Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توظيف عسكريين في الإدارات المدنية يثير تساؤلات الجزائريين

انتدابهم لتولي مناصب مسؤولية مباشرة على المرافق الحيوية والفنية والأنظمة ذات الصلة

استقدام عسكريين في الإدارات والوظائف المدنية الحساسة بالجزائر (مواقع التواصل)

ملخص

انتداب ضباط لمهام مدنية في قطاعات تعد استراتيجية وحساسة بالنسبة إلى الدولة الجزائرية

أعلنت الجزائر في خطوة "غير منتظرة" استقدام عسكريين في الإدارات والوظائف المدنية الحساسة ولتسيير مناصب استراتيجية، مما فتح نقاشات حول أسباب القرار وتوقيته، على رغم أن توظيف عسكريين سابقين في المؤسسات العمومية والخاصة ليس جديداً.

مرسوم رئاسي "غير منتظر"

وجاء في مرسوم رئاسي وقعه الرئيس عبدالمجيد تبون، وصدر في العدد الأخير من الصحيفة الرسمية أنه يمكن للعسكريين العاملين والمتعاقدين تقديم طلب الانتداب للعمل في الإدارات العمومية في حين ينتدب الضباط العمداء والضباط السامون لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الاستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد.

ولم يحدد المرسوم قائمة القطاعات الحساسة والمصالح الحيوية للبلاد، إلا أن المقصود وفق ما هو متعارف عليه الموانئ والمطارات وقطاع الكهرباء والمياه وأنظمة الاتصالات والمجالات الرقمية وكل ما يتعلق بالأمن الغذائي من الإنتاج إلى التموين، مروراً بالتخزين، إضافة إلى قطاع الصحة والطاقة، وغيرها.

وتواصل هيئات وزارة الدفاع التي يتبعها المستخدمون المنتدبون ضمان تسيير مسارهم المهني، لا سيما فيما يتعلق بالترقية في الرتبة وإسداء الأوسمة والتكوين طبقاً للتشريع والتنظيم الساري المفعول، كما يبقون خاضعين لمجموع الواجبات القانونية والأساسية التي تحكم حالة العسكري، ويخضع هؤلاء لمجموع الأحكام التنظيمية السارية المفعول في الإدارة المدنية العمومية المستقبلة، إذ يستوجب عليهم التفرغ كلياً للمهام الموكلة إليهم.

ترتيبات تولي العسكريين مسؤوليات مدنية

ويخضع تنقل المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين المنتدبين خارج التراب الوطني لرخصة خروج مسبقة من وزير الدفاع طبقاً للتنظيم الساري المفعول، فيما تسري على تنقلهم داخل البلاد إجراءات معمول بها في الإدارات المدنية العمومية المستقبلة، وكل إخلال بقواعد الانضباط والواجبات المهنية المرتكبة من هذه الفئة محل تقرير مفصل توجهه السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المستقبلة إلى وزير الدفاع.

وعدت الوثيقة أن المستخدمين العسكريين خارج الأسلاك المكونة للجيش يمكن لهم شغل منصب عمل في إدارة مدنية عمومية، وينتدب هؤلاء بناءً على طلب يوجه من قبل السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية إلى وزير الدفاع الوطني، ويوضح في الطلب طبيعة ومستوى حساسية منصب العمل وتصنيفه، وكذا المؤهلات الخاصة بالمجالين العسكري أو الأمني المشترط لتوليه، على أن يكون الانتداب مرة واحدة خلال المسار المهني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتداب محدود

حدد المرسوم طريقة إنهاء الانتداب إما تلقائياً بعد انقضاء فترة هذا الأخير، وإما خلال فترة الانتداب بمبادرة من وزير الدفاع أو من السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية بالتنسيق مع وزير الدفاع، أو بناءً على طلب المستخدم العسكري العامل أو المتعاقد المنتدب، بعد موافقة وزير الدفاع. وأشار إلى أن مدة انتداب المستخدمين العسكريين العاملين والمتعاقدين حددت بين عام واحد قابل للتجديد وثلاثة أعوام، ويمكن الترخيص بتمديد مدة الانتداب المحددة من طرف وزير الدفاع.

في المقابل ينتدب الضباط العمداء والسامون لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الاستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد وتمديدها حصرياً بعد الموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية بموجب مقرر من وزير الدفاع وبالتنسيق مع السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية.

قراءات "مسيسة"

وفي السياق يرى الحقوقي حنافي حاج في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "ما فرض اللجوء إلى الخطوة هو الواقع المرير، والمرير جداً في بعض القطاعات الحيوية التي تشهد سوء تسيير من مديرين مركزيين وتنفيذيين نتيجة هدر المال العام وإبرام صفقات، وبخاصة في قطاعات حيوية كالصحة والتربية، وغيرهما، وقال إن انتداب إطارات من المؤسسة العسكرية من عمداء وعسكريين سامين عاملين ومتقاعدين أمر يظهر حزم الدولة وتوجهها في قطع الطريق أمام معوقات التنمية التي تعول عليها وعلى الخصوص في القطاعات الحساسة".

وانتقد حاج قراءات "مسيسة" لبعض الأطراف للمرسوم، والتي ترى أنه "يدفع إلى تغول المؤسسة العسكرية في الشأن العام"، مشيراً إلى أن "هناك طابعاً فكرياً ساد لفترة يعتمد استمالة المديرين المركزيين والولاة والمديرين التنفيذيين بالرشوة وتقديم الموائد وإقامة حفلات الصخب واللهو للحصول على مشاريع وطلبيات مشبوهة". واعتبر أن "المقاول أصبح صاحب القدح المعلى والكلمة الفارقة لأنه يستطيع الوصول بماله إلى تقرير شأن الدولة السياسي والتنموي". وختم مقترحاً العودة لنظام المندوبيات لتكون نماذج تنموية رائدة يقتدى بها في مجال التسيير.

عسكرة الحياة المدنية

من جانبه يعتقد الباحث والمهتم بالشؤون الجزائرية والدولية عبدالرحمن بوثلجة في حديث خاص أن الهدف من المرسوم ليس عسكرة الحياة المدينة كما يعتقد البعض، إذ إن المرسوم يتحدث عن انتداب ضباط لمهام مدنية في قطاعات تعد استراتيجية وحساسة بالنسبة إلى الدولة الجزائرية، مثل ما حدث أخيراً مع تعيين ضابط سامٍ لتسيير قطاع الجمارك، مبرزاً أن السبب هو احتياج بعض القطاعات إلى تكوين عسكري أو أمني من جهة، وأنها في حاجة إلى قدر كبير من الانضباط من جهة ثانية.

ويواصل بوثلجة أن المؤسسة العسكرية معروفة بانضباط أفرادها في أداء المهام والصرامة في تطبيق القوانين والالتزام بها، مشيراً إلى أنه "إذا كانت هذه الخطوة ستجعل من سير تلك القطاعات بطريقة أفضل وتقلل التسيب فيها، فإن المواطن سيرحب بذلك ما دامت تنعكس إيجاباً على حياته اليومية".

ضبط الجانب التسييري

إلى ذلك يعد الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمنية والسياسية عمار سيغة في تصريح خاص أن المرسوم يأتي في ظل الانفتاح الذي تشهده المؤسسة العسكرية على القطاعات الاقتصادية والاستراتيجية على الخصوص، موضحاً أنه بالنظر إلى مستويات التكوين والتأطير التي يحوزها ضباط وإطارات وكوادر هذه المؤسسة فإنه يمكن قراءة الخطوة برغبة صانع القرار في الاستفادة من تجربة وخبرة منتسبي المؤسسة العسكرية. وأشار إلى أن عديد القطاعات العسكرية لها معاهد وأكاديميات، سواء جزائرية أو دولية في مختلف المجالات والتخصصات، وهو ما يسهم في التلاحم والاندماج.

ويتابع سيغة أن القرار يندرج في سياق سياسات الإصلاح القطاعي الاستراتيجي الذي تعكف عليه الدولة، لا سيما بالنظر إلى مستويات الضبط والحيطة حيال كل ما يمكنه المساس بالمؤسسات الاستراتيجية على وجه الخصوص، لافتاً إلى أنه يمكن ربط الخطوة برغبة صانع القرار في ضبط الجانب التسييري في ظل بعض التجاوزات المسجلة، وتمكين قيادة الشركات المعنية من فرض الانضباط والشفافية والصرامة.

وجود عصابة

ويأتي ذلك تطبيقاً لما لمح إليه الرئيس العام الماضي عندما شدد على إمكانية منح تسيير قطاع المياه وقطاعات حساسة أخرى لإطارات متخصصة من مؤسسة الجيش، وقال في زيارة له لمحافظة تيبازة إنه سينقل إدارة مشروع لتحلية مياه البحر لوزارة الدفاع بسبب وجود "عصابة حاولت تخريب المشروع"، على حد قوله.

ومن المنتظر أن تشرع وزارة الدفاع الجزائرية في انتقاء الإطارات المؤهلة لتعيينها في مناصب مدنية بعد موافقة رئيس الجمهورية، إذ إن العمداء والضباط السامين خريجي المدارس العليا التقنية المتخصصة ينتظر إدماجهم في تسيير بعض قطاعات الشأن العام من خلال انتدابهم لتولي مناصب مسؤولية مباشرة على المرافق الحيوية والفنية والأنظمة ذات الصلة المباشرة بالخدمات الأساسية في المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي