Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا أصر نبيه بري على تعيين نجل أحد رموز حركة أمل وزيراً للثقافة؟ 

كان متوقعاً أن تحصل القوات اللبنانية على "الحقيبة"

وزير الثقافة اللبناني الجديد محمد داود داود (عن موقع مستشفى سند)

فاجأ تعيين محمد داود داود وزيراً للثقافة في الحكومة اللبنانية الجديدة، الوسط الثقافي، وطرح أسئلة قد تكون لها أجوبة غير واضحة تماماً. كان متوقعاً كما أشيع طوال "مخاض" التأليف، أن تحل في هذا المنصب الدكتورة مي شدياق، "القواتية" الهوى، لا سيما بعدما أصر حزب القوات على حيازة هذه الحقيبة، لكن اللحظات الأخيرة بدت حاسمة وتمكنت حركة "أمل" أو الرئيس نبيه بري من "خطف" حقيبة الثقافة بعد معركة "بيضاء" ومنحت شدياق وزارة التنمية الإدارية. لماذا أصرت حركة "أمل" على وزارة الثقافة الآن بعدما غضت النظر عنها طويلاً؟ بل لماذا اختار "الأستاذ"، رئيس المجلس النيابي منذ أكثر من ربع قرن، اسماً مجهولاً أو شبه مجهول في الوسط السياسي والثقافي؟ لماذا لم يختر نبيه بري واحداً من المثقفين "الأمليين" أو الأصدقاء وما أكثرهم، وبعضهم ملائم لملء هذا المنصب الذي يفترض خبرة في الشأن الثقافي، الخاص والعام؟ 

يحمل الوزير محمد، ابن احد الرموز التاريخيين في حركة أمل داود داود، شهادة اختصاص في علم الأحياء من الجامعة الأميركية – بيروت، إضافة إلى إنجازه دورات في الجراحة العامة وما يسمى علمياً "الصدمة الجراحية". ولعل صورا له خطيباً في احتفالات حزبية، تدل على ضلوعه في النضال الحزبي. لكنّ محمد لم يبلغ مرتبة والده القيادي المؤسس في حركة "أمل"، الذي رافق الأمام موسى الصدر أعواماً، وأخذ منه الكثير من خصاله الأخلاقية، وخاض معارك شرسة في الجنوب ضد إسرائيل، وقد اغتيل غدراً مع رفيقين له العام 1988 في مكمن نصبته في إحدى ضواحي بيروت، أيدٍ إجرامية "سورية – لبنانية" وفق بيان رسمي للحركة. 

وفي ردود فعل أولى على "توزير" محمد داود داود، أشيع أن إصرار نبيه بري على هذا "التوزير" لم يكن مجانياً أو بريئاً، وأنّ وراءه "غاية" في نفسه وهدفاً يعرفه المناصرون والأصدقاء وكذلك الخصوم. وغالباً ما يقال إن أي "ضربة" يوجهها رئيس حركة "أمل" ولو في الهواء، تكون "ضربة" معلّم. ولئن وصف بعضهم "غاية" الرئيس نبيه بري بـ "الصدمة الحزبية"، فثمة بعض آخر ما برح يتحرى عن هذه "المسألة" الملتبسة، مستوضحاً خفاياها. 

بدا توزير محمد داود داود بمثابة مفاجأة فعلاً. هذا الشاب ابن الثامنة والثلاثين، سيجد نفسه غريباً في وزارة الثقافة كما يعترف بعض المناصرين أنفسهم، وسيتطلب تمرسه في هذا الميدان فترة غير قصيرة، حتى وإن استعان بفريق من ذوي الاختصاص. ولديه أصلاً في الوزارة مدير عام، مثقف وأكاديمي وصاحب خبرة في حقل النشاط الثقافي، هو الدكتور علي الصمد، ويمكنه أن يكون ساعده اليمنى في العمل الثقافي الوزاري. وأصلاً ليس في لبنان وزارة ثقافة في المفهوم "المؤسسي" الشامل. في لبنان وزراء ثقافة يتوالون على المنصب بصفتهم أفراداً أو ممثلين حزبيين أو "طوائفيين" أو "مذهبيين". وغالباً يحلون في الموقع غير المناسب. وهذه الوزارة أصلاً أقرب إلى وزارة الدولة منها إلى أي وزارة أخرى، وزارة بوزير ومدير عام وبضعة موظفين. هكذا شاءتها الدولة منذ أن أعلنت إنشاءها عام 1993 تيمناً بالحكومة السورية التي لم تكن وزيرة الثقافة فيها حينذاك نجاح العطار، تجد وزيراً لبنانياً رديفاً لها، تجتمع إليه أو يستقبلها. وكم يبدو الكلام مستهلكاً في شأن هذه الوزارة التي لا تزال "شكلية" على خلاف غالب الوزارات الثقافية العربية. فالأعوام الستة والعشرون التي مرت على إنشائها لم ترسخها ولم تزد من حجمها. حتى الآن لم توجد هذه الوزارة مبنى لها حقيقياً ولا موقعاً ولا بنية ولا رؤية. بل إنها لا تزال وزارة وزراء يعينون ثم يرحلون وكأنهم لم يحملوا تلك الحقيبة. فلا أحد منهم يترك أثراً يذكر من بعده ولا أحد ينجز عملاً يشهد له، لا عليه. ولكن لا بد هنا من استثناء وزيرين لم تعرف الدولة أن تستفيد من حضورهما. الأول هو المفكر غسان سلامة والثاني هو الكاتب طارق متري، وكان في إمكان هذين الاثنين، لو مكثا فترة في هذه الوزارة، أن يحدثا نهضة فيها وإصلاحاً. غسان سلامة أوكلت الدولة إليه هذه الوزارة ليتولى مهمة الإشراف على القمة الفرنكوفونية التي استقبلها لبنان في عهده، فصرف كل الجهد لإنجاحها ونجحت فعلاً. أما الوزير طارق متري فورث الوزارة بفقرها وهزالها. لكنه واجه الرقابة على المسرح والسينما والكتب بجرأة، وسعى إلى تقديم مشروع قانون يحظر الرقابة المسبقة على الأعمال الإبداعية، وما زال هذا المشروع يرقد في الأدراج ولم يؤخذ به. 

كان غسان سلامة وطارق متري وحدهما القادرين على ترسيخ حقيقة هذه الوزارة، وعلى منحها شرعيتها ومعناها، لكن هذه الفرصة ضاعت مع ذهابهما، وقد لا تسنح مرة أخرى. أما الوزراء الآخرون الذين تعاقبوا على هذه الحقيبة فكانوا دوماً موقتين وكانوا يدركون جيداً أن هذه الوزارة أشبه بـ "محطة " أو "نزل" يتم الانتظار فيه، ريثما تسند إليهم حقائب أخرى. لكن هؤلاء لم يبخلوا لحظة في وهب رعايتهم إلى أي كاتب أو فنان أو مطرب أو "متعهد" حفلات طربية أو فولكلورية... ولم يتوانوا عن رعاية المهرجانات على اختلاف أنواعها والحفلات والولائم والمآدب. وكان في ظنهم أن وزير الثقافة هو أقرب إلى "المختار" الذي يتسع قلبه للجميع من دون استثناء. وروي عن وزير أنه راح يسأل، عندما تسلم مكتبه في هذه الوزارة، عن كتاب يشرح باختصار مفيد، معاني الثقافة وأصولها... كي يتمكن من العمل. وروي أيضاً عن وزير آخر يجهل أن جبران خليل جبران رسام عطفاً على كونه كاتباً. 

هل يمكن الرهان على الوزير "الأملي" محمد داود داود الآتي من عالم الاختصاص البيولوجي (من دون شهادة دكتوراه) وعالم النضال الحزبي، أم أنه سيكون عابراً مثل سائر الوزراء الذين عبروا من غير أن يتركوا أثراً وأن يحدثوا "صدمة" في الوزارة والحياة الثقافية؟ 

المزيد من آراء