في ظل استحالة إيجاد حل داخلي لمشكلة سلاح حزب الله برزت خطوة تسليح بحرية الجيش اللبناني بالعتاد المتطور، فكانت بمثابة إقفال ثقب من ثقوب الدويلة الكثيرة التي تعيق قيام الدولة اللبنانية. قبل الحرب اللبنانية عام 1975 كان للقوات المسلحة اللبنانية سلاح بحري مجهز بأحدث المعدات، وكان يُعد نسبياً أفضل من اليوم. تراجعت بحرية الجيش بعد الحرب، لكن الحاجة الى تطويرها بقيت دائمة واستمرت منذ قيام الجمهورية اللبنانية حتى اليوم.
دور النفط
مع دخول لبنان نادي الدول النفطية ومع اقتراب موعد التنقيب في مياهه الإقليمية، وبعد تلزيم مثلث "توتال" و"آيني" الإيطالية و"نوفاتاك" الروسية بأعمال التنقيب في أول بلوك، المعروف بالبلوك (رقم 4) في منطقة شمال لبنان، واستباقاً لنتائج التنقيب النهائية قبل أواخر هذا العام، باتت الحاجة ملحة الى حماية المياه الإقليمية والاقتصادية الخالصة للبنان، والتي تبلغ مساحتها حوالى 30 الف كيولمتر مربع. هذه الحماية لا يمكن تأمينها إلا بالقوى الشرعية اللبنانية، لأنها السبيل الوحيد للحصول على ثقة الشركات المطلوب تحفيزها للاستثمار في البلوكات المتبقية.
والتقت مصلحة لبنان مع المصالح الدولية فاتخذت الحاجة الى بحرية لبنانية أبعاداً أخرى لها علاقة برغبة الدول المشاركة بتمويل القوات الدولية المكلفة بالمهمة من حد مصروفها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاقتراح الدولي
حماية مياه لبنان الإقليمية تتولاها حاليا سفن Maritan task force التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان. ولأن هذه القوى مؤقتة وسيأتي يوم وتنتهي مهمتها، برز اقتراح دولي باستثمار الأموال التي تنفق على السفن الدولية، في قوة ثابتة ودائمة وشرعية هي الجيش اللبناني، على اعتبار أيضاً أن هذه الخطوة تندرج ضمن الخطوات الأساسية باتجاه الاستراتيجية الوطنية الدفاعية التي طالما جرى الحديث عنها بين الأقطاب اللبنانيين.
الخطة الأولى لتطوير الجيش اللبناني وضعت عام 2013، وتم تحديثها عام 2017، قبل عرضها في مؤتمر روما للدول المانحة والذي خُصص لدعم الجيش اللبناني. خطة تطوير الجيش تضمنت الحاجة الى ست فرقاطات تمكّنه من حماية مياهه الإقليمية، التي لا يمكن حمايتها بالرادارات وبالمناظير من بعد، بل عبر التواجد المستمر داخل المياه.
في روما أبدت فرنسا وإيطاليا استعدادهما لمساعدة الجيش عبر تأمين الخافرات الساحلية اللازمة، واقر مجلس النواب حينها ملياراً و600 مليون دولار بدل تجهيزات للجيش، لكن الدولة اللبنانية لم تتمكن من تسديدها نظراً للضائقة المالية المستمرة، لكن تسارع ملف النفط والتنقيب عن الغاز، جعل من تجهيزات الجيش ضرورة لا سيما البحرية منها، فكان الحل بالبحث عن استدانة بفوائد قليلة.
القرض الفرنسي
وفي زيارته الى باريس، تمكن رئيس حكومة لبنان سعد الحريري من إعادة إحياء القرض الفرنسي الذي كانت تعهدت به فرنسا لهذه الغاية في مؤتمر روما والذي تبلغ قيمته 400 مليون يورو (حوالى 500 مليون دولار أميركي)، بفوائد مخفضة ومع فترة سماح لسنوات، مقابل تعهد لبناني بتوقيع عقود لشراء فرقاطات من صنع فرنسي.
وعلم موقع "اندبندنت عربية" أن الحريري اتفق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على شراء أربع فرقاطات من فرنسا على أن يتم التعاون مع إيطاليا لشراء الباقي، نتيجة التزام لبناني تجاه الإيطاليين تسبب بعتب فرنسي.
السؤال؟
تجهيز البحرية اللبنانية لتتولى حماية المياه الإقليمية واللبنانية الخالصة، سلك طريقه الى التنفيذ في وقت بقي السؤال، إذا كان الجيش اللبناني الذي يملك العتاد اللازم لحماية حدوده البرية، وذلك وفق تأكيد قيادته العسكرية، لم يتمكن من الحد من دخول السلاح لحزب الله من والى سوريا، فهل سيتمكن من حماية حدوده البحرية بمعزل عن حزب الله؟ يرد عميد متقاعد في الجيش "فتشوا عن السلطة السياسية"، ويكشف أن كل ما يحصل من تهريب، سلاح كان أو بضائع لمصلحة الحزب، هو "المطنش" (المسكوت) عنه من قبل السلطة السياسية.
ويكشف العميد المتقاعد حادثة سابقة حصلت عام 2008، عندما حاول القائد المسؤول عن الحدود البرية وضع نقطة تفتيش على طريق سرغايا النبي الشيت في البقاع والتي توصل الى سوريا، بعدما اكتشف أن الطريق هذه تشهد فلتاناً في التهريب. وبعد أسبوع استُدعي من قبل مسؤوله الأعلى، وطُلب منه سحب الحاجز المستحدث، وقد حصل ذلك بضغط من حزب الله.
يختم العسكري المتقاعد "أسوأ دولة وأبشع دولة وأفقرها تبقى أفضل من أي دويلة"، الدولة تحتاج الى سلطة قادرة ويبدو من التجارب الحالية أنها لا تزال غير متوفرة.