Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة مع صيادي السمك في سوريا... وما خبأه البحر من أسرار

يصادف هؤلاء متاعب ومشقات عدة ويواجهون حرباً مع الصائدين في "الظلام"

صياد الصنارة فوق صخور أحد شواطئ اللاذقية (اندبندنت عربية)

صحيح أن فصل الصيف يلملم بقاياه هذه الأيام من مدينة اللاذقية غرب سوريا، ويرحل معه الموسم السياحي عن مدينة ساحلية يعتمد أهلها على البحر والسياحة كمصدر رزق. إلا أن شواطئ خلت من روادها المصطافين لا يزال يؤمّها أناسٌ حملوا في قلوبهم حباً لا يموت لزرقة بحر المدينة.

طعم الحياة

فوق ذلك الجرف الصخري، يرمي هواة الصيد بصناراتهم إلى داخل المياه المالحة، تاركين موج البحر الهادئ يقذف الديدان المعلّقة كطعم للأسماك، ويسرحون بعدها بنظرهم إلى جمود "قصب" الصيد ويرنون إلى أية حركة تقطع صمتها.

 يبحث هواة الصيد عن التسلية وعن كسب لقمة من أسماك البحر الصغيرة يضعونها في سلة القش قبل أن يعودوا إلى بيوتهم.

هنا فوق هذه الصخور، يرمق الصياد الثلاثيني "حامد" البحر بنظرة حسرة ويقول، "لقمتنا صغيرة نحن صيادو الصنارة، فلا تصل الشواطئ إلا الأسماك الصغيرة، ومع ذلك عدد كبير من الأسماك الصغيرة تصنع عشاء لذيذاً لعائلتي التي تنتظر قدومي على أحر من الجمر".

عمل الشاب حامد كصياد على مركب قبل أن يلتزم بوظيفة صباحية، ويأتي للجرف الصخري لممارسة هوايته والتقاط ما يمكن كسبه مما يجود عليه صديقه الأزرق "أبو اليتامى" كما يصف.

جوائز وهدايا

ومع أن أصحاب الصنارة ينظرون إلى صائدي الأسماك بالشباك بعين الإعجاب، كونهم يحصلون على الغلّة الأكبر والأوسع، إلا أن معظم هواة الصنارة راضون بما قسمه الله لهم.

يرضون أنفسهم بالقول "مما تشكي أسماك السردين الصغيرة؟"، والتي تغنيهم عن الذهاب إلى أسواق السمك التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني.

ومن الجهة الأخرى، تصطف في سوق السمك مع ساعات الصباح الأولى، أنواع واسعة ومتعددة بأحجام وأنواع وأشكال وألوان مختلفة. وقد شهد عاما 2016 و2017 بحسب الصيادين، أكبر نسبة صيد لسمك القرش وبأحجام وأوزان كبيرة وصلت لنصف الطن في السمكة الواحدة.

أسماك القرش

ويعدد صاحب محل في سوق السمك، ثائر حاج علي، أكثر أنواع الأسماك صيداً في الساحل السوري وهي (بلميدا وسرغوس وبوري وجراوي وسكمبري وغبس وكذلك السردين).

ويتابع "خيرات البحر كثيرة، وتغص شباك الصيادين بأسماك عجيبة وغريبة ومألوفة، ولعل ارتفاع الأسعار سببه التكاليف المرتفعة من الصيد، لكن الارتفاع الذي حدث هو للأسماك النادرة أو القليلة والتي تأتي مصادفة من الصيد مثل السلطاني وغيره من الأسماك".

في حين بلغ عدد أنواع الأسماك الكبيرة، وفق ما أعلنه المعهد العالمي للبحوث البحرية، قرابة 250 نوعاً، وسجل المعهد في وقت سابق اصطياداً على الساحل السوري (طرطوس واللاذقية) 180 كلم، تواجداً لأسماك القرش عام 2010. من جهته، أفاد مصدر مطلع أن عمليات التفجيرات في السنتين الأخيرتين قلّصت وجودها.

كذلك، يصادف صائدو "كنوز البحر" متاعب ومشقات عدة، وهي ليست كما يظنها صائدو الشواطئ، فالدخول إلى عمق البحر والسهر ليلاً أو الصيد باكراً ليس بالأمر السهل، واستخدام عمال أجرة لرفع الشبك وارتفاع سعر مادة المازوت، عوامل أدت إلى رفع أسعار السمك من 400 ليرة سورية إلى 4000 ليرة في الكيلو الواحد، هذا كمعدل وسطي للسمك، علماً أن الأسعار تتفاوت بحسب نوعيات الأسماك المختلفة.

كما ولا يجد صائدو السمك في الشباك ما يبهرهم ويثلج صدورهم، ففي أحيان كثيرة تعود الشباك خاوية إلا من الأسماك الصغيرة والتي لا تغطي الجزء اليسير من تكاليف الصيد.

وما خفي أعظم

الطريف ما يجده الصيادون في الشباك وسط البحر من أقمشة وقمصان وألعاب للأطفال. ويبدي الصياد أبو القاسم سخرية في حديثه عن تلوث الشاطئ واصفاً إياه بمكب القمامة الكبير، "البحر تغير والتلوث ينهش أرجاءه، لك أن تتخيل أن تجد أمتعة وأغراضاً منزلية وحتى ملابس داخلية اصطادتها شباكنا".

صيادو "الظلام"

مقابل ذلك، كل ما يخشاه الصيادون النوع الثالث من الصيادين، ويصفونهم بصيادي الظلام أو صيادي "العتمة" الذين يستخدمون "الديناميت" في الصيد، وسبب اعتماد هذه الأسلوب هو الحصول على كمية كبيرة ووافرة وبوقت قصير جداً، مقارنة بالصيد بالشباك أو الصنارة.

ويرى الصياد، أبو القاسم أن "هؤلاء لا يكترثون بالشروط القانونية الناظمة، وهم خارجون عن القوانين"، وأكثر ما يخيفه منهم هو وزملاؤه إصرارهم على التمرد على التشريعات التي تحظر استخدامهم هذه الطريقة.

 إلا أنهم يلتفتون على رقابة القانون ويرمون متفجراتهم في عتمة الليل من دون رادع أخلاقي ينهيهم عن الاصطياد بهذه الطريقة، حتى في أوقات يمنع بها الصيد، عندما تكون فيها الأسماك بفترة وضع البيض.

ولا تفارق الصيادين أغاني الحماسة (يا بحرية هيلا... هيلا) كنوع من قتل الوقت الطويل أثناء الصيد، وعلى الشواطئ يتمددون بعد أن يضعوا صناديقهم الخشبية ويرتبوها في انتظار تسويقها، وهم راضون بما قسمه لهم البحر في رحلة الخير.

المزيد من العالم العربي