على رغم أن كل الأنظار تنصب على من سيفوز بالرئاسة الأميركية فإن الناخبين سيختارون أيضاً في ورقة الاقتراع نفسها أعضاء جدداً في الكونغرس، فينتخبون جميع أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 لمدة عامين، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعددهم 34 لمدة ست سنوات، إذ يسعى كل من الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي للسيطرة على المجلسين أو أحدهما في الأقل لضبط خطط الفائز بالبيت الأبيض إذا كان من الحزب المنافس. فإلى أي مدى يؤثر انتخاب الرئيس في حظوظ أعضاء الكونغرس؟ وهل أسهم خروج جو بايدن من السباق في دعم فرص الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب؟
ليس الرئيس وحده
لن يشهد هذا العام في الولايات المتحدة تغييراً حتمياً في اسم وهوية شاغر البيت الأبيض الآن من الرئيس بايدن الذي قرر الانسحاب من السباق إلى دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري أو كامالا هاريس التي ينتظر أن يرشحها الحزب الديمقراطي خلال ثلاثة أسابيع، بل سيشهد على الأرجح تغييراً لا يقل أهمية حول من يسيطر على الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، ففي الثلاثاء الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل سيصوت الناخبون على اسم الرئيس في أعلى ورقة الاقتراع، كما سيصوتون أيضاً لاختيار 469 ممن يمثلونهم في الكونغرس الأميركي (34 مقعداً في مجلس الشيوخ وجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعداً).
ولأن الجمهوريين يسيطرون على مجلس النواب بغالبية ضئيلة للغاية 220 مقابل 212، فإن التنافس الشديد على 25 مقعداً يتعادل فيها المتنافسون بحسب استطلاعات الرأي، يشجع الديمقراطيين على السعي من أجل استعادة السيطرة على المجلس ومن ثم القيام بدور موازن وضابط ورقابي على الرئيس السابق ترمب إذا فاز بالانتخابات، بخاصة أن سيطرة الديمقراطيين الحالية على مجلس الشيوخ بغالبية 51 مقابل 49 للجمهوريين، تجعل حظوظ الجمهوريين أكبر لاستعادة السيطرة على المجلس الذي يجري التنافس فيه على 34 مقعداً منها 23 يشغلها ديمقراطيون حالياً، في وقت أصبح من المؤكد خسارتهم مقعد السيناتور جو مانشين الذي خلا للجمهوريين في ولاية حمراء هي وست فرجينيا.
أمل الديمقراطيين
وبعد الأداء الكارثي الذي قدمه الرئيس بايدن في المناظرة الأولى مع ترمب في يونيو (حزيران) الماضي، بدأ المسؤولون الديمقراطيون بمن فيهم 40 من أعضاء الكونغرس بالمجلسين في الإدلاء بتصريحات عامة تدعوه إلى التنحي عن السباق الرئاسي، فضلاً عن جهود متعددة خلف الكواليس لحمل الرئيس على إعادة النظر في ترشحه خلال الأيام التي سبقت الـ21 من يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلن انسحابه، وكان الدافع الرئيس للمطالبين بخروجه من السباق الرئاسي، ليس فقط محاولة الاحتفاظ بالبيت الأبيض في يد الديمقراطيين، وإنما أيضاً السعي إلى استعادة السيطرة على مجلس النواب الذي يقر خطط الموازنة في محاولة لإحداث التوازن السياسي والرقابة إذا فاز ترمب بالانتخابات.
ويعود ذلك إلى أن فرص المرشح الذي يكون على رأس بطاقة الديمقراطيين الانتخابية من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية ويزيد من فرص أعضاء الحزب المرشحين لعضوية مجلسي النواب والشيوخ، ومع التفاف الحزب خلف نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة رئاسية مفترضة، يمكن لها إذا تمكنت من الاقتراب من أداء بايدن عام 2020، أن تمنح الديمقراطيين فرصة لاستعادة الغالبية في مجلس النواب وفرصة أخرى ضيقة للاحتفاظ بمجلس الشيوخ، ولكن كون هاريس في وضع تنافسي شديد مع الرئيس ترمب، فإن هذا يقلل من عدد الناخبين المتقاطعين (الذين لا يصوتون بانتظام) ويحتاج إليهم الديمقراطيون للفوز في الولايات الصعبة والدوائر الانتخابية شديدة التنافس.
إعادة ضبط السباق
وقبل انسحاب بايدن، كان الرئيس السابق ترمب في وضع يسمح له باكتساح الولايات المتأرجحة بما في ذلك أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكنسن، كما اقترب من الفوز ببعض الولايات الديمقراطية بما في ذلك مينيسوتا ونيو مكسيكو وفرجينيا، بما كان سيمكنه من تحقيق فوز كبير يصل إلى 312 صوتاً مقابل 226 في المجمع الانتخابي، أي أكثر من 304 التي حصل عليها عام 2016 وأكثر من أي مرشح جمهوري منذ جورج بوش الأب عام 1988 حين فاز بـ426 صوتاً، وربما كان ترمب سيصبح أول جمهوري يفوز بالتصويت الشعبي منذ 20 عاماً. لكن الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ كانوا قادرين على الشعور بما يحدث تحت أقدامهم ولم يكن قلقهم متجذراً في كرههم بايدن أو حتى الاعتقاد أنه لا يمكن أن يكون رئيساً فعالاً، بل افتقارهم إلى الإيمان بقدرته على شن الحملة اللازمة لهزيمة ترمب.
ومن المؤكد أن خروج بايدن وانتقال الديمقراطيين بسرعة إلى نائبته كامالا هاريس لم يضمن النصر، لكنه غير مسار الانتخابات، وأعاد ضبط السباق بالصورة الذي يتيح المساعدة في المنافسة الجادة على الكونغرس.
سياسة التحفيز
وفي حين كان الجمهوريون موحدين ومتحمسين في مؤتمرهم الوطني في ميلووكي، بدا الأمر وكأن الديمقراطيين متجهون إلى جنازة سياسية في مؤتمرهم بمدينة شيكاغو في الـ19 من أغسطس (آب)، فقد كان بايدن يخسر شعبيته بسبب الديمقراطيين الساخطين أو المحبطين الذين قرروا البقاء في منازلهم يوم الانتخابات أو التصويت لمرشحين من أحزاب ثالثة أو مستقلين مثل روبرت كينيدي الابن.
وبدلاً من ذلك، حفز ترشيح هاريس المفترض القاعدة الديمقراطية بصورة ملموسة، حيث تدفقت التبرعات بالتوازي مع زيادة المتطوعين بطريقة لم يستطع بايدن القيام بها، وعلى رغم أن هذا ليس كافياً لتحقيق النصر في نوفمبر بحسب المحلل السياسي في مجلس الشؤون العامة ناثان غونزاليس، فإنه ضروري كي يخرج الناخبون الديمقراطيون بمستويات طبيعية للتصويت للديمقراطيين، وتقليص هوامش الولايات التي تعد ساحة معركة رئيسة إلى الحجم الطبيعي، وإعادة الولايات الديمقراطية تقليدياً خلال السنوات الأخيرة مثل مينيسوتا ونيو مكسيكو وفرجينيا إلى خارج متناول بطاقة ترمب - جي دي فانس الانتخابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقسيم الأصوات
غير أن رهان الديمقراطيين على أن تغيير المنافس الرئاسي لهم من بايدن إلى هاريس يمكن أن يساعدهم للفوز في المقاعد التنافسية للكونغرس، يبدو أنه يحظى بمنطق مقبول بالنظر إلى مؤشرات السباقات الانتخابية الأخيرة، إذ تعود سياسة تقسيم الأصوات (أي التصويت لمرشح رئاسي من حزب ما والتصويت لمرشح بالكونغرس من الحزب المنافس لإحداث توازن في الحكم) تعود إلى عام 1972 حين بلغت ذروتها في ذلك الحين عندما اختار ما يقارب 30 في المئة من الناخبين الإدلاء بأصواتهم لأحزاب مختلفة للرئاسة والكونغرس والرئاسة، وهو العام الذي فاز فيه الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون بغالبية ساحقة على المرشح الديمقراطي جورج ماكغفرن، وفاز بكل ولاية أميركية باستثناء ماساتشوستس والعاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا).
وعلى رغم هذا الفوز الساحق احتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ، إذ اختار الناخبون 17 عضواً في مجلس الشيوخ من حزب سياسي مختلف عن الحزب الذي دعموه للرئاسة، وفقاً لمركز السياسة بجامعة فرجينيا.
لكن منذ ذلك الحين بدأت سياسة تقسيم الأصوات في التراجع طوال التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الـ21، حين وصلت هذه الممارسة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في انتخابات عام 2020، عندما أدلى 7.1 في المئة فقط من جميع الناخبين بأصواتهم لأحزاب مختلفة لمجلس الشيوخ والرئاسة.
وفي عام 2016 لم تصوت أي ولاية لمصلحة أعضاء مجلس الشيوخ من حزب مختلف عن الحزب الذي اختارت مرشحه لمنصب الرئيس، وفي عام 2020 كانت السيناتور الجمهورية سوزان كولنز من ولاية ماين هي السيناتور الوحيدة التي فازت بينما دعمت ولايتها المرشح الرئاسي من الحزب الديمقراطي وهو بايدن.
ووفقاً للمتخصص في مجال العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا غاري جاكوبسون، فإن المرشحين القلائل لمجلس الشيوخ الذين يمكنهم الفوز يكونون غالباً من شاغلي المناصب الراسخين الذين يتمتعون بسمعة محلية قوية، وعادة يكونون في الولايات الأصغر حيث يسهل على الناخبين التعرف إلى المرشح، مثلما حدث لسنوات مع ديمقراطيين في ولايات جمهورية حمراء مثل جو مانشين في وست فرجينيا أو جون تيستر في مونتانا، وهناك أيضاً محاولة الحاكم الجمهوري السابق لاري هوغان للحصول على عضوية مجلس الشيوخ في ولاية ميريلاند الديمقراطية القوية، وهو ما سيكون محل اختبار حول ما إذا كان ناخبو هاريس سيقسمون أصواتهم لمرشح جمهوري لمجلس الشيوخ أم لا.
تحت الاختبار
وتشير المحللة السياسية المتخصصة في الانتخابات سيمون باتي إلى أن مدى تأثير التغيير في قمة البطاقة الانتخابية للديمقراطيين على تحولات سباقات مجلس الشيوخ سيكون أحد أكثر الأشياء إثارة للاهتمام التي تخضع للاختبار ويجب مراقبتها خلال الأشهر المقبلة.
تضيف باتي أنه على رغم أن هاريس كانت أفضل من ترمب إذا قورنت بالرئيس بايدن بالنسبة إلى بعض المجموعات الديموغرافية الرئيسة مثل الناخبين الشباب والناخبات والناخبين السود، فإن هذا الواقع السياسي الجديد لا يزال في بدايته، ونظراً إلى قوة ترمب في ولايات جمهورية مثل مونتانا، كان من المؤكد أن السيناتور الديمقراطي جون تيستر سيخوض سباقاً صعباً بغض النظر عمن يرشحه الحزب للرئاسة، كما أنه ليس من الواضح بالضرورة أن مجموعات الناخبين التي تتفوق فيها هاريس على بايدن ستساعد الديمقراطيين كثيراً في ولاية محافظة مثل مونتانا، إذ ستوصم بأنها ليبرالية من كاليفورنيا.
تقدم ترمب
ولا يزال ترمب يتمتع بتقدم في أصوات المجمع الانتخابي بنحو 235 صوتاً مقابل 226 لهاريس وفقاً لتصنيف "إنسايد إليكشن" حتى يثبت العكس، ذلك أن المعركة الأساسية تتعلق بالناخبين المستقلين في ست ولايات تضم 77 صوتاً في المجمع الانتخابي، وقد يكون المكان الذي يتدفق إليه الناخبون المستقلون هو السؤال الأكثر أهمية في هذه الانتخابات.
ومنذ أشهر عدة بدا الأمر وكأن أسهل طريق لفوز بايدن هو الجدار الأزرق المكون من ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكنسن، لكن هذا ليس بالضرورة هي الحال بالنسبة إلى هاريس التي قد يكون من الأسهل بالنسبة إليها أن تحقق فوزاً في ولايات ذات نمو أعلى وتنوع سكاني أكبر مثل أريزونا وجورجيا ونيفادا، على رغم أنها قد تحتاج إلى فوز آخر في واحدة من ولايات الجدار الأزرق الثلاث التي لديها مزيد من أصوات المجمع الانتخابي.
وهناك سؤال رئيس آخر يتعلق بما إذا كانت هاريس ستحصد ما يكفي من الأصوات أم لا، فبينما يبدو أنها تستعيد أرضية بين الناخبين الأصغر سناً والناخبين الملونين الذين خسرهم بايدن أمام ترمب، إلا أن مراقبين يتوقعون خسارتها بعض الناخبين البيض من الطبقة العاملة الذين كانت لديهم صلة خاصة ببايدن لكنهم لن يشعروا بالشعور نفسه تجاه مرشح من كاليفورنيا.
وفي الوقت الحالي يستمتع الديمقراطيون بالحياة الجديدة التي غمرت حملة هاريس الانتخابية والنبرة الهجومية الجديدة لها، بينما يحاول ترمب فصل هويتها عن السود وتأكيد أنها كانت دائماً فخورة بتراثها الهندي.