حتى وقوف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء السبت، أمام الإسرائيليين في مؤتمره الصحافي، بعد ساعات طويلة من المشاورات الهاتفية وتقييم الوضع في اجتماع للكابينت المصغر، كانت إسرائيل، عبر وسائل إعلامها ومسؤوليها السياسيين والأمنيين ورجال الاستخبارات والقيادة العسكرية، حسمت أن الرجل الذي فشلت في اغتياله ثماني مرات، نجحت هذه المرة في تحقيق هدف تصفيته، ضمن عملية دقيقة استغرق اتخاذ قرار إسقاط طن من المتفجرات في خمس قنابل ثقيلة الوزن، ساعات طويلة من التنسيق وتدقيق المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها الطائرات المسيّرة وزودها بها عملاء فلسطينيون تنقلوا ما بين المواصي وخان يونس في المناطق التي أطلق عليها الإنسانية، بحسب عسكريين إسرائيليين.
"إنه إنجاز خارق ونوعي وجميع الجهات التي خططت للعملية ونفذتها تستحق الثناء"، هكذا جاءت ردود مسؤولين إسرائيليين منذ لحظة تنفيذ العملية في المواصي غرب خان يونس، على رغم أن الإسرائيليين قلما يتحدثون السبت.
على مدى سبع ساعات متواصلة
إعلان نتنياهو في المؤتمر الصحافي عدم التأكد من اغتيال الضيف، أدخل الإسرائيليين في حال من الإرباك، وتراجعت لهجة التأكيد الإسرائيلي على نجاح العملية، فيما ثارت عائلات الأسرى بغضب على الحكومة ورئيسها وأجهزة الاستخبارات، لتوقيت تنفيذ العملية الذي تزامن مع تزايد احتمالات التسوية والتوصل إلى صفقة قريبة".
ولاحقت التساؤلات المسؤولين بعد تردد معلومات عن فشل عملية اغتيال الضيف، لكن لدى هؤلاء قناعة كاملة بأن الضيف قُتل وبرروا ذلك بدقة المعلومات الاستخباراتية التي وصلت قبل تنفيذ العملية، ونوعية القنابل المستخدمة والصور التي نشرها الجيش قبل الغارة وبعدها والتي تظهر حجم الأضرار التي ألحقتها هذه العملية.
مسيّرات وطائرات مقاتلة
القائد السابق لسلاح الجو أيتان بن إلياهو أكد مقتل الضيف، قائلاً إن "القرار اتخذ بإطلاق القنابل بعد التأكد من وجوده من مختلف الجهات الاستخباراتية والمعلومات التي وصلت إلى المركز الخاص الذي أقيم خلال الحرب لمراقبة قيادة ’حماس‘ من قبل ’شاباك‘"، وأضاف أن "هذه عملية تختلف عن معظم سابقاتها من عمليات الاغتيال، إذ إن الاعتماد الأساسي هذه المرة كان على الطائرات المسيّرة التي كانت موجودة في المنطقة لساعات طويلة، وهي قادرة على إلقاء القنابل وتحديد تحركات الهدف، وعملت بتنسيق كامل مع طائرات حربية لتوجيه الضربة وضمان نجاحها ودقتها".
سلاح الجو، وبحسب المعلومات، أطلق بداية ثلاث قنابل ثم قنبلتين بزنة طن من المتفجرات للتأكد من إصابة الضيف الذي وفق التقرير الإسرائيلي، أخرج من الأنفاق إلى منطقة مفتوحة استغل أنها "إنسانية".
وبحسب المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها "شاباك" وأكدها أكثر من مسؤول أمني إسرائيلي، إضافة إلى "العملاء الفلسطينيين في غزة الذين قاموا بدور في جمعها"، فإن الضيف كان في طريقه إلى اجتماع مع قادة حركة "حماس" لبحث سبل استمرار القتال في غزة.
وتردد في إسرائيل أن سلاح الجو حاول أكثر من مرة اغتيال الضيف، لكن وجوده قرب أسرى إسرائيليين ألغى أمر التنفيذ، أما عملية المواصي، بحسب الجيش، فنُفذت بعد التأكد من عدم وجود أي أسير إسرائيلي في المنطقة أو حتى على مقربة منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرئيس السابق لوحدة العمليات في الجيش يسرائيل زيف على قناعة بأن الضيف قُتل، وقال "سيتطلب الأمر وقتاً من الزمن للتأكد من تصفية الضيف، ولكن من دون أدنى شك فإن المعلومات الاستخباراتية وتعقبه من مختلف الجهات التي اهتمت منذ أشهر بمراقبة قيادة حماس في غزة، تؤكد تصفيته، كما أن التنسيق الدقيق والمهني بين مركز الاستخبارات الذي توافرت لديه المعلومات كافة وتوقيت إلقاء القنابل يجعلان الاحتمالات عالية جداً بأنه لم يخرج حياً، أما إذا تبين، بالفعل، أنه بقي على قيد الحياة، فهذه معجزة".
"لولا الضيف ما كان هناك السابع من أكتوبر"، هكذا قيّم يسرائيل زيف دور الضيف في بناء "حماس" وتقويتها، موضحاً أنه "شخصية أسهمت في تعزيز قدرات ’حماس‘ ونقلتها من تنظيم مقاتل متوسط القدرات إلى جيش نجح في تجنيد 3500 من عناصره لاختراق إسرائيل. وبعملية تصفيته، وهنا أؤكد أنني على قناعة باغتياله، تلقت الحركة ضربة قوية لجهة عملها وتعزيز قدراتها العسكرية والقتالية أيضاً، ولا شك في أن هذه العملية أضعفت الحركة ولن تجعلها قادرة على الانتعاش بعدها، مما سيجعل السنوار وحيداً في مواجهة الوضع الحالي للحركة ولقطاع غزة".
وبرأي زيف، فإن استهداف الضيف يشكل أيضاً ردعاً لـ"حزب الله" وإيران، وكذلك سيمس بصورة كبيرة عمل "حماس" لكنه أضاف أن "الأمر الأهم هو في ترجمة هذا الإنجاز إلى استراتيجية للقتال في غزة وأيضاً إلى صفقة الأسرى التي وإن ستؤدي العملية إلى تجميدها موقتاً، لكنها ستشكل رافعة ضغط على ’حماس‘ للتسريع في التوصل إلى اتفاق".
كيف ستؤثر في صفقة الأسرى؟
يرى زيف أن "السنوار سيجد نفسه وحيداً في المعركة بعد الضيف، وسيشعر بأن الحبل يلتف حول عنقه، وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً كبيراً عليه ويجعله يعيد حساباته. العملية هي إنجاز كبير وستعجّل في التوصل إلى صفقة. صحيح أنها عرقلت استمرار المفاوضات هذا الأسبوع، ولكن من دون أدنى شك ستمنع السنوار من تحقيق مزيد من الإنجازات".
ما بين المواصي والأسرى الإسرائيليين
الخبير في الشؤون الأمنية شمعون شيفر خرج عن الأجواء التي أثارها معظم الأمنيين والسياسيين والخبراء والباحثين، ورأى أن إسرائيل أمام معضلة في أعقاب استهداف الضيف، وتساءل "هل نظر أصحاب القرار في تداعيات تصفية محمد ضيف على فرص تحرير المخطوفات والمخطوفين. وإذا كانت حقاً فرص التوصل إلى صفقة كبيرة جداً، كما يعتقد كثيرون ممن يشاركون في المفاوضات، فإن قرار تصفية الضيف الآن كان خطأ".
ويوافق شيفر الخبير في الشؤون العسكرية عاموس هرئيل، لكنه يرى أن نتنياهو، وبغض النظر عما إذا كان توقيت العملية مناسباً، يسعى جاهداً إلى عرقلة الصفقة، خصوصاً بعد خلافاته مع رئيس "الموساد" ديفيد برنياع وتقييده صلاحيات الوفد المفاوض في اتخاذ القرارات.
وقال هرئيل إن الأزمة مع الأجهزة الأمنية تتعمق لدرجة الوصول إلى قطيعة خطرة بين قادة هذه الأجهزة ونتنياهو، مضيفاً أن "رؤساء جهاز الأمن يتحدثون منذ أسبوع تقريباً عن وجود فرصة لن تتكرر لتحقيق الصفقة مع ’حماس‘ التي ستكون مرهونة بتقديم تنازلات مؤلمة. ولكن نتنياهو يختار التشدد العلني في موقفه في المفاوضات، مما يمكن أن يفشلها. والخلافات تعكر أكثر العلاقات بين المستويين السياسي والأمني، وتبقي الأسرى في غزة وإسرائيل برمتها رهينة سياسة نتنياهو الساعية إلى البقاء أطول وقت في الحكومة".