ملخص
يقضي طرح "حماس" بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة خلال ستة أسابيع، وهي الفترة المحددة لتنفيذ المرحلة الأولى من صفقة الأسرى، على أن يعود إلى القطاع بعد تنفيذ الصفقة أو وفق ما يتمخض عنه الاتفاق.
تسعى الأجهزة الأمنية في إسرائيل إلى دفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الموافقة على صفقة أسرى فورية وسط تقارير عسكرية وأمنية تؤكد أن الفرصة لإعادة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين في غزة أحياءً تتآكل، وإذا ما تمكن الوفد المفاوض الذي سيصل إلى قطر بعد غد الخميس من التقدم نحو الصفقة فستكون هذه الفرصة الأخيرة أمام إسرائيل لإعادة أسراها.
وكشفت التقارير عن أن الأجهزة الأمنية مدعومة بوزير الأمن يوآف غلانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي ومجلس الأمن القومي، عرضت مقترحاً يقضي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة خلال ستة أسابيع، وهي الفترة المحددة لتنفيذ المرحلة الأولى من صفقة الأسرى، على أن يعود إلى غزة بعد تنفيذ الصفقة أو وفق ما تتمخض عنه اتفاقات بعد المرحلة الأولى.
مقترح الأجهزة الأمنية جاء لتذليل العقبات أمام التقدم في صفقة الأسرى، بعدما أبلغ نتنياهو رفضه التراجع عن مطلبه في ثلاثة بنود مركزية في الصفقة. يتمثل البند الأول في محور فيلادلفيا، إذ يصر نتنياهو على إبقاء السيطرة الإسرائيلية عليها وانتشار الجيش على طول 14 كيلومتراً ورفض التجاوب مع المقترح المعدل الذي توصل إليه الوفد المفاوض في جلساته الأخيرة في مصر وبموجبه تنتشر قوة دولية على المحول مع ضمان وحرص مصر على عدم تهريب أسلحة عبر فيلادلفيا. أما الثاني فهو عودة الغزاويين إلى شمال القطاع، إذ طالب نتنياهو بإقامة نقطة عبور خاصة للسكان الغزاويين للمرور عبرها بعد إجراء تفتيش دقيق من قبل الجيش لضمان عدم وجود مسلحين ومقاتلين من "حماس". في هذا الجانب، أيضاً بلور الوفد في لقاءات مصر صيغة تضمن السيطرة على عدم وصول عناصر "حماس" إلى شمال القطاع.
هاتان النقطتان بحسب مقترح الأجهزة الأمنية، لن تشكلان عائقاً إذا ما وافق المستوى السياسي على المقترح وتم انسحاب الجيش لمدة ستة أسابيع. أما البند الثالث الذي يصر عليه نتنياهو فمتعلق بحق إسرائيل في فرض "الفيتو" على عدد وهوية الأسرى الأمنيين الفلسطينيين الذين يقضون محكومية المؤبد وستشملهم الصفقة. وفي هذا الجانب لا يمكن لمقترح الأجهزة الأمنية حل الخلاف حوله، لكن أمنيين وعسكريين خرجوا بحملة واسعة لإقناع معارضي الإفراج عن أسرى أمنيين بأن الأمر لن يشكل خطراً مستقبلياً بعودة هؤلاء إلى تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين أو وفق مطلب البعض بأن لا حق لهم بالحرية بعد التخطيط لعمليات وتنفيذها ومقتل إسرائيليين.
الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين خرج بتصريحات لطمأنة الإسرائيليين وإقناعهم بأن إسرائيل لن تخسر شيئاً، وهي تصريحات تنذر بتصعيد مستقبلي لخطر في غزة. وقال يدلين، على كل إسرائيلي أن يعلم أن كل ما سنوافق عليه ويتضمنه مخطط الأجهزة الأمنية من انسحاب وغيره، يمكن لإسرائيل إعادته بعد تنفيذ الصفقة إلى ما كان عليه قبلها.
ويشرح يدلين موقفه، وهو من أبرز الشخصيات الرافضة لسياسة نتنياهو ويحمله مسؤولية كبيرة عن السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وعن فشل حرب "طوفان الأقصى"، وكذلك عن مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس". وأشار إلى أنه "يمكننا إعادة القتال إلى غزة متى شئنا، وإذا انسحبنا من محور فيلادلفيا أو غيره يمكننا العودة إليه من دون أي عائق بعد تنفيذ الصفقة، حتى إن الأسرى الفلسطينيين لنوافق الآن على الإفراج عنهم وسنعود بعد الصفقة ونعتقلهم أو نلاحقهم. كل هذا ليس مشكلة من أجل تنفيذ الصفقة. المشكلة هي رئيس الحكومة الذي يرفض الصفقة ويتخذ مواقف خطرة في حق الإسرائيليين سيحاسبه التاريخ عليه".
سباق مع الوقت
إسرائيل بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية تعمل حتى غد الخميس على مسارين، الأول إقناع نتنياهو بقبول انسحاب الجيش من غزة خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة وفي مسار مواز تعقد جلسات ماراثونية لبلورة مقترح ينقله الوفد المفاوض إلى الوسطاء، بما يضمن موافقة "حماس" عليه "حتى وإن شمل تنازلات عدة، ولكن الوقت يسبقنا بكل ما يتعلق بمصير الأسرى"، وفق مسؤول أمني.
حديث هذا المسؤول وغيره يأتي في أعقاب إعلان الجيش الإسرائيلي رسمياً، عن مقتل الأسيرين في غزة، ياغيف بوخشتاب وأليكس دانسينغ، إذ أثار إعلان الجيش غضباً عارماً بين مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي في مقدمهم عائلات الأسرى، التي بدأت تفقد الأمل من عودة أسرى أحياءً بعدما تراجع عددهم إلى أقل من نصف الموجودين في غزة، إذ تتوقع تقارير أنهم لا يتجاوزون 50 أسيراً على قيد الحياة من أصل 120 أسيراً بقوا في غزة.
الملف في واشنطن للمناقشة
بنيامين نتنياهو، المطلع على تفاصيل مقترح الأجهزة الأمنية للانسحاب من القطاع، أعلن أنه سيبحث الملف خلال زيارته مع كبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن، ومتوقع أن يطرح دوافع تعنته على استمرار السيطرة الإسرائيلية في غزة، فيما توقع إسرائيليون أن يكون إعلانه خلال لقاءاته في واشنطن مع أهالي أسرى يحملون الجنسية الأميركية بأن مقترح الصفقة ينضج، واحتمال تنفيذه قريباً، مؤشر إلى احتمال قبوله مقترح الانسحاب.
ويقول مسؤول أمني إن اصطحاب نتنياهو أسرى محررين وعائلات لأسرى ما زالوا في غزة إلى واشنطن، هي أيضاً بمثابة تأكيد التزامه بضمان التوصل إلى اتفاق صفقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مقابل هذا انتقد مسؤولون سياسيون وعسكريون نتنياهو على إدارته حرب غزة بينما رأى البعض أن نتنياهو تباطأ وحاول تخريب الاتفاق، لكنها لا تزال تأمل في أن يوقع عليه في نهاية المطاف، ولو على أساس فكرة أنه يستطيع الانسحاب من الاتفاق قبل المرحلة الثانية وإعادة الجيش الإسرائيلي بعد استعادة بعض الأسرى، وفق مسؤول أمني إسرائيلي.
من جهته يواصل رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي جولاته التفقدية في غزة، وكان قد شدد خلال جلسة الأجهزة الأمنية على أن بقدرة الجيش توفير المرونة المطلوبة للالتزام بشروط الصفقة والعودة الفورية إلى غزة إذا لم تلتزم "حماس" ببنود ضمان الأمن هناك خلال تنفيذ المرحلة الإنسانية الأولى على أن يكون هذا الجانب واضحاً لجميع الأطراف قبل التوقيع على الصفقة.
خان يونس رافعة ضغط على "حماس"
في وقت كانت فيه الأجهزة الأمنية تناقش مقترح انسحابها من غزة لمدة ستة أسابيع، أدخل الجيش مئات جنوده إلى خان يونس لتكثيف القتال في محاولة للضغط على قيادة "حماس" والتقدم في صفقة الأسرى. واعتبر الجيش المدينة مركزاً لقيادة "حماس" وتعزيز قدراتها العسكرية.
وادعى تقرير عسكري أن هناك عشرات الكيلومترات من الأنفاق التي لم ينجح الجيش الإسرائيلي في تدميرها خلال عملياته السابقة في خان يونس، مما استدعاه إلى الدخول إليها من جديد. وفي سباق مع الوقت يحاول الجيش تكثيف القتال لتحقيق أهدافه في خان يونس قبل التوصل إلى صفقة أسرى.
وفي تقرير نشرته قناة "كان" الإسرائيلية قال الجيش إن القياديين في حركة "حماس" يحيى السنوار وشقيقه محمد السنوار ومحمد شبانة يوجدون في خان يونس، وإن أجهزة الاستخبارات العسكرية تكثف نشاطها هناك بموازاة قتال الجيش للوصول إلى قادة "حماس". وفي تقديرهم فإن تكثيف القتال فوق الأرض وتحتها في خان يونس قد يدفع القيادة إلى التنقل من مكان إلى آخر "بانتظار أن يرتكب أحدهم خطأً ويظهر للعيان ليتمكن الجيش من اغتياله".
تلاعب نتنياهو بمعسكري الائتلاف
في أجهزة الأمن لا يتوقعون تجاوب نتنياهو مع مقترح الانسحاب من القطاع، وهم على قناعة بأنه يطلق تصريحاته ومواقفه وفق حاجته.
ويقول المتخصص في الشأن العسكري عاموس هرئيل "نتنياهو يتلاعب بمعسكري الائتلاف، من يؤيدون الصفقة ومن يعارضونها، وفقاً لحاجاته، وأنه سيتخذ القرار في نهاية الأمر بحسب الظروف السياسية. بقي حتى الآن رؤية كيف سيؤثر إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب من المنافسة في الرئاسة بالمفاوضات".
ويرى هرئيل أنه في حال توصل نتنياهو إلى قرار حول الصفقة "المتوقع أن يتم اتخاذه فقط بعد إلقاء الخطاب في الكونغرس وانتهاء الدورة الصيفية لـ'الكنيست'، لأن نتنياهو يخشى من أن يعرض القرار حكومة لخطر التفكيك".
من جهته أكد العقيد احتياط ليئور لوتين المستشار المقرب من وزير الأمن يوآف غلانت أن الفرص المتوافرة الآن للصفقة لن تتكرر، وقال، "هناك حاجة إلى المصادقة فوراً على مقترح الأجهزة الأمنية التي أكدت أن إسرائيل قادرة على التغلب على أي خطر سيشكله انسحاب الجيش من القطاع. الهواء في بالون المخطوفين آخذ في النفاد. لقد بقيت طبقة صغيرة من الأوكسجين ويجب إنقاذهم من الأسر قبل نفادها"، في إشارة إلى خطر استمرار عرقلة نتنياهو صفقة الأسرى.