Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يريد جونسون انتخابات مبكرة في بريطانيا بينما تخشاها المعارضة؟

سياسة لندن تقترب من الأميركية والاسرائيلية وتبتعد عن الأوروبية

يرى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن بريكست من دون اتفاق هي الصدمة التي تحتاجها البلاد (رويترز)

يحضر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أعمال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم، التي تبدأ الأحد 29 سبتمبر (أيلول)، للمرة الأولى كزعيم للحزب، وعلى الرغم من الانتقادات والاتهامات التي تنهال عليه، سيحرص جونسون على دفع الحزب نحو أجندته التي ترتكز أساساً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) نهاية الشهر المقبل.

وتتضمن الكلمة الرئيسة لجونسون يوم الأربعاء تعهداته للحزب، وللجمهور البريطاني الذي يتابع طبعاً، بزيادة الإنفاق الحكومي على الخدمات الرئيسة كالتعليم والصحة والإسكان والإجراءات المشجعة للأعمال، وسيكون خطابه "منشوراً انتخابياً" على اعتبار أن انتخابات مبكرة في البلاد لن تتأخر عن نهاية العام. ومنذ اللحظة الأولى لعودة البرلمان للانعقاد الأربعاء، بعد الحكم التاريخي للمحكمة العليا التي ألغت قراره وقف عمل البرلمان لأسابيع عدة، سيحاول جونسون دفع المعارضة إلى سحب الثقة من حكومته وإجراء انتخابات مبكرة.

لماذا لا يستقيل؟

في المقابل، تطالبه المعارضة بالاستقالة ولا تريد طرح الثقة في حكومته قبل موعد البريكست في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، لكن لماذا لا يستقيل جونسون وحكومته، وبالتالي يضع المعارضة والبرلمان والبلد كله أمام أمر واقع بضرورة إجراء انتخابات مبكرة؟ ببساطة، إذا استقالت الحكومة، ستتمكن المعارضة من تفويت فرصة تنفيذ جونسون للبريكست نهاية أكتوبر لأنها مستعدة لتأليف حكومة انتقالية تضم حزب العمال، المعارض الرئيس، والليبراليين الديمقراطيين وأحزاب صغيرة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في حال سحب الثقة، فستظل حكومة جونسون لتصريف الأعمال ويمكنها تحديد موعد الانتخابات المبكرة بعد موعد البريكست وبالتالي يتمكن جونسون من تنفيذ هدفه الأساسي بنهاية أكتوبر، وحتى إذا صوّت البرلمان بسحب الثقة من الحكومة، تظل أمام رئيسها فرصة أسبوعين كي يشكل حكومة أخرى يقدمها للبرلمان طلباً للثقة، ثم إذا لم تمنح الثقة، وهو شبه مؤكد، يمكن للملكة أن تكلف المعارضة بتشكيل حكومة، ويأخذ الأمر أسبوعين آخرين.

تلك هي الفترة المتبقية على البريكست، ولن تتمكن المعارضة من طلب تأجيل موعد البريكست ثلاثة أشهر أخرى وبالتالي تخرج بريطانيا من أوروبا، وفي الأغلب من دون اتفاق في نهاية أكتوبر. ويحسب هذا نصراً لبوريس جونسون وفريقه، يعزز صورة أنه "رجل يفي بوعده".

خشية المعارضة

أضف إلى ذلك أن المعارضة ليست في وضع جيد، وكانت انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو (أيار) الماضي مؤشراً محبطاً للأحزاب الرئيسة، خصوصاً حزب العمال، وربما كان الفائز الأكبر فيها هو حزب الليبراليين الديمقراطيين.

لذلك يخشى جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال أيّ انتخابات مبكرة الآن وبطريقة تتيح لبوريس جونسون تحقيق البريكست من دون اتفاق، لأن ذلك سيعني خسارة مدوية لحزبه في الانتخابات. والمشكلة أن كوربن يعاني من مشكلتين: الأولى أنه لا يمثل حزب العمال كله، فهو محسوب على فصيل يساري تقليدي فيه، والثانية أنه غير حاسم في قضايا كثيرة.

لكن الأهم أنه غير حاسم في موضوع البريكست، وهي القضية الرئيسة لبريطانيا كلها الآن وستكون أي انتخابات حوله، على عكس حزب الليبراليين الديمقراطيين مثلاً، الذي أعلن موقفه بوضوح أنه ضد البريكست كلياً، وليس فقط ما إذا كان باتفاق أو من دون اتفاق. أما كوربن، فعلى الرغم من أنه يفضل بقاء بريطانيا في أوروبا، إلاّ أنّه يحاول أن يبدو "رجل دولة"، ملتزماً بنتيجة استفتاء 2016 الذي صوّت فيه البريطانيون على الخروج من أوروبا. لكنه عارض تياراً داخل حزبه يطالب باستفتاء ثان، ولم يتفق مع الليبراليين الديمقراطيين على "إفشال" البريكست.

كل ذلك يجعل المعارضة تخشى الانتخابات، على الأقل الآن وفي ظل احتمال أن ينفذ جونسون البريكست، فيضرب عصفورين بحجر، يُخرج بريطانيا من أوروبا ويفوز في الانتخابات بشكل جيد يوفر له غالبية لا يحتاج بعدها إلى التحالف مع أحزاب صغيرة.

خطة جونسون

لا يعني ذلك أن الطريق ممهدة أمام جونسون لإنجاز البريكست، من دون اتفاق كما يريد، والفوز بغالبية في انتخابات مبكرة تعطيه شرعية تمكنه من الحكم لخمس سنوات من دون منغصات قوية. فلطبيعة جونسون نفسه، وطريقة تعامله مع السياسة، وبسبب الشرخ الهائل في بريطانيا حول البريكست، يتعرض رئيس الحكومة لانتقادات واتهامات من كل جانب.

والأخطر، ما يتعرض له من أركان حزبه من المحافظين التقليديين الذين يعتبرونه ممثلاً لتيار شعبوي يقترب من اليمين المتطرف. وآخر تلك الانتقادات، ما ذكره وزير الخزانة السابق فيليب هاموند، الذي نافس جونسون على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة خلفاً لتيريزا ماي، من أن هناك مصرفيين يدعمون بوريس جونسون سعياً للاستفادة القصوى من انهيار الجنيه الاسترليني مع البريكست من دون اتفاق.

وهناك أيضاً نواب حزب المحافظين الذين انشقوا عنه أو طردوا منه وأصبحوا مستقلين بعد تصويتهم لصالح تشريع يُلزم حكومة جونسون بعد الخروج من أوروبا من دون اتفاق. هذا إضافةً إلى حملة منظمة من نواب البرلمان، تتهمه بإثارة الفتنة في المجتمع بلغته الفجة وبعجرفته في وجه القانون والأعراف الدستورية. وأخيراً، وليس آخراً بالتأكيد، طلب التحقيق في استغلاله لمنصبه عندما كان عمدة لندن وفي إهدار مال عام على صديقة أميركية له.

تحقيقات واتهامات

وينضم جونسون إلى زعيمين مماثلين، من ناحية الحملة السياسية والإعلامية وحتى القضائية عليه، هما الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكلاهما يواجهان تحقيقات واتهامات إلى جانب حملات الإعلام وهجوم وانتقادات من السياسيين. وإذا كان نتنياهو نجح لسنوات طويلة في البقاء في الحكم، فإن فسيفساء السياسة الإسرائيلية قد لا توفّر له فرصة جديدة. أما ترمب، وعلى الرغم من كل مشاكله، فإن طريقته (وهو من خارج المؤسسة كما يُقال) ضمنت له النجاح في 2016 وعلى الأرجح ستمكنه من الفوز في انتخابات التجديد العام المقبل.

صحيح أن بريطانيا تختلف عن إسرائيل وأميركا، ويدرك بوريس جونسون ومستشاروه ذلك، لكن الخطة التي يتبعها جونسون تشبه إلى حد كبير خطة ترمب ويمكن أن تبقيه في منصبه وربما بشكل أقوى بعد الانتخابات المبكرة.

سياسة الصدمة

منذ قرار المحكمة العليا وتركيز جونسون، بنصائح مستشاريه، على هدف محدد "علينا أن نلبي طلب الشعب الذي قال كلمته في الاستفتاء بالخروج من أوروبا"، ومهما وُجهت إليه أسئلة، في البرلمان أو من جانب الصحافة والإعلام، لا يجيب عنها وإنما يحرّف الحديث بلباقة إلى أن "البريكست هو الحل". وعلى الرغم من أن بوريس جونسون يستغل البريكست كأداة انتخابية بالأساس، إلاّ أنّه ومستشاريه المقربين مقتنعون فعلاً بأن البريكست من دون اتفاق، أفضل لبريطانيا من ربطها بأوروبا باتفاق ينتقص من قدرتها على إدارة شؤونها باستقلالية.

وتلك مسألة تدغدغ مشاعر كثيرين من البريطانيين العاديين، ولا تروق سوى السياسيين التقليديين وبقية النخبة البريطانية الذين ينزعجون من الشعارات الشعبوية. لكن جونسون وجماعته يرون أن تلك النخب التقليدية عبء على أي تطور جذري بريطانيا بحاجة إليه الآن. ويرى جونسون وجماعته أن بريكست من دون اتفاق بمثابة الصدمة التي تحتاجها المملكة المتحدة كي تتمكن من التطور بعيداً من الجمود الأوروبي (ويعني ذلك اقترابها أكثر من النموذج الأميركي).

وقد جربت المجموعة ذاتها ذلك التكتيك في استفتاء 2016 واستخدمت شعارات (ثبت زيف كثير منها في ما بعد) في حملة التصويت للخروج مكّنتها من الحصول على النتيجة المبتغاة. وليس أمام جونسون وفريقه الآن سوى الاستمرار في سياسة الصدمة تلك، حتى إن كانت العواقب غير مضمونة مئة في المئة. إنما ذلك هو السبيل الوحيد تقريباً لاستمرار حزب المحافظين في الحكم وتقوية موقف جونسون وجماعته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات