ملخص
كان مؤشر "ناسداك" المجمع لشركات التكنولوجيا هو الأكثر تراجعاً، إذ انخفض 2.34 في المئة أمس، بعد خفضه أول من أمس أيضاً بنسبة كبيرة ليخسر خلال الأسبوع 3.4 في المئة من قيمته
شهدت الأسواق الكبرى في العالم عمليات بيع كثيفة بنهاية الأسبوع أدت إلى هبوط كبير في مؤشرات السهم وسط مخاوف المستثمرين من احتمالات الركود في أكبر اقتصاد في العالم، وكذلك نتيجة عوامل أخرى منها بدأ منحنى التراجع في بعض القطاعات التي شهدت مغالاة هائلة في قيمة الأصول في الفترة الأخيرة.
بنهاية تعاملات الأسبوع أمس الجمعة، وبعد صدور تقرير الوظائف والأجور في الاقتصاد الأميركي عن يوليو (تموز) الماضي هبطت مؤشرات الأسهم التي شهدت هبوطاً كبيراً أيضاً أول من أمس الخميس.
كان مؤشر "ناسداك" المجمع لشركات التكنولوجيا هو الأكثر تراجعاً، إذ انخفض 2.34 في المئة أمس، بعد خفضه أول من أمس أيضاً بنسبة كبيرة ليخسر خلال الأسبوع 3.4 في المئة من قيمته، وأصبح مؤشر "ناسداك" أول المؤشرات الكبرى التي تدخل مرحلة "تصحيح" بعدما فقد بالفعل 10 في المئة من أعلى مستوى وصل إليه.
أما مؤشر "أس أند بي 500" القياسي فقد 5.7 في المئة عن أعلى مستوى وصل إليه، بينما خسر مؤشر "داو جونز" الصناعي 3.9 في المئة من قيمته.
وعلى رغم أن كثيراً من المحللين أرجعوا الهبوط الكبير في مؤشرات السوق إلى بيان اقتصادي واحد هو تقرير الوظائف الأميركية على رغم أهميته، فإن هناك عوامل كثيرة تختمر في السوق منذ فترة أدت إلى هذا الهبوط الذي يمكن أن يستمر لفترة كعملية تصحيح للارتفاع الكبير المستمر منذ عامين أو أكثر، بل وربما يقود إلى هبوط أكبر فيما يشبه الانهيار.
"الفيدرالي" وسوق العمل
لم يقتصر الهبوط في مؤشرات الأسهم على الولايات المتحدة، بل إن الأسهم اليابانية منيت هي الأخرى بخسائر غير مسبوقة منذ عقد من الزمان، وارتفع سعر صرف الين مقابل الدولار 10 في المئة عن مستواه منتصف يوليو الماضي، ذلك بالطبع بعد القرار المفاجئ لبنك اليابان المركزي برفع سعر الفائدة على عكس التوجه العالمي نحو التيسير النقدي. وبالطبع كانت البنوك وشركات التكنولوجي أكبر المتضررين من عمليات البيع الهائلة للأسهم، والتي جعلت مؤشر "يورو ستوكس 600" الأوروبي يفقد 2.7 في المئة من قيمته.
وجاءت أرقام التوظيف التي صدرت أمس الجمعة محبطة بعدما تبين أن الاقتصاد الأميركي أضاف 114 ألف وظيفة في يوليو الماضي فحسب، وهو رقم أقل بكثير من توقعات السوق ويكاد يكون نصف متوسط معدل التوظيف الشهري على مدى عام عند 215 ألف وظيفة، وزاد معدل البطالة في أميركا بنحو 0.2 في المئة لتصل نسبة البطالة إلى 4.3 في المئة.
قد لا يبدو التراجع في التوظيف والتشديد الذي تشهده سوق العمل في أكبر اقتصادات العالم كبيراً بالقدر المخيف، لكن الأسواق والمحللين والاقتصاديين اعتبروا ذلك مؤشراً إلى تباطؤ الاقتصاد بصورة عامة وعادت مخاوف الركود بقوة مرة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأ كثر يلقون باللوم على الاحتياط الاتحادي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، بعدما تأخر في بدء خفض أسعار الفائدة، على رغم أن اجتماع لجنة السوق المفتوحة الأربعاء الماضي أشار إلى أن البنك سيبدأ الخفض الشهر المقبل ربما بربع نقطة مئوية.
إلى ذلك، يعتقد بعض المحللين أن خفض الفائدة 0.25 في المئة ليس كافياً، وأن "الفيدرالي" ربما يحتاج إلى خفض نصف نقطة مئوية أو حتى نقطة كاملة لتصبح الفائدة أربعة في المئة، وذلك حتى لا يدفع بالاقتصاد نحو الركود.
في غضون ذلك، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن كبير الاقتصاديين في مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني مارك زادي قوله إن "الفيدرالي ارتكب غلطة"، موضحاً "كان عليه البدء في خفض أسعار الفائدة قبل أشهر"، مضيفاً "يبدو أن خفض ربع نقطة مئوية في سبتمبر (أيلول) المقبل لن يكون كافياً".
وتابع زادي "على الفيدرالي خفض الفائدة بنصف نقطة مئوية مع إشارة واضحة على استمرار الخفض الكبير بصورة أقوى مما تشير إليه رسائلهم".
مخاوف الركود
من ردود فعل السوق الواضحة جداً غير عمليات البيع الهائلة للأسهم التي هوت بالمؤشرات هو خفض العائد على سندات الخزانة الأميركية بنسبة تقارب نقطة مئوية.
ومرة أخرى يلقي المحللون والاقتصاديون باللائمة على "الفيدرالي" وعدم قدرته على توقع مسار الاقتصاد بما يجعله يخطئ في مسار السياسة النقدية.
وكتب الاقتصادي المعروف محمد العريان على حساباته في مواقع التواصل يقول "تدرك الأسواق الآن أن التباطؤ في الاقتصاد الأميركي أسرع وأوسع نطاقاً مما كان يعتقد من قبل". وأضاف "في هذا السياق فإن خفض العائد على سندات الدين الحكومية بدلاً من أن يدعم السهم يؤكد أكثر على الأخطار الائتمانية، وكذلك أخطار السوق".
وفي تعليق آخر للعريان يشير إلى أن "البنك المركزي الذي رفع سعر الفائدة بثلاثة أرباع النقطة المئوية ما يعادل 0.75 في المئة أربع مرات من قبل في سياق التشديد النقدي يتجه الآن للخفض بربع نقطة، والتي تبدو غير كافية لإعادة النشاط للاقتصاد وتفادي الركود".
تجاوزت مخاوف الركود حتى الاقتصاديين والمحللين في السوق، بل طاولت السياسيين أيضاً، فقد طالبت عضو مجلس الشيوخ عن الحزب "الديمقراطي" إليزابيث وارن رئيس "الفيدرالي" جيروم باول بالتصرف بسرعة، وإلا فإنه يخاطر بدفع الاقتصاد نحو الركود.
وكتبت في حسابها على مواقع التواصل عن باول "لقد تم تحذيره مراراً وتكراراً من أن الانتظار طويلاً حتى البدء في خفض سعر الفائدة يزيد أخطار اتجاه الاقتصاد نحو الهاوية". وتابعت أن "أرقام التوظيف ناقوس خطر أحمر، وعلى باول أن يلغي عطلته الصيفية ويبدأ في خفض الفائدة الآن، وليس بعد ستة أسابيع".
ويتفق راي وارين مع بعض المحللين الذين يرون أن "الفيدرالي" ضيع فرصة تفادي الركود بعدم البدء في خفض سعر الفائدة في الاجتماع الأخير، لكن من المهم أيضاً الإشارة هنا إلى أن الهبوط في مؤشرات الأسواق، على رغم مخاوف التباطؤ الاقتصادي نتيجة استمرار أسعار الفائدة المرتفعة، بل إن هناك عاملاً آخر في غاية الأهمية يتعلق ببدء عودة التوازن لأسعار أسهم شركات شهدت ارتفاعات صاروخية في قيمتها السوقية في الآونة الأخيرة مثل شركات التكنولوجيا.
ومع أن "الفيدرالي" لم يعد كما كان من قبل يستجيب لتأثر السوق وتذبذباته ويميل أكثر للاهتمام بمؤشرات الاقتصاد الكلي، خصوصاً معدل التضخم وسوق العمل وغيره من المؤشرات، فإن الضغوط على البنك المركزي في الآونة الأخيرة من جانب الشركات والسوق زادت بشدة، وجاءت متوازية مع دلائل على تباطؤ اقتصادي واضح بسبب أسعار الفائدة المرتفعة.