتمنح حياة كهربائية شبه مستقرة ومتواصلة، ولكن بكلف خرافية.
آنذاك سيطر على هذه السوق تجار كبار من دمشق وطرطوس، وعلى رغم الكلف الباهظة لم يمنع ذلك الفئة الأكثر اقتداراً من اللجوء إلى تلك المنظومة عوض البطاريات المبعثرة التي تحتاج بالأساس إلى كهرباء الدولة لشحنها.
في العام الماضي قررت الحكومة السورية أخيراً الدخول على خط الطاقة المتجددة بالصورة الأضيق عبر منح قروض ميسرة سقفها 30 مليون ليرة سورية (2000 دولار) ومن دون فوائد، على أن يتم استرداد المبلغ من المقترض خلال 10 سنوات بواقع 10 دولارات شهرياً تقريباً.
تقدم آلاف الناس للحصول على ذلك القرض وتركيب المنظومة، وبالفعل حصل المئات عليه، لكن سرعان ما بدأت البنوك المعنية بالمماطلة والتأجيل والتسويف والاستمهال وفرض شروط جديدة مصطدمة بواقع التعداد السكاني الذي يرغب بالتنعم بالكهرباء.
الخيار الأخير
فوجئت البنوك بعد فترة قصيرة بأن كثيراً من الناس يحصلون على القرض ويركبون المنظومة أمام أعين لجان المراقبة البنكية ثم يفككونها ويبيعونها بعد أيام قليلة بثلثي حقها لتجار مهتمين، وتلك الحال التي ما زالت مستمرة تعد واحدة من أبرز سبل التحايل للحصول على قرض سريع، من دون أن يجد أصحاب الفكرة حتى الآن سبيلاً لضمان وصول القرض إلى هدفه، ولا إلى إيجاد سيولة نقدية كافية لاستمرار التمويل. علماً أن تركيب منظومة الطاقة الشمسية يمر بشروط غير مفهومة، منها موافقة الجوار وموافقة البلدية ومديرية الكهرباء وأخيراً البنك.
في خضم كل ذلك انتشرت المولدات الكبيرة فجأة في شوارع المدن، قد تكون الفكرة موجودة مسبقاً في بلدان أخرى كلبنان مثلاً، لكنها قبل 2011 لم تكن معروفة في سوريا بأي شكل.
احتلت حلب الصدارة بصورة مبالغ بها بتعداد المولدات، تليها دمشق فحمص ثم بقية المدن، وتقوم فكرة المولدات تلك على وضعها في الشارع ومن ثم القيام ببيع الأمبيرات منها إلى المستهلك مباشرة، وبطبيعة الحال يختلف رقم الأمبيرات المبيعة بين منزل وآخر، وبين منزل ومحل صغير، وبين محل ومطعم، إلخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المتوسط يبلغ سعر مولدة "100 kva" نحو 12 ألف دولار، ويمكن لهذه المولدة أن تنتج 300 أمبير، وتعمل على المازوت حيث تستهلك كثيراً منه، ومولدات "100" و"50 kva" هي الأكثر طلباً في الأسواق على رغم توافر مولدات تصل لـ"kva Terra1".
كل مولدة تتمتع حكماً بنظام "3 فاز"، وعلى كل "فاز" يجري تحميل جزء من الأمبيرات المبيعة عليه، ففي حال مولدة "100 kva" يعطي كل "فاز" 100 أمبير، ويمكن الاعتماد عليها لقياس إعطاء كل مولدة لتعداد الأمبيرات، فمولدة 50 kva"" تعطي 150 أمبيراً أيضاً على "3 فاز".
يبيع أصحاب تلك المولدات المشتركة الساعة من الأمبير الواحد بمتوسط 1500 ليرة سورية، وهذا الأمبير يكفي فقط للإضاءة، وفي حال شرائه أمبيرين فسيتمكن من تشغيل إضاءة وشاشة قياس 32 ومروحة صغيرة، أما إذا أراد تشغيل غسالة وبراد وإضاءة فعليه أن يشترك بـ10 أمبيرات.
تباع الأمبيرات حصراً وفق نظام 12 ساعة يومياً، ولا يمكن للمشترك أن يطلب ساعات أكثر أو أقل، هذا هو عرف وعادات السوق، ولئلا يشكل ضجيجها مصدر إزعاج مبالغاً به للجوار إن تم تشغيلها بعد منتصف الليل مثلاً، علماً أن تلك الـ12 ساعة مرنة، فقد تكون من الـ10 صباحاً وحتى الـ10 مساء، أو خلاف ذلك على ألا تتأخر ساعات التشغيل.
وبفرض أن مشتركاً كان يبحث عن الإضاءة فحسب، فإنه سيدفع اشتراكاً يومياً يعادل 18 ألف ليرة سورية (دولار وأكثر)، أي 36 دولاراً شهرياً، ولكن قلة من يأخذون أمبيراً واحداً.
قليل من الدفع
صائب المصري، صاحب مطعم صغير للوجبات الجاهزة في دمشق، يقول لـ"اندبندنت عربية" إنه مد كابلاً من أقرب مولدة له بطول 280 متراً، وكلفه الكابل وحده نحو 1000 دولار، وبالطبع فإن ثمن التمديدات مع القواطع يقع على عاتق المشترك.
ويضيف "أنا مشترك بـ25 أمبيراً في الساعة، وأدفع في اليوم نحو 35 دولاراً، وفي الشهر تقريباً 1000 دولار، لأنني أمتلك برادات عدة في المطعم عليها أن تظل في حال عمل لئلا تخرب اللحوم وتفسد المنتجات الغازية وتصبح التوابل وغيرها غير صالحة للاستخدام، ويظل هذا الحل هو الوحيد لأن شراء مولدة صغيرة لن يفي بالغرض، وفي حال اشتراكي بالأمبيرات فلست مسؤولاً عن الأعطال وتأمين المازوت وغيره".
غيدق نصر صاحب مولدة في حمص يبيع مجمل قدرتها من الأمبيرات للمحال والمطاعم المجاورة، ويدرك أنها مخالفة وممنوعة في سوريا ولا توجد قوانين تنظم وجودها في الشوارع أو تسمح به، على رغم أن مولدات حمص قليلة نسبياً.
يؤكد نصر "أسوأ ما يحصل أن يشتكي الجوار، حسناً بدلت لهم المولدة واشتريت واحدة بكاتم صوت، ثم اشتكوا مجدداً. الناس في سوريا بطبيعة الحال معجونة بثقافة الضرر والشكوى، لكن الحلول سهلة دائماً، قليل من الدفع للجهة المشتكى لديها ويتم غض الطرف، ثم إن هذه المولدات تقدم خدمات وفيرة وكبيرة وليست مسؤوليتنا أن الحكومة لا تستطيع توفير الكهرباء لشعبها".
وحول أرباحه وأقرانه من تلك المولدات، يشير إلى أنه في ظرف عام اشترى سيارة من أرباح المولدة، مبيناً أنه في الوقت ذاته تمر أيام تصبح المولدة خاسرة - موقتاً - بسبب أعطال تصيبها، فهو شخصياً تكبد في الشتاء الماضي زهاء 2000 دولار لإصلاح عطل في مولدته، مستقدماً ورشة صيانة متخصصة من حلب، كذلك فإن المازوت غير المتوافر دائماً يجعلهم أحياناً يشترونه بسعر باهظ مما يقلل أرباحهم، وبمطلق الأحوال فإنهم يشترونه أساساً من السوق السوداء.
حاولت الحكومة متأخرة كعادتها تدارك ملف الأمبيرات، فجربت التدخل في سوق دمشق حصراً تاركة بقية المدن، كان ذلك أواخر العام الماضي عبر تلميحات وبيانات غير مفهومة لخصخصة البيع ووضع شروط مهنية تنظمه من بينها:
أولاً: أن يمتلك المستثمر فريقاً مختصاً يشمل مهندساً وفنيين من ذوي القدرة والاختصاص في مجال الكهرباء، ويمكن التأكد من مدى جاهزية الفريق من خلال المؤهلات التعليمية والتدريبية لأعضاء الفريق الفني، والتحقق من وجود شهادات أو دورات تدريبية معترف بها في سوريا في مجال الكهرباء والصيانة.
ثانياً: إلزام المستثمر بتغذية كل المباني العائدة لمحافظة دمشق ومراكز خدمة المواطن القريبة من المولدات، مع إلزامه أيضاً بإنارة الطرقات الواقعة في محيط مراكز التوليد في أوقات التشغيل.
ثالثاً: إلزام المستثمر بتوظيف ما بين خمسة و10 في المئة من العمال من الجرحى أو ذوي قتلى قوات النظام ممن لديهم الخبرة في مجال الكهرباء، وفي حال عدم وجود الخبرة يتم توظيفهم في الحراسة.
رابعاً: في حال انتفاء الحاجة على المستثمر إزالة كل المواقع بطريقة تراعي عودة المكان إلى وضعه الطبيعي قبل الإشغال، مع مراعاة المنظر الجمالي للمنطقة وعدم ترك أي تشوه بصري من خلال إحضار المستثمر إلى الدائرة القانونية في المحافظة وتوقيعه على تعهد يتضمن التزامه هذا الشرط، وبهذا نضمن تحقيق الشرط قانونياً وقضائياً.
خامساً: بعد الحصول على الرخصة، يستوفى من المستثمر رسم إشغال قدره 2000 ليرة عن كل متر مربع يومياً، على أن تكلف مديرية شؤون الأملاك بتنظيم إجازة الإشغال اللازمة بعد استيفاء الرسوم المترتبة.
وهو بالطبع ما لم يدخل حيز التنفيذ، لتظل الأمور في الغالب على ما هي عليه لقساوة الشروط وعدم مرونتها، أو كما وصفها سوريون كثر بـ"انتفاع جائر من مستثمر جائر".
على قدر بساطهم
معادلة الكهرباء في سوريا معقدة ومضطربة وتفرز بحد ذاتها تبايناً طبقياً هائلاً، بين أسطح تشهد تركيب منظومات الطاقة الشمسية، وأصحابها عموماً ما تبقى من الميسورين في سوريا، وبين مقترضين باعوا المنظومة بأسرها، ومعظم ذوي البطاريات الصغيرة، وهم الشريحة الأشد فقراً. أما الأثرياء فلهم الأمبيرات بكل كلفها التي يكفيهم مجرد التفكير بثمن الكابل الذي سينقل الطاقة إليهم.
وبتجاوز ملف الكهرباء وما كان يمكن أن يكون ولم يكن، فثمة قاعدة ذهبية تقول "إن لم تستطع أن تبني فلا تدمر"، وهنا لا مجال لذكر مئات القرارات الرسمية التي دمرت ما كان باقياً من الصناعة والتجارة والزراعة، لتبقى العقوبات الشديدة القسوة مجرد "شماعة"، على ما يقول سوريون كثر.
وقد يبدو مفاجئاً لكل السوريين أن قانون "قيصر" الأميركي (2019 - 2020) يسمح بتوريد الغذاء والدواء إلى سوريا، ولكنها كما قالوا "شماعة" وإلا لماذا يختفي الغذاء والدواء في سوريا؟
يذكر أن سوريا تراجع إنتاجها النفطي اليومي من 386 ألف برميل عشية الحرب عام 2011 إلى 8 آلاف في 2024، وكذلك تراجع إنتاج الغاز من 27 مليون متر مكعب إلى 10 ملايين في ظل وقوع نحو 90 في المئة من الآبار خارج مناطق سيطرة الحكومة. وبالنظر إلى النسبة والتناسب فإن الأرقام الحالية، بحسب وزير الصناعة السوري فراس قدور، تلبي بحدها الأعظم حاجة أربعة في المئة من الاحتياج السوري للنفط، والغاز يلبي نحو 30 في المئة.
وبالطبع فإن تهاوي نسب الإنتاج تلك ألحق أضراراً فادحة بكل المستويات الإنتاجية الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية والطبية، وحتى على صورة البلد بأكمله.
قبل سنوات كان أحد السوريين يستعرض فيديوهات لوصوله إلى الإمارات، يومها قال حرفياً "يكفي أن الكهرباء هنا لا تنقطع"، وحتماً فإن غياب الكهرباء ليس سبباً رئيساً لهجرة السوريين الطوعية، لكنهم استشعروا أهميتها بعد أن وصلوا بلداناً بعيدة، كما يقول الصحافي صلاح ماجد لـ"اندبندنت عربية"، فـ"بعد أن وصلت إلى ألمانيا قبل عامين عابراً بحراً وغابات شعرت أنني حي من جديد، وبعد قليل من الوقت شعرت أني كنت أعمى في بلدي ولم تربطني علاقة مع أحد كتلك التي كانت بيني وبين (فلاش) هاتفي في كل الليالي".
الخبز بأهمية الكهرباء
مصدر مطلع في وزارة الكهرباء قال لـ"اندبندنت عربية" إن قيمة الأضرار الواقعة على المنظومة الكهربائية في سوريا حتى العام الحالي بسبب الحرب بلغت نحو 40 مليار دولار أميركي، في حين بلغت نسبة الأضرار غير المباشرة 80 ملياراً.
وأضاف المصدر "وزير الكهرباء مع الفريق الحكومي لا يدخرون جهداً في سبيل إصلاح وتحسين وترميم ما يمكن ترميمه في صورة المنظومة، لكننا أمام كل مفترق نجد أنفسنا في مواجهة العقوبات الغربية التي تمنع التوريد لنتمكن من تحسين الواقع المنهار حالياً بصورة شبه كاملة".
واعتبر المصدر أن القطاع الكهربائي يخضع لشروط إنسانية غير سياسية معنية بتوظيفه لرعاية مصالح وشؤون ويوميات الناس بعيداً من الأسباب غير المفسرة التي تجعل سوريا تعاني شكلاً وموضوعاً من تصعيد نسب الإنتاج الكهربائي، بدءاً من صعوبة الحصول على معدات الصيانة وصولاً إلى فقدانها السيطرة على مواقع ثروتها الاستراتيجية من الذهب الأسود شرق البلاد.
المصدر اختار عدم الكشف عن اسمه لطبيعة مكانته الوظيفية التي تمنعه من إبداء رأي غير مطابق للسياق العام في صورة التصريحات الرسمية، إذ يرى أنه وبمعزل عن كل ما أورده من أسباب، كثيراً ما كانت هناك حلول ولو بسيطة، فحليفتا بلده روسيا وإيران تكادان تتفوقان في الإنتاج المغذي على معظم دول العالم.
ويتابع "التسويف الحكومي عبر جملة حكومات متعاقبة منذ عام 2011 مهد أرضية خصبة لاجتياح سوق الكهرباء من قبل حيتان صاروا يمتلكون زمام المبادرة ويبيعون الكهرباء للناس وفق تسعيرات يحددونها بأنفسهم، متحدين الحكومة التي لم تشرع بيع الكهرباء عبر المولدات الخاصة، والتي في الوقت ذاته لم تتخذ إجراءات تذكر لحماية المواطنين من جشع التجار أو في الأقل تنظيم عملهم أو في أضعف الإيمان أن تتولى هي المسؤولية وتقود مبادرة بيع الكهرباء بصورة مدعومة كما حال مواد رئيسة مدعومة أخرى، فالمواطن اليوم يقول إن الخبز بأهمية الكهرباء، وهذا منطقي".